يُجمع الإعلاميون والمتابعون لفعاليات تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، على أن الترويج لها لم يكن في المستوى المطلوب، وهو ما جعل هذه الاحتفالية تمر مرور الكرام في الكثير من محطاتها، ولم يبلغ صداها حتى أقرب المدن إليها. "المساء" خاضت في الأسباب، وسألت المسؤول الأول عن دائرة الاتصال، كما رصدت آراء بعض الزملاء الصحفيين. محمد كمال بلقاسم، رئيس دائرة الاتصال: لا نتحمّل مسؤولية العزوف الإعلامي رفع محمد كمال بلقاسم رئيس دائرة الاتصال، مسؤوليته عن العزوف الإعلامي الذي لحق بتظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، بدون أن يبرّر ذلك بإجابة مقنعة. وفضّل، في هذا الحديث إلى "المساء" أن يردّ بإجابات هلامية، إذ لم يكن قادرا على تحديد ميزانية دائرته أو عدد المشتغلين الذين يشرف عليهم، وبدا غير متحكّم في زمام أموره الاتصالية، ذلك أنّ الاستراتيجية التي تبنّاها في أدائه لم تثمر، ورهن الترويج اللازم لتظاهرة وطنية وعربية هامة، ذلك أنه لم ينهل من التجارب السابقة. — ما هي أهم ملامح الاستراتيجية الاتصالية التي تمّ تبنيها لإيصال صدى تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015"؟ ❊ عكس ما يظنه البعض، لسنا خلية اتصال ولكن دائرة اتصال، وركزنا على الاتصال المؤسساتي، الرامي إلى الدفاع عن التظاهرة وتقاسم القيم التي يرفعها هذا الحدث، إلى جانب التنسيق بين مختلف الدوائر الفنية للمحافظة؛ فكلّ دائرة لديها مكلّف بالإعلام لديه شبكة من الصحفيين اعتاد التعامل معهم.. دورنا التنسيق أكثر من أي شيء آخر، وهذا لم يمنعنا من تنظيم بعض النشاطات الجوارية لخلق نوع من الوتيرة. وجلّ نشاطاتنا جوارية بالتنسيق مع الهيئات الثقافية تحت وصاية وزارة الثقافة، على غرار ما قمنا به مع الأوركسترا السيمفونية، المركز الوطني للسينما وغيرهما. — لكن هذه ثالث تظاهرة بهذا الحجم تنظمها الجزائر، وتترجم التزاماتها الدولية، لكنكم تتحدثون عن عدم فهم ماهية تظاهرة قسنطينة؟ ❊ المشكل ظهر قبل انطلاق التظاهرة، وهو أهم مرحلة.. عاصمة الثقافة هدية لمدينة قسنطينة في وقت الوالي السابق نور الدين بدوي الذي كان يحمل نظرة استشرافية لها، فقسنطينة كانت تنقصها الهياكل الفندقية والمنشآت الثقافية، فظهرت ضرورة تهيئة المدينة لذلك.. والإعلام كان شريكا، وتمّ الإعلان عن برنامج التظاهرة. — تقصدون برنامج الثلاثي الأوّل من التظاهرة؟ ❊ البرنامج سُطّر من قبل، فكلّ دائرة حدّدت معالم برنامجها وفق ميزانية معيّنة. والجزائر، كما سبق وقلت، نظّمت ثلاث تظاهرات كبرى، وقسنطينة سارت على نفس النهج واتّخذت نفس التدابير. — وُجّه انتقاد للجانب الاتصالي في التظاهرة، ما تعليقكم؟ ❊ هذا العمل يقوم به المكلفون بالإعلام بالدوائر الفنية، ثمّ تعلم به دائرة الاتصال، وهو ما تمّ العمل به خلال تظاهرتي "الجزائر عاصمة الثقافة العربية في 2007" و"تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية في 2009".. — حسب علمي، لم يتم اعتماد هذه الطريقة في التظاهرتين السابقتين؟ ❊ المشكل أنّه ليس لدينا صحافة متخصصة إضافة إلى أنّ فريق العمل تغيّر ثلاث مرات، فالمحافظ الحالي هو ثالث محافظ، وهذا التغيير أثّر على العمل ككل، كما تغيّر رؤساء الدوائر.. ولا بدّ من أخذ كلّ هذا بعين الاعتبار. ونحن محظوظون لأنّنا وصلنا إلى نتيجة مرضية.. فإذا كان هذا فريق عمل لستة أشهر وأنجح التظاهرة، ماذا سيكون الأمر لو عملنا لعامين. — ردّكم على الانتقادات.. ❊ نقص الإعلام لا تتحمله الدائرة، لأنّ المكلفين بالإعلام بالدوائر الفنية الأخرى هم من كان عليهم الترويج للمعلومة.. المشكل الذي واجهنا هو أنّ التغطية الإعلامية للتظاهرة لم تكن في المستوى المرجو