استضافت، أول أمس، المكتبة الوطنية الجزائرية المفكر المصري الإسلامي الدكتور حسن حنفي في ندوة فكرية ألقى خلالها محاضرة تحت عنوان "السلفية والعلمانية صراع أم حوار" وحضر هذه الندوة الفكرية أبرز الوجوه الفكرية والثقافية الجزائرية حيث اكتظت بهم قاعة "الأخضر السائحي". إن عنوان محاضرة الدكتور حسن حنفي "السلفية والعلمانية صراع أم حوار؟" يثير الكثير من الأسئلة ويشكل جملة من الاستفهامات والتعجبات إذ حشر الأمر في الراهن العربي وتأزماته في الصراع بين السلفية والعلمانية والسلطة وتقريب المسافة بينهما وتضييق الهوة عن طريق الحوار والمصالحة الوطنية يؤدي الى حل إشكال صراع الإخوة. الدكتور حسن حنفي استعرض بأسلوبه الشيق، الذي يشد إليه السامع، الرؤية للإسلام بين المشرق والمغرب العربيين، حيث رأى أن ببلاد الشام تداخلت القومية العربية والوطنية والإسلام، بينما في المغرب وعلى الأصح في الشمال الإفريقي الذي أدرج فيه مصر لا نعرف إلا العروبة والإسلام بدءا من الأفغاني، علال الفاسي، ابن باديس، الإبراهيمي، الشيخ بن عاشور وحسن البنا. وفي توصيفه للواقع المزري الذي يتخبط فيه الراهن العربي يرى حسن حنفي أن التقاتل فيما بيننا غدا سمة، حيث أصبح الكل يلقي باللوم على الآخر وأن الدماء التي تسفك والتفجيرات التي تدمر تعطي الغرب الذريعة لاتهامنا بالعنف والإرهاب. ويأتي الدكتور حسن حنفي ليحاول إيجاد مشروع طريق نحو الحل والتقارب بين السلفيين والعلمانيين على حسب استنتاجه وذلك عن طريق الحوار، فالرسول قال "كلكم راد، وكلكم مردود عليه" ويتساءل حسن حنفي فيما الخلاف بين الطائفتين، الإخوة الأعداء؟ هل هناك إمكانية للاتفاق؟ هل الخلاف في اللغة؟ ويحاول الدكتور في إجابته أن "يعلمن الإسلام" ويفسّره تفسيرا علمانيا يؤكد نظريته التقاربية بل التواحدية بين الإسلام والعلمانية، فيقول: الحركة الإسلامية تستخدم لغة الشرع، الحلال، الحرام، الشهادة التي تعني إعلانا للحق ورفضا للسيطرة وهذا يعني أن الناس متساوون فهل هذه سلفية أم علمانية؟، الصوم هو الإحساس بالفقراء، الصلاة هي الأخلاق والإحساس بالواجب، لكل وقت عمله، هل هذه سلفية أم علمانية؟ الحج هل هو رحلة سياحية تجارية أم مؤتمر دولي، إن الإسلام وسيلة لإسعاد البشر، الإمام الكافر العادل خير من الإمام المسلم الظالم، مقاصد الشريعة الدفاع عن الحياة والعقل والدين والكرامة الإنسانية في العرض، والمال، الثروة الوطنية. ويرى الدكتور حسن حنفي أن اللغة هي المسؤولة، الإسلاميون يختارون اللغة الشرعية، والعلمانيون يختارون اللغة الإنسانية، فاللفظ لا يهم وعلى كل فريق أن يتفهّم الآخر. ويتساءل مرة أخرى حسن حنفي، هل الخلاف يكمن في الشعارات"، "الحاكمية لله"، والله لا يحكم بشخصه بل بشارعيته، "الحاكمية لله" شعار يحتاج الى تحليل، "الإسلام هو الحل"، "الإسلام هو البديل"، يحتاج الى ظروف ملائمة، تطبيق الشريعة الإسلامية تقوم على العدل وهذا لا يعني الحدود وقطع يد السارق وهذا يتطلب البحث عن العلل التي أوجبت السرقة، ينبغي إعادة بناء الفقه القديم وندخل فقه البنوك وأزمة البنوك التي تعمل حاليا. ثم يردف الدكتور حسن حنفي متسائلا: "هل الخلاف في التفكير؟"