يؤكد الخبراء أمر تفاقم ظاهرة العنف بكل أشكاله ضد المرأة كيفما كانت حالتها الاجتماعية، لافتين إلى ظهور عنف من نوع جديد في السنوات الأخيرة ويتعلق الأمر بالعنف عبر التكنولوجيات الحديثة، أبرزها الفايسبوك، ضحاياه جامعيات ومراهقات تحديدا، فيما يبقى العنف الممارس ضد الأصول وعلى رأسهم الأم، في تزايد بسبب الأبناء المدمنين، ناهيك عن العنف الممارس في المحيط وفي أماكن العمل الذي قد يؤدي بضحاياه إلى الانتحار. وبمناسبة إحياء اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة المصادف ل25 نوفمبر من كل سنة، جدد الخبراء دعوتهم لتضافر الجهود والتحسيس المتواصل لاستئصال هذه الآفة المقلقة. يقول البروفسور إبراهيم بولعسل، رئيس مصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي لتيزي وزو في مقابلة مع «المساء»، إنه يتم وبشكل يومي استقبال نساء ضحايا العنف، مؤكدا أمر استفحالها وسط المجتمع بكل فئاته بشكل مقلق، مفيدا أنه يستقبل بمصلحته عشرات النساء ضحايا العنف، منهن 3 إلى 4 ضحايا عنف جسدي ممارس عليها من طرف الزوج تحديدا: «أخطر أنواع العنف ضد المرأة هو الممارس ضدها داخل الأسرة أو في المحيط العائلي بشكل عام»، يقول المختص معتبرا أن هذا الفضاء من المفروض أن يوفر لأفراده كل أشكال الاستقرار النفسي والمادي، مشيرا إلى أن العنف كآفة اجتماعية كانت منتشرة منذ سنوات في مجتمعنا «لكنها بدأت تتفاقم بشكل ملحوظ ومؤسف في السنوات الأخيرة، لتأخذ أشكالا أخرى، منها العنف ضد القاصرات وضد الجامعيات بسبب التكنولوجيا الحديثة»، يقول الخبير. استشارة يومية وتردد في متابعة المعتدي قضