أجمع خبراء اقتصاديون على أهمية النتائج التي خرج بها اجتماع (أوبك) بالجزائر، مشيرين إلى أن قراراته كانت فعلا "تاريخية"، مثمّنين عمل الدبلوماسية الجزائرية في تجسيد هذه النتائج. وتوقع محدثونا أن تستقر أسعار النّفط في مستوى الخمسين دولارا، إلا أنهم رهنوا الانتعاش الحقيقي لأسعار الخام بجملة من العوامل أهمها عودة النّمو العالمي، وكذا التطبيق الفعلي لقرار (أوبك) وإعادة هيكلة المنظمة، حتى تتمكن من التدخل فعليا في ضبط السوق. لكن يبقى تركيزهم على ضرورة تطوير الجزائر لاقتصادها خارج المحروقات مهما كانت تداعيات الاتفاق على الأسواق النّفطية. الخبير إسماعيل لالماس: انتعاش الأسعار مرهون بعودة النّمو الاقتصادي العالمي أكد الخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس، أن نجاح اجتماع الجزائر للبلدان المصدرة للنّفط راجع إلى ثلاثة عوامل رئيسية،ة هي "التوقيت" و"العمل الذي قامت به الدبلوماسية الجزائرية" و"معاناة كل البلدان من التراجع في أسعار الخام". وقال في تصريح ل"المساء" إن الاجتماع كان ناجحا من حيث توقيته ومن حيث قدرة الجزائر على جمع كل البلدان الأعضاء في (أوبك)، إلا أنه اعتبر أن انتعاش الأسعار مرهون بعودة النّمو العالمي. وأوضح السيّد لالماس، أن أهم عامل لنجاح اجتماع الجزائر هو "التوقيت" لأنه جاء بعد اجتماع الدوحة، وقبل اجتماع فيينا. وقال في هذا الصدد"تصوري لو فشل اجتماع الجزائر فإن ذلك سيعطي إشارات جد سلبية لاجتماع فيينا، لهذا فإن أطرافا كثيرة كانت تأمل في نجاح اجتماع الجزائر للذهاب نحو اجتماع فيينا بايجابية". أما العامل الثاني فهو "الدبلوماسية الجزائرية" التي كانت "في المستوى" وتمكنت كما أضاف من عقد اتصالات هامة مع أعضاء المنظمة والمنتجين خارجها لاسيما روسيا. واعتبر أن "هذه الاتصالات الجزائرية حضّرت لأرضية تسهّل وتساهم في الخروج بإجماع واتفاق مبدئي"، كما أنها تمكنت من إقناع كل الأعضاء بالحضور، "فعكس اجتماع الدوحة في أفريل الماضي، الذي انتهى بالفشل، فإن اجتماع الجزائر شهد حضور كل الدول بما فيها أهم منتجين وهما السعودية وإيران التي قاطعت اجتماع الدوحة، وحضورهما معا يعد انتصارا للدبلوماسية الجزائرية" التي ثمّنت جهودها. إضافة إلى ذلك فإن الخبير يشير إلى أن "كل البلدان قاست كثيرا من الأسعار المتدنية حتى السعودية والكويت تعيشان أزمة خانقة، فالسعودية توجد على جبهات متعددة منها اليمن وسوريا فهي إذا بحاجة إلى موارد مالية كبيرة، كذلك فإن بلدا مثل الكويت لجأ مؤخرا إلى الاستدانة وهو أمر غير مسبوق يؤكد تفاقم الأزمة في بلدان الخليج". ورغم هذه العوامل التي جعلت من نتائج اجتماع الجزائر تاريخية لاسيما وأنه منذ 2008 لم تتمكن المنظمة من اتخاذ قرار، فإن الخبير الاقتصادي يرى أنه من النّاحية الاقتصادية لن يكون لها تأثير كبير، موضحا أن الاشكالية اليوم ليست فقط في تخفيض الكميات المنتجة من النّفط ودليله هو استمرار التذبذب في أسعار الخام بين الصعود والنزول. وليشرح وجهة نظره، يعود محدثنا إلى أسباب الأزمة في 2014، حيث ذكر أن السعودية عملت على تخفيض الأسعار لأسباب استرايتيجة منها "تقوية تموقعها في أوروبا في مواجهة روسيا وكذا كسر الصناعة البترولية الصخرية للولايات المتحدة". في نفس الوقت يشهد العالم أزمة اقتصادية وتراجع نسب النّمو خاصة في الدول الكبرى كالولايات المتحدة والصين، وبالتالي تراجعت نسبة استهلاك النّفط وهو ما أدى إلى تراجع الطلب لكنه يعتبر أن السعودية التي أرادت تخفيض الأسعار "ظرفيا" لم تستطع التحكّم في الوضع، الذي تواصل وأثّر كثيرا على اقتصاديات الدول المنتجة. وفي توقعاته يرى السيّد لالماس، أن أسعار النّفط ستبقى منخفضة حتى عودة النّمو العالمي، مشيرا إلى أن العرض سيبقى مرتفعا بالرغم من قرار (أوبك) وذلك راجع لكون العديد من البلدان مثل ليبيا ونيجيريا وإيران لا تنتج حاليا في مستوياتها العادية بالنّظر إلى أوضاعها، وفي حال عودتها إلى إنتاجها السابق فإن العرض سيرتفع من جديد. وبالرجوع إلى كل هذه المعطيات، فإن الخبير يتوقع ألا تتجاوز أسعار برميل الخام ال50 دولارا، ولأن مثل هذا السعر يمكن أن يساعد بلدا دون آخر بالنّظر إلى تكلفة الإنتاج المختلفة (10 دولارات للبرميل بالنسبة