يثير تربع تيزي وزو على عرش الصدارة الوطنية في نتائج امتحانات «السانكيام» و»البيام» و»الباك» كثيرا من التقدير والفخر. لكن أصبح أيضا مبعث تساؤلات وإثارة، بل لم يتردد البعض حتى في حملات تشكيك وافتراءات أقرب إلى «الغيرة» والأحكام الجاهزة تعكس في حقيقة الأمر تبرير عجز هؤلاء عن انتزاع المراتب الأولى وتحقيق النتائج والمعدلات التي حققتها ولاية تيزي وزو. مدينة مولود فرعون ومولود معمري والطاهر جاووت، ظلت تحتل المراتب الأولى وطنيا وفي الأطوار الثلاثة (ابتدائي، متوسط وبكالوريا) منذ ثماني سنوات على التوالي. الأسرة التربوية بعاصمة جرجرة تؤكد أن النجاحات تعكس إرادة قوية لمختلف المؤسسات التربوية في هذه الولاية. لقد عكف المسؤولون والإطارات والأساتذة والتلاميذ والأولياء والمنتخبون على إعطاء كل الاهتمام والعناية والأولوية القصوى للحفاظ على الريادة وفرض سيطرة مطلقة على «البطولة التربوية» للعام الثامن على التوالي، تماما كما كانت سيطرة شبيبة القبائل في البطولة الوطنية لكرة القدم طوال سنوات عديدة. هذه التساؤلات و»الاتهامات» طرحت على أطراف فاعلة وعلى درجات مختلفة من المسؤولية والمواقع في قطاع التربية بتيزي وزو، أي على المعنيين مباشرة بقطاع التربية في الولاية المذكورة. وأوجزناها في سؤال واحد كبير: ما هي الأسباب الخفية والعلنية وعوامل النجاح التي توفرت لتلاميذ ولاية تيزي وزو ولم تتوفر لغيرهم في الولايات الأخرى لتحقق هذه الولاية نسب نجاح عالية ومعدلات تفوُّق (بضم الواو وتشديدها) ملحوظ واحتلال المراتب الأولى في الأطوار الثلاثة وللعام الثامن على التوالي؟!. ثم كيف يعلقون على «الاتهامات» وحملات التشكيك التي تقودها بعض الأطراف خلف الأسوار والستائر في مدى مصداقية النتائج المحققة؟!. مراسلة المساء الزميلة سميرة زميحي أعدت هذا الملف الذي استطلعت فيه آراء مديري بعض المؤسسات التربوية المتفوقة (ابتدائي، متوسط وبكالوريا) ومسؤولي القطاع التربوي بتيزي وزو وإداريين ومستشارين تربويين وأساتذة ومفتشين وأولياء وتلاميذ نجحوا بملاحظة امتياز وتقدير جيد جدا... لفهم أسرار هذا التفوق الدراسي الذي بات فعلا يصنع الحدث الوطني وينتزع الإعجاب والفخر والاهتمام. لكن أيضا يثير موازاة لذلك بعض «الغيرة» التي تجاوزت أحيانا حدود الاستغراب لتدخل التشكيك!؟. الذين تحدثوا في هذا الاستطلاع إلى جريدة «المساء» أجمعوا أنه لا توجد «وصفة سرية أو سحرية» للنجاح، وأن التفوق الباهر طوال ثماني سنوات هو ثمرة مجهود جماعي متناغم وتنسيق فاعل ومتواصل بين كل الأطراف (من سلطات ومنتخبين ومؤسسات وأساتذة ومفتشين ومستشارين تربويين وأولياء وتلاميذ...) طوال الموسم الدراسي. تنسيق يمكن وصفه ب «المرافقة» الدائمة. وأكدوا أن النتائج الجيدة تأتي بناء على توجيه جيد يبدأ من مرحلة الابتدائي ولا يتوقف على مجهود سنة واحدة في «عام اجتياز الباك» أو تحضيرات «الربع ساعة الأخير» كما يقول المثل. وأضاف المتحدثون أن جميع التلاميذ الذين نجحوا في البكالوريا بمعدلات عالية، هم من تفوقوا في مشوارهم الدراسي منذ الابتدائي. لقد مكنت هذه المرافقة من إحداث ديناميكية تنافسية وتفاعلية داخل المجتمع المدني بين التلاميذ أولا وكذلك بين الأساتذة، إضافة إلى التنافس المسجل بين المؤسسات داخل الولاية ذاتها وبين عائلات التلاميذ والأساتذة أنفسهم.... ترسخت في أذهان الجميع فكرة التحدي التي وصفها بعض من شملهم هذا الاستطلاع ب «النيف الجزائري والقبايلي». وأننا حين نريد نستطيع، لقد أصبح حصول تيزي وزو على المراتب الأولى وطنيا منذ ثماني سنوات أمرا مألوفا. وكأن المراتب الأولى لنسب النجاح في الابتدائي والمتوسط والثانوي محجوزة مسبقا لتلاميذ تيزي وزو. لقد أصبحت شبه قناعة راسخة في ذهن جميع سكان ولاية الأرز والفلين، وقبل ذلك في أذهان وقناعات مؤسساتها التربوية والمديرين والأساتذة والتلاميذ وعائلاتهم. انتزاع المراتب الأولى في نظر «عمي أحمد أولبصير» (أحد الأولياء بتيقزيرت ومعلم متقاعد) أصبح بمثابة الواجب، وشبهه ب «السنة المؤكدة» (من باب المزح) يجب أن يلتزم بها الجميع ويعملون من أجل تحقيقها. وكشف ل»المساء» بأن تفوق تيزي وزو هو ثمرة مجهود متداخل أسهمت فيه عدة أطراف، هو تكامل بين كل الفاعلين في الأسرة التربوية في هذه الولاية التي تشكل المدرسة فيها قيمة ثابتة لكل المواطنين مبرزا أن «القبايل» يعطون أهمية وأولوية قصوى لتمدرس أبنائهم ومتابعتهم ومرافقتهم وتشجيعهم طوال الموسم الدراسي. وأن بعض العائلات المعوزة باعت كل ما تملك وما ادخرته من أجل أن تتكفل وتوفر لأبنائها ظروف تمدرس عاد من مصروف وأدوات مدرسية وألبسة وتكاليف التسجيل والنقل ... إلخ، متمنيا أن يتحول تفوق تيزي وزو إلى عامل تحفيزي يحرك الولايات الأخرى ويؤدي إلى تنافس بين كل المؤسسات التربوية في الجزائر، داعيا في الأخير إلى دعم وزيرة التربية التي قال إنها تقود «ثورة إصلاحية» حقيقية لتغيير الذهنيات ومحاربة الاتكالية والخمول والانتقال إلى مرحلة النوعية بتغيير المناهج وأساليب التدريس وإرجاع المدرسة إلى أهلها، أي إخراجها من السياسة والمزايدات والانحرافات التي كبلتها وأثقلتها طوال سنوات عديدة...