، في الوحي السؤال يبدأ من الواقع والإجابة تأتي، والعلمانية تبدأ من الواقع الى النص من الزمان والمكان وكلاهما سليم، فالأول الإسلام يستنبط من النصوص. والثاني يستقرئ الأحكام من الواقع، الحق في الحركة الإسلامية مطلق، وفي العلمانية نسبي، هل الخلاف في الرؤية؟ في الإسلام الرؤية بدايتها الله، وفي العلمانية التركيز على الإنسان، والمسافة ليس بينهما كبيرة الإسلام والعلمانية العلمانية تركز على الإنسان بالشكل، والإسلام يركز على جوهر الإنسان، على المضمون، والمضمون أهم من الشكل بكثير، ومضمون بلا شكل أفضل من شكل بلا مضمون. الإسلاميون يدافعون عن القديم والعلمانيون يدافعون عن الجديد، الإسلاميون يدافعون عن الثبات والعلمانيون عن المتغير. ويستخلص الدكتور حسن حنفي من نتائج تحليله أن الإسلام دين علماني في جوهره مساحة الاتفاق كبيرة بين العلمانية والإسلام، هما الخلاف؟ الخلاف بينهما على السلطة صراع على السلطة، الحل أن يفهم الجناحان الرئيسيان القضية، عليهما أن يتحاورا، يتحاوران مع الدولة من أجل الوصول الى المصالحة الوطنية، الحركة الإسلامية عليها أن تتحرر من المحافظة، عليها أن تؤمن بالتعددية السياسية، العلماني عليه أن يحفر في تراثه القديم ليجد جذوره، الحفر في القديم من أجل رؤية العلمانية من الداخل، والاختلاف يكمن في اللغة، بينما الاتفاق بينهما في الجوهر، وأن الذي يقوم بالمصالحة الوطنية هم الأساتذة الجامعيون، الإعلاميون أئمة المساجد، العلمانيون المستقلون القادرون على رعاية الثقافة الوطنية، الأحزاب السياسية وليس السلطة بمفردها، السلطة الحقيقية ليست في القصر بل في من يتحكم في العقل، الحق بدأ في مكة قبل المدينةالمنورة، بدأ إعداد البشر، إعداد الذهن، ثم تأتي مرحلة الدولة التي هيئ لها الإنسان ومن هنا جاء الحديث الشريف "لا هجرة بعد الفتح". هكذا أنهى الدكتور حسن حنفي محاضرته مؤكدا أن لا خلاف بين العلمانية والإسلام في الجوهر وإنما في اللغة ويمكن التقريب بينهما وبإمكانهما الانسجام في ظل دولة واحدة عمادها الحوار والتداول على السلطة. وفتح المجال بعد ذلك للمنافسة التي كانت بين معارض ومؤيد وناقد للفكرة، ويبقى السؤال مطروحا "هل المشكلة مشكلة علمانية إسلامية أم مشكلة صراع على السلطة"، فالسلفية تعني الإنسان النموذجي الذي حققه الإسلام في رعيله الأول من الصحابة والذي من خلاله استمثال القرآن واستسلاكه اجتماعيا وهذا يبقى من الناحية التطبيقية نسبيا باعتراف الرعيل الأول من الصحابة الذين عندما يجلسون للرسول يكونون على حال وصورة مختلفة وعندما يخرجون من عنده يتحولون الى صورة مختلفة، فذكروا ذلك للرسول فقال فيما معناه لو بقيت على الحالة التي كنتم فيها لصافحتكم الملائكة. هذا الإنسان المثالي لا يمكن أن تحققه السلفية الحديثة، ولا أيضا المثالية العلمانية التي هي الأخرى نسبية لا يمكن أن تستجيب لكل حقوق الإنسان واحتياجاته بعدل وإنصاف.