كمّا وكيفا، علاوة على أنّ من رافق التظاهرة هم مراسلون لجرائدهم، ولا يمكنهم مواكبة هذه التظاهرة في ظلّ وجود أحداث ومواضيع أخرى فرضت نفسها. وحدث أن نظّمنا ندوات صحفية حضرها إعلاميان أو ثلاثة بسبب زيارات رسمية لوزراء وإطارات أخرى.. ولا نعلم إن كانت المؤسسات الإعلامية لا تملك عددا كافيا من المراسلين أم أنّ المراسلين فضّلوا أنشطة أخرى. والأكيد أنّ المعلومة وصلت إلى قاعات التحرير، لكن لماذا لم يتم أخذها بعين الاعتبار.. لا أعلم، علاوة على أنّ عددا من المؤسسات الإعلامية كانت تبحث عن صفقات من خلال الإشهار، وهو ما لم يكن ممكنا. — ما الإضافة التي قدّمها الموقع الإلكتروني ومجلة "مقام" التي أوقف ميهوبي صدورها؟ ❊ الموقع الإلكتروني في الخدمة، ويتضمّن برنامج التظاهرة مختلف الدوائر الفنية، أما "المقام" فتوقفت بقرار من اللجنة التنفيذية لعدة أسباب، من بينها تكلفتها الباهظة وعدم نجاعتها وضبابية ماهيتها، هل هي نشرية إخبارية أم جريدة رأي. وبدأت في الصدور قبل انطلاق التظاهرة. والانتقادات الموجّهة لها كانت تتعلق بالعاملين بها، فأغلب الصحفيين والمراسلين سعوا للعمل بها، وهو ما لم يكن ممكنا، ولا يمكنني أن أحدّد عددهم؛ لأنّها كانت تحت السلطة المباشرة لمحافظ التظاهرة سامي بن شيخ. لكن بالموازاة مع ذلك تمّ الاعتماد على جريدة "مدينة نيوز"، وهي نشرية تساير الحدث من حيث التغطية الإعلامية، وتثمّن تراث المدينة وأعلامها، كما تتضمن برنامج فعاليات التظاهرة، ثمّ اتجهنا نحو النسخة الإلكترونية لها، ثم تمّ إطلاق "إذاعة إلكترونية" إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي، على غرار صفحة "الفايسبوك" التي يتابعها حاليا أكثر من 17 ألف متصفح. — وما الميزانية الموجّهة لدائرة الاتصال؟ ❊ ليس هناك ميزانية محدّدة، هي مفتوحة تُقتطع من ميزانية اللجنة التنفيذية لتظاهرة عاصمة الثقافة العربية، فمهمتنا تنسيقية بين الدوائر، وليس من مهامنا الترويج للتظاهرة، كل دائرة عليها ذلك.. وعندما يكون هناك مشروع اتصالي نعرضه على اللجنة التنفيذية التي تُعدّ آمرة بالصرف.. هناك مركزية في اتّخاذ القرار. — ماذا عن الملصقات الترويجية ومختلف الوسائط الغائبة عن المشهد القسنطيني على بعد أيام قليلة من الاختتام؟ ❊ اعتمدنا عليها عند بداية التظاهرة، وبالنسبة لنا انتهت التظاهرة.. — في هذه الحالة لا يمكن الحديث عن اتّباع نفس تدابير 2007 و2011 ونحن لم نستخلص الدروس ولم نتدارك النقائص والأخطاء؟ ❊ ليس نفس الفريق من عمل في هذه التظاهرات، وقسنطينة لم تحظ باهتمام الإعلام عكس العاصمة أو تلمسان.. نحن فتحنا الأبواب للإعلام منذ البداية. — يعني أنّكم تحمّلون المكلّفين بالإعلام بمختلف الدوائر الفنية الخلل المسجّل؟ ❊ نحن منسقون فقط بدائرة الاتصال، تحدّثتم عن عدم وجود برنامج واضح المعالم منذ البداية، هذه حقيقة؛ لأنّه على مستوى دائرة الاتصال لا نملكه، وأحيانا لا تصلنا المعلومة. وما زاد الطينة بلة، التغييرات التي شهدها القطاع على مختلف المستويات بداية من المحافظين إلى غاية الوزراء.. — كم عدد الإعلاميين سواء الجزائريين أم الأجانب، الذين غطوا فعاليات التظاهرة؟ .حقيقة، ليس لديّ أي رقم. رشدي رضوان: الترويج الإعلامي.. الحلقة الأضعف أكد الإعلامي رشدي رضوان أن الحلقة الأضعف في هذه التظاهرة هي حلقة الترويج الإعلامي لها، وغياب استراتيجية واضحة للتواصل بين القائمين على الفعاليات الثقافية والمتلقي بجميع حساسياته عن طريق وسائل الإعلام الجزائرية والعربية. وأعرب المتحدث في تصريح ل "المساء"، عن أسفه في أن تكون الجزائر بخبرتها في تنظيم التظاهرات الثقافية خلال العشر سنوات الأخيرة، غير مدركة لقيمة الإعلام في الترويج للفعل الثقافي وتثمين