يحمل العرض المسرحي «موسوساراما» للمخرج شوقي بوزيد، أجواء إفريقية خالصة. شارك أول أمس ضمن المهرجان الوطني 11 للمسرح المحترف بالمسرح الوطني «محيي الدين بشطارزي». عمل انتصرت فيه الإضاءة وأداء الممثلين بجدية وحرفية متناهيتين، فضلا عن اختيار موضوع لم يسبق أن تم تناوله في المسرح الجزائري بهذا الشكل المتقن. «موسوساراما» اسم امرأة جميلة عشقها رجل من قبيلة الهوتو، يخوض صراعاً مع أخيها المنتمي إلى قبيلة التوتسي، والذي تأثّر بالاستعمار الغربي للقارة، فعمل على تغيير وجهه الأسمر بآخر أبيض، غير أنه يتراجع في النهاية عن هذا الخيار، ويتزعّم حركة تحرير واسعة للإنسان والمكان. تولى شوقي بوزيد مهمتي الإخراج والسينوغرافيا، وهو مخرج مسرحي معروف بميوله إلى المدرسة التجريبية. أما النص فكتبه محمد بن بديدة، تجلى فيه البعد الإفريقي؛ في محاولة للاستثمار الفني لهذا البعد التي يشمل الجزائر أيضا، وكسر قاعدة الاستثناء التي تتعلق باحتكار الأوربيين والأمريكيين الذين يستثمرون في جماليات الفضاء الإفريقي. يحاول العرض خلق حوار عميق بين مختلف العناصر المسرحية؛ من تمثيل وموسيقى وسينوغرافيا وإخراج وتعبير جسدي ولغة، لتعميق علاقة المتلقّي بهواجس وأسئلة الإنسان الإفريقي المعاصر. ويتأمل هذا العمل المسرحي في عدم استفادة العالم من تجربة الصراع الإثني بين «الهوتو والتوتسي»، والذي أثمر قتلاً وتشريداً جماعيين، أدّيا إلى حروب مماثلة فيما بعد. تُعد المسرحية تضامنا فنيا مع أوضاع إفريقيا من كافة النواحي؛ الاقتصادية والسياسية والفكرية وغيرها. ويكفي ذكر حادثة تهديم مخطوطات تومبوكتو وأضرحتها في مالي وما أعقبها من صمت عالمي، جعل الإرهابيين يعيثون فسادا في آثار العراق وسورية على أيدي «داعش». اعتمد بوزيد على سينوغرافيا متفوقة بفضل الإضاءة، التي ساهمت بقسط وفير في إنجاح العمل، والأمر نفسه بالنسبة للأزياء. وشكّل النص الحلقة الأضعف بسبب السطحية التي لازمت أفكار الموضوع. جدير بالذكر أن الرقصات الكوريغرافية جاءت متناسقة، عزّزت الموضوع ربما أكثر من الحديث والصراخ الذي صاحب معظم لوحات المسرحية. وعرض مسرح قالمة الجهوي يوم الخميس مسرحية «شاكا زولو»، التي استُلهمت من رصيد القاص والكاتب المسرحي الفرنسي أرمني الأصل «آرثر آداموف» (1908-1970). عاشت قاعة مصطفى كاتب لبيت محيي الدين بشتارزي، أجواء خاصة مع النص الذي اقتبسه «أمير فريك» عن مسرحية «الأستاذ تاران» (1953)، التي هزت الأوساط الأدبية والفنية بغرابة «آداموف» المراوحة بين المرئي وغير المرئي وشخوصها العالقة؛ في مواقف متناقضة شبيهة بعبث الأحلام. وفي عرض استمرّ 90 دقيقة وجمع بين الفكاهة والهجاء اللاذع، ركّز المخرج علي جبارة على مسار أستاذ (جسّده عصام تعشيت) تجرّع بلادة الضغوط وقذفه الزائف باغتصاب إحدى الطالبات، قبل أن يدخل دوامة من نسق أعلى؛ حين تمّ اتهامه بالتحريض والتمرّد، وسرعان ما هشّمه الجنون إثر رحيل حبيبته في حادث غامض!