شهد السجل التجاري إنشاء 1534 شركة استيراد، خلال السداسي الأول من السنة الجارية، ضمن 9166 شركة تم إنشاؤها، وهي الفترة ذاتها التي عرفت توقف أكثر من 600 شركة تصدير عن النشاط بما يمثل أكثر من 14 بالمائة من إجمالي المؤسسات المتوقفة. وتبرز هذه الأرقام أن فعل التصدير مازال بعيدا عن منافسة نشاط الاستيراد الذي يواصل استقطابه للمتعاملين بالرغم من كل الإجراءات التي وضعتها الحكومة للتخفيف من فاتورة الواردات وتشجيع الصادرات خارج المحروقات. وتوضح قراءة للأرقام التي أفصح عنها المركز الوطني للسجل التجاري، مؤخرا، حول إنشاء المؤسسات في الستة أشهر الأولى من 2016، أن الاستيراد والتوزيع بالجملة والتوزيع بالتجزئة تشكل أهم النشاطات التي تنشأ حولها المؤسسات، إضافة إلى الخدمات، وبدرجة أقل إنتاج السلع الذي لم يمثل إلا 2766 مؤسسة منشأة، وهو ما يؤكد أن التجارة مازالت تطغى على الصناعة. واقع تؤكده الحصيلة الاجمالية لعدد المؤسسات المنشأة والتي توضح أن 32 بالمائة من مجموع المؤسسات البالغ عددها 1.869.435 تنشط في قطاع الخدمات و29 بالمائة في إنتاج السلع و20 بالمائة في الاستيراد الموجه لاعادة البيع المباشر. كما أن الإحصائيات المتعلقة بالمتعاملين الأجانب العاملين بالجزائر، تشير حسب المركز الوطني للسجل التجاري إلى أن 77.5 بالمائة منهم ينشطون في التوزيع بالتجزئة و11.4 بالمائة في الخدمات، فيما لاتنشط سوى 8.2 بالمائة من المؤسسات الأجنبية في مجال إنتاج السلع. وفضلا عن هذا التركيز على الخدمات والتجارة في إنشاء المؤسسات، فإن الملفت للانتباه هو أن 9 بالمائة فقط من المؤسسات المنشأة تدخل في خانة "الأشخاص المعنيون" والباقي كلها "أشخاص طبيعيون" وهو مايعفيها من تقديم حساباتها الاجتماعية للسجل التجاري. وضع كان مدير المركز الوطني للسجل التجاري محمد معوش قد تحدث عنه، واصفا إياه بغير المقبول بل وغير المعقول، ويتطلب إجراء إصلاحات على القيد في السجل التجاري، معتبرا أن الهيكلة الحالية للمؤسسات تمنع من الحصول على معلومات اقتصادية دقيقة. الغريب في الأمر أن القانون المعمول به حاليا يسمح للمتعاملين الاختيار بين تسجيل شركاتهم كشخص معنوي أو كشخص طبيعي، وهو مانتج عنه وضع "غير طبيعي" و"عجيب"، حيث أن عدد المتعاملين الاقتصاديين الصناعيين المسجلين كأشخاص معنويين لم يتعد 7.803 مؤسسة مقابل 21.657 متعاملا مسجل ك"شخص طبيعي" في جوان الماضي ! وهو ما يعني أنه يمكن لصاحب مصنع أن يسجل نفسه في السجل التجاري كشخص طبيعي مثله مثل صاحب بقالة، وهو مايعفيه من تقديم حساباته الاجتماعية. وضع دفع المسؤول الأول عن المركز لرفع اقتراح لوزارة التجارة يقضي بإلزام بعض الفئات من المتعاملين الراغبين في القيد بالسجل التجاري على تسجيل أنفسهم كأشخاص معنويين. لاسيما وأن عملية إيداع الحسابات الاجتماعية تسمح بالحصول على معلومات دقيقة بخصوص رقم الأعمال وتكاليف العمال وغيرها، وهي معطيات ضرورية لتقييم الصحة المالية للمؤسسات والقيام بتحليلات دقيقة لمختلف الفروع الاقتصادية. وتؤكد التصريحات الأخيرة للمدير العام للمركز الوطني للسجل التجاري، حالة الفوضى التي يعيشها، بسبب التنظيم الساري والذي يصعب من عمليات المراقبة، بالرغم من محاولات المركز عصرنة عمله والذهاب نحو السجل التجاري الالكتروني، بغية إضفاء شفافية أكبر على عملية منح السجل وكذا توفير معلومات عن مالكيه يمكن الحصول عليها الكترونيا، في محاولة للتخفيف من حالات التلاعب الكثيرة التي سجلت في هذا المجال والتي وصلت إلى اكتشاف وجود سجلات تجارية لأشخاص متوفين. في السياق، لم يتردد مسؤولون بإدارة الجمارك مؤخرا، في إلقاء اللوم على هذه الهيئة بوقوفها وراء عمليات الغش بكل أشكاله، معتبرين أن إشكالية التجارة الخارجية لاتطرح على مستوى الجمارك، وإنما على مستوى مصالح السجل التجاري "الذي لايقوم بدارسة معمقة لطالبي هذا السجل". ولم تستطع محاولات السجل التجاري ولوج عالم الرقمنة، عبر بوابته الإلكترونية، لحد الآن في إضفاء الشفافية وتسهيل عمليات المراقبة على أصحاب السجلات، وهو ماتعول عليه وزارة التجارة منذ إطلاق التسجيل الالكتروني منذ بضع سنوات. وهو مايشير إلى أن الاشكالية لاتوجد على مستوى طريقة التسجيل بقدر ماهي في التنظيم الساري حاليا والذي مازال لايخدم التوجهات الجديدة للاقتصاد الوطني.