نقاش ساخن ذلك الذي ميز جلسة أمس في المجلس الشعبي الوطني التي ترأسها السيد العربي ولد خليفة، والتي عرفت أجواء متشنجة بين أحزاب الموالاة والمعارضة. وبدأت حالة الغليان مباشرة بعد استكمال وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي محمد الغازي عرضه، وشروع مقرر لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني للمجلس في تلاوة التقرير التمهيدي. وسبب ذلك هو اعتراض أحزاب المعارضة على مضمون التقرير الذي وصف ب«المزور» و«المفبرك» من طرف اللجنة وإدارة المجلس من جهة، وكذا ما وصف ب«الحصار البوليسي» المضروب على البرلمان، نتيجة الانتشار الواسع لقوات الأمن في محيطه. بدأ الاحتجاج من طرف رئيس كتلة تكتل الجزائر الخضراء، عبد الرحمان بن فرحات الذي عبّر عن رفضه لمضمون التقرير التمهيدي، مباشرة بعد إنهاء الوزير لعرضه، ليتواصل الاحتجاج بالتشويش على مقرر اللجنة عندما شرع في تلاوة التقرير، من طرف رئيس كتلة جبهة القوى الاشتراكية، شافع بوعيش الذي انتقد النواب الآخرين المشاركين في مناقشة القانون وصرخ عاليا قائلا «إنه عار عليكم». ومن القاعة إلى بهو المجلس، انتقل النواب المحتجون ليدلوا بتصريحاتهم ويشرحون أسباب معارضتهم للقانون. المعارضة: بين تغييب الحوار وحصار البرلمان بالنسبة للنائب عبد الرحمان بن فرحات، يمكن القول أن أهم أسباب المعارضة هي تغييب الحوار مع النقابات المستقلة ،«التي يمكنها طرح آراء أفضل للطبقة الشغيلة ولصندوق التقاعد والحكومة»، إضافة إلى اعتراض التكتل على التقرير التمهيدي للجنة الذي قال إنه لم يحترم فيه الشكل القانوني، لاسيما أنه أعد وتمت المصادقة عليه في غياب الأعضاء الأربعة من التكتل، معتبرا أن ذلك «عمل غير مسؤول». النائب شافع بوعيش، ذهب بعيدا في مطالبته بضرورة «مقاطعة النقاش»، متسائلا «أين مصداقية النواب وهم يناقشون القانون في برلمان تحت حصار بوليسي؟». وأكد أنه كان من المفروض استضافة النقابات المستقلة للنقاش، مذكرا بأن الأفافاس اقترح تنظيم يوم برلماني حول الموضوع «وتم إلغاؤه من طرف مكتب المجلس»، مؤكدا أن حزبه مع «المطالب الشرعية للعمال والحق في التقاعد النسبي».في نفس الاتجاه، ذهبت تصريحات لخضر بن خلاف، رئيس كتلة جبهة العدالة والتنمية الذي اتهم اللجنة بفبركة التقرير التمهيدي، وهو ما دفع نواب الحزب إلى مقاطعة الاستماع إليه. وقال إن ما يحدث «مؤامرة على العمال والشعب»، لاسيما أن القانون «الجائر»- كما وصفه - برمج مباشرة بعد قانون المالية 2017 ودون استشارة الشريك الاجتماعي، باستثناء المركزية النقابية ونقابة أطباء واحدة. وقال إن الحلول للازمة موجودة وكثيرة «لكن الحكومة تريد من العامل أن ينتقل من عمله إلى قبره، دون الاستفادة من تقاعده»، ولم يتردد في اعتبار أن ما يحدث هو «تسريح غير مباشر للعمال»، واستبعاد «لخيرة الإطارات» في كل القطاعات (؟) بدوره، عبّر رئيس كتلة حزب العمال، رمضان تعزيبت عن رفضه للقانون، قائلا: «نحن متأسفون ولا نفهم ما يحدث، هناك ملايين العمال ضد إلغاء التقاعد النسبي وقاموا بتصريحات