يصنع المخرج المسرحي شوقي بوزيد التميز، من خلال عمله الأخير ”موسوساراما”، إنتاج مسرح سعيدة الجهوي، والذي عرض مساء أول أمس بالمسرح الوطني محي الدين بشطارزي، خصوصية جديدة يحملها العرض سواء من حيث الطرح أو التناول، فصاحب اللحية الماركسية خاض في موضوع حساس وهو العنصرية في إفريقيا، ولكن جسد القصة تياتراليا بطريقة جديدة ومميزة. ليس من السهل معالجة موضوع ”العنصرية” في إفريقيا، لكون الكثير من المبدعين سواء في المسرح أو السينما أو الأدب سبق لهم التطرق لهذا الموضوع، لذلك يتوجب على من يخوض هذه المسألة أن يأتي بالجديد مع إظهار اللمسة الجمالية في العمل وليس تكرار ما ذهب إليه السابقون، وهو ما نجح فيه فعلا شوقي بوزيد الذي تمكن، خلال ساعة، من تقديم عرض محترم شارك فيه مجموعة من الممثلين الذين أدوا ما عليهم على الخشبة. قصة العمل تتلخص في دكتاتور إفريقي يدعى ”نيغرو” يريد التنصل من خصوصيته الإفريقية ويحاول بشتى الطرق تغيير لونه من الأسود إلى الأبيض. يقوم هذا الرئيس بسجن مجموعة من الأشخاص الذين ينحدرون من قبيلتين إفريقيتين، وداخل هذا السجن يتضح لنا الصراع الموجود بينهم، صراع عرقي يغذيه أصحاب المصالح. مسرحية ”موسوساراما” التي كتب نصها محمد بن بديدة من تيارت، وعكف على جانبيها الإخراجي والسينوغرافي الفنان شوقي بوزيد، بمساعدة الفنان ياسين بن عيسى، فيما أوكلت مهمة المرافقة الموسيقية إلى الفنان سعيد سامعي، أما التعبير الجسماني فللفنان حاج مسعود أمحمد، تعد اقترابا فنيا من الفضاء الإفريقي ذي الحضور المحتشم في المشهد المسرحي الجزائري، من زاوية ما يعرفه من صراعات إثنية وقبلية مزقت أوصاله وحالت دون دخوله خطاب المستقبل بكل ما يفرضه من مصالحات وحوار وإيمان بالتعدد والاختلاف، من خلال ثنائية الهوتو والتوتسي التي باتت رمزا للتطاحن الإثني في العالم. وفي هذا الإطار، يقول المخرج شوقي بوزيد إن منطق الصراع والتطاحن في إفريقيا بقي تناوله حكرا على السياسيين والإعلاميين الذين قاربوه بأدواتهم الخاصة، وهي مهمة في سياقها، لكن آن للمسرح أن يقول كلمته في هذا الشأن بأدواته الفنية الخاصة، بعيدا عن النزوع إلى الخطاب المنحاز أو السطحي. وسخر شوقي بوزيد كل العناصر المسرحية، من إخراج وموسيقى وسينوغرافيا ونص وتمثيل، لتسليط الضوء على جملة الأسئلة المتعلقة بالموضوع، منها: لماذا بقيت إفريقيا مضربا للتخلف والاحتياج إلى الآخر، رغم أنها من أكثر القارات اتساعا وثروات وشبابا؟ لماذا استطاعت فضاءات جغرافية أخرى أن تذهب إلى المستقبل، رغم أنها لا تقل إثنيات وأعراقا ولغات وأديانا عن إفريقيا، بينما عجزت هذه الأخيرة عن تحقيق ذلك. أدوار المسرحية التي تم اختيار العربية الفصحى لغة لها، بمعالجة فنية للكاتب عبد الرزاق بوكبة، عادت إلى هشام قرقاح من أم البواقي، وموسى لاكروت من سيدي بلعباس، وماجد كويتان من باتنة، ومحمد مصطفاي ومباركي فتحي ومغربي نبيل الطاهر وويس محمد سعيد وحرطاني علي وخليل جباري وإيمان بوري والشيخ آسماء من سعيدة. وأظهر المخرج شوقي بوزيد تقنية عالية في السينوغرافياو حيث جعل الجمهور يعيش الإيقاعات الإفريقية سواء من حيث السينوغرافيا أو الموسيقى، دون إغفال أدق التفاصيل الخاصة بالبيئة الإفريقية.