للسعودية وحوالي 20 دولارا بالنسبة للجزائر وقرابة 30 دولارا في فنزويلا)، فإن السيّد لالماس، يشدّد على ضرورة العمل على تحديد الأسعار إضافة إلى تحديد الكميات. ومهما كانت تداعيات اجتماع الجزائر على أسعار النّفط، فإن الخبير الاقتصادي المختص في التصدير يجدد في تصريحه ل"المساء" الدعوة إلى ضرورة تطوير الجزائر لاقتصادها خارج المحروقات، باعتباره السبيل الأفضل للتنمية الاقتصادية، مذكّرا بالثروات الهائلة التي تمتلكها بلادنا والتي يمكنها أن تشكّل البديل للنفط. الخبير بوزيان مهماه: 2017 ستكون سنة حاسمة ل"أوبك" وللأسعار اعتبر الخبير في مجال الطاقة السيّد بوزيان مهماه، أن خروج اجتماع الجزائر باتفاق كان متوقعا بالنسبة له وبالنسبة لبعض المتابعين والمحللين، رغم أن خبراء ذوي صيت في مجال الطاقة جانبوا الواقع في توقعاتهم. وبدوره قال في تصريح خص به "المساء" إن لقاء الجزائر "تاريخي" وقرارات الاجتماع "تاريخية وايجابية لأسواق النّفط"، مذكّرا بأنه توقع ذلك في تحاليل سابقة قائلا "تحدثت فيما سبق أن اجتماع الجزائر سيكون مفصليا وتاريخيا وموعد تحول في أسواق الطاقة"، مشيرا إلى أن النتائج التي تمت "تحسب ايجابيا للجزائر و"أوبك" وتغذّي الأمل لدى متتبعي الأسواق النّفطية". فالكل أجمعوا أنه لم يتم أي توافق سواء على التجميد أو التسقيف أو التخفيض منذ 2008 أي منذ أن اجتمعت (أوبك) بالجزائر، "لذلك فإننا نفتخر بإنجازات بلدنا ونعتبرها محطة تاريخية وهامة ليس فقط من جانب الانتماء القومي وإنما إقرارا للحقيقة التاريخية، فالجزائر رسمت مكانتها كبلد له مصداقية"، كما أضاف. ويلفت محدثنا الانتباه إلى أن المفروض كان التركيز على المنتدى العالمي للطاقة، لكن كل الأنظار وجهت "لاجتماع غير رسمي هامشي عقد على هامش منتدى قراراته غير ملزمة"، وهو "ما يحسب للجزائر" دون إغفال "الحكمة التي اتسمت بها العربية السعودية والموقف الإيراني والمساعي القطرية والليبية والجهود التي بذلتها فنزويلا والإكوادور وماليزيا. ويذكر السيّد مهماه، كيف أن محللين "استهانوا بإمكانية الجزائر في تحقيق نتائج"، متسائلين "كيف يمكن لبلد ينتج 1 بالمائة من الإنتاج النّفطي العالمي و3 بالمائة من إنتاج (أوبك) أن يؤثر في القرار الدولي وقرار المنظمة؟". يرد الخبير بأن أهم عامل كان "الدبلوماسية الخارجية الطاقوية"، قائلا "يجب أن نتذكر أن مساعي الجزائر بدأت منذ بداية الأزمة في 2014، بالجولات التي قام بها وزير الطاقة الأسبق يوسف يوسفي، فضلا عن الزيارات الأخيرة للوزير الحالي نور الدين بوطرفة". وما ساعد الجزائر على تحقيق نتائج حسب الخبير هو أنها "تقف على مسافة وسط مع الجميع"، فلديها علاقات متوازنة مع إيران والسعودية ومع الدول خارج (أوبك)، إضافة إلى عدم انضمام الجزائر إلى مختلف التحالفات التي تم تشكيلها، وهو "ماجعلها الوسيط والمحاور المسموع". وعن تداعيات لقاء الجزائر يشير السيّد مهماه، إلى أن أهم ما تحقق "تعزيز الثقة وردم الهوة بين الفرقاء داخل (أوبك) وإعادة الثقة بين (أوبك) والمنتجين خارج المنظمة"، فضلا عن "تعزيز وبناء التوافق ببرنامج عمل من خلال الإعلان عن إنشاء لجنة تقنية"، إضافة إلى ذلك فإنه حقّق "عودة الانضباط في (أوبك) وهو ما سيتجسد في اجتماع نوفمبر". وعبّر عن تفاؤله بخصوص الآتي، معبّرا عن اقتناعه بأن "إعادة تجديد (أوبك) وبعثها في ثوب جديد وإعادة المحاصصة بشكل جديد والاستغناء عن المحاصصة التقليدية وفتح الأبواب أمام أعضاء جدد في (أوبك)"، عوامل ستعزّز من مكانة المنظمة في السوق النّفطية. وأوضح أن تسقيف الإنتاج في حدود 32.5 مليون برميل يوميا له خلفيات لأنه يمثل إنتاج المنظمة في الثلاثي الأخير من 2015 والثلاثي الأول من 2016. وعلى المدى القريب فإن محدثنا يرى بأن الأسعار سترتفع إلى مستوى ال50 دولارا، فيما ستتراوح مابين 55 و60 دولارا في حال نجحت (أوبك) في المرحلة القادمة في ضبط إنتاجها وتحديد نظام المحاصصة الجديد. أما في 2017 فإن عملا كبيرا ينتظر المنظمة من أجل إعادة هيكلتها وتنظيم المحاصصة ووضع آليات لمراقبة توازن السوق "لو يحدث هذا ونذهب إلى تخفيض حقيقي للإنتاج داخل وخارج (أوبك) بناء على الثقة التي تم تعزيزها فإن الأسعار سترتفع بشكل محسوس جدا"، كما أشار إليه.