منجزات الدولة والفرد الجزائري. وأضاف أنه عندما تغيب أصداء هذه الفعالية الكبرى في المنابر الإعلامية العربية فمن العبث القول إن الجزائر قد نظمت تظاهرة عربية ثقافية كبرى، وأنه عندما لا يسمع المواطن خارج قسنطينة بتظاهرة بحجم عاصمة الثقافة العربية، فأكيد أن الرهان خُسر. الإعلامي نصر الدين حديد: العتاب موجَّه للمنظمين من جهته، تساءل الصحفي نصر الدين حديد إن كانت تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية غائبة بفعالياتها أم مغيَّبة من طرف الصحافة والجمهور. وأضاف: "صحيح أنّ الصحافة الجزائرية لا تعطي أولوية كبيرة للثقافة بشكل عام، ولكن في مقابل ذلك لا أملك أيّ إجابة حول الفعاليات الثقافية في قسنطينة ولا ما يدور هناك، بل أكاد أنسى وجود هذه التظاهرة أصلا رغم تنقّلي إلى هناك لحضور فعاليات أيام الفيلم المتوّج بقسنطينة". وأشار حديد: "لا أدري أيضا إن كانت قسنطينة لم تنل حظها من التغطية الإعلامية، أم أنه لم يكن هناك ما يستحق المتابعة". وأوضح: "أنا هنا لا أقلّل من شأن ما يُعرض في كلّ مجالات الثقافة، ولكن ما أقصده هنا هو غياب الفعاليات والعروض الجديدة التي لم يسبق أن شاهدها الجمهور وكتب عنها المتتبعون". وختم قائلا: "وبالعودة إلى سؤالك قد نلقي اللوم على الإعلام، ونلقي باللوم على الجمهور أيضا، ولكن حصة الأسد من العتب نوجهها للقائمين على هذه التظاهرة". الإعلامي أمين إيجر: التظاهرة مسّت مجالات متعددة اعتبر الإعلامي أمين إيجر أنّ تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، حدث مهم، ولا يمكن اعتباره ثقافيا محضا؛ حيث مسّ مجالات متعدّدة. وأضاف أنّ هذه الاحتفالية سمحت لقسنطينة بأن تستفيد من منشآت جديدة، وأن يعاد تأهيل بعض الفضاءات التي من شأنها أن تدعم الحركة الثقافية بالولاية وما جاورها، ناهيك عن فتح المجال أمام المبدعين والفاعلين الثقافيين للعمل أكثر والتجديد. وأرجع إيجر عدم وصول صدى "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية" إلى مختلف المناطق، إلى فشل الاستراتيجية الاتصالية المعتمدة من طرف القائمين على التظاهرة. الإعلامي فيصل مطاوي: المنظمون أداروا ظهورهم للإعلام في نفس الموضوع، أكّد الإعلامي فيصل مطاوي أنّ محافظة تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، أدارت ظهرها للإعلام باعتباره شريكا في إنجاح الحدث. وأضاف في نفس السياق، أن الجمهور هو الآخر عزف عن حضور مختلف النشاطات والبرامج بسبب قلة الإعلام وحتى انعدامه، متسائلا عن عدد من الأنشطة والإنجازات. الإعلامي سعيد بن زرقة: المانجمت الإعلامي غائب يعتقد الأستاذ والإعلامي سعيد بن زرقة أنّ أيّ نشاط أو أيّ تظاهرة هو عبارة عن منظومة مكتملة. ويعتبر الإعلام ركنا أساسيا فيها لتقريب الجمهور منها؛ بحكم أنّ الجمهور هو لبنة أساسية في أيّ عمل؛ فيلم بلا جمهور لا يساوي شيئا، وكتاب بلا قراء هو فشل ذريع للكاتب مهما كان نوع المؤلف، ومسرحية بلا جمهور؛ هو جهد مبتور. وأشار بن زرقة إلى أنّ تظاهرة قسنطينة أنتجت أشياء جميلة على مستوى البنية العمرانية والتراثية والفنية. وصدور الكثير من الأعمال السينمائية مثل "البوغي" و"لالة زبيدة وناس" و"وسط الدار" ومؤلفات راقية ومسرحيات متميزة، لكن مسألة تسويق هذا الجميل شهد نكوصا كبيرا. وأرجع محدّث "المساء" الأسباب إلى غياب استراتيجية في المانجمت الإعلامي وفي إشراك الوسائل الإعلامية بكلّ أنواعها. وأضاف أنّ سفارات الجزائر في الدول العربية لم تؤدّ دورها للترويج لهذه التظاهرة. وختم قوله بأنّ نجاح أيّ عمل ليس في حدوثه فقط، بل في تعميمه. والوسيلة الأساسية في الترويج هي الإعلام بكلّ أشكاله. وللأسف لم تستثمر الوسائط التكنولوجية؛ من مواقع وصفحات.