واحتجاجات وإضرابات سواء كانوا في نقابات مستقلة أو منضوين تحت الاتحاد العام للعمال الجزائريين». وعبّر عن اقتناع حزبه بأن القانون يمس بمكسب عمالي «بطريقة عنيفة» لغياب الحوار. وهو ما يشير حسبه - إلى وجود إرادة لتمرير القانون بالقوة. كما تأسف لمنع النقابيين من التجمع للتعبير عن رفضهم للقانون الذي قال إنه «لاضرورة له» لأن العمال الذين لديهم 32 سنة عمل ولم يصلوا إلى 60 سنة هم «في طريق الانقراض» بسبب تأخر سن الحصول على عمل. كما لفت إلى أن القانون يأتي «في إطار سلسلة قوانين تعيد النظر في مكاسب أتى بها الاستقلال، ومنها قانون العمل الجديد وقانون الصحة الجديد، التي تعيد النظر في المكاسب - كما قال -، وهو ما يفسر «حالة القلق» و«تجند العمال وطنيا». ودعا إلى «تغليب العقل وعدم استعجال الحكومة التي يمكنها أن تلغي القانون وتفتح باب الحوار وتبحث عن الحلول في جوانب أخرى»، مذكرا بوجود 5 ملايين عامل غير مصرح بهم. ليتساءل في الأخير «ماذا تريد الحكومة بهذه السياسة المنتهجة ضد مكاسب العمال؟ لأننا نخاف على أمن البلاد». وأظهرت مداخلات النواب المعارضين إلى ضرورة البحث عن «حلول أخرى» لمواجهة الأزمة الراهنة بعيدا عن العمال». وفي حين تأسف البعض لتحويل النقاش من «مساره التقني» إلى «مسار سياسي»، اعتبر البعض الآخر أن المشكل يكمن في تغييب العوامل الحقيقية التي أدت إلى النتائج الراهنة، ولاسيما «سياسة تسيير صندوق التقاعد» و«معايير الاقتطاع»، إضافة إلى وجود تمييز بين تقاعد العمال وتقاعد الإطارات العليا التي تستفيد من مزايا عديدة وبصندوق خاص لتقاعدها. نواب الموالاة: من كانوا ضد التقاعد النسبي يدافعون اليوم عليه!؟ من الجانب الآخر، لم تكن مداخلات النواب المؤيدين للقانون أقل حدة، حيث لم يتردد النائب صلاح الدين دخيلي من التجمع الوطني الديمقراطي في القول بأن الرافضين للقانون «يريدون تحقيق مآربهم الشخصية»، مشيرا إلى أن المتحصلين على التقاعد النسبي يذهبون للعمل في القطاع الخاص، معتبرا أنه من الضروري الإسراع في إصلاح نظام التقاعد لتجنب حدوث اختلال في توازن الصندوق، ودعا إلى مواصلة الحوار حفاظا على السلم الاجتماعي. أما النائب لياس سعدي من حزب جبهة التحرير الوطني، فأكد أن حزبه «لا يخجل» من مساندة القانون، معتبرا أنه لا أحد يملك الحق في «إعطائنا دروسا في الوطنية». وقال إن من يعارضونه لهم «خلفيات وتوجيهات نعرف من أين تأتي». ولم يتردد في اتهام البعض بمحاولة تهديد استقرار البلاد. ومن الحزب ذاته، وصف النائب نورالدين كيحل المشروع ب«قانون التناقضات»، واستغرب من مواقف المعارضة والنقابات المستقلة، التي عارضت فرض التقاعد النسبي من طرف صندوق النقد الدولي في التسعينيات واتهمت الحكومة حينها ب«الخيانة»، واليوم هي تعارض إلغائه من طرف الحكومة وتعتبر ذلك «انحرافا خطيرا»؟ أما سميرة كركوش النائب عن الأفلان، ففضلت تقديم جملة من الاقتراحات من بينها التدرج في تطبيق الاصلاحات وتوسيع التشاور وتغليب لغة الحوار، كما قدمت جملة من الانشغالات المتعلقة بالمرأة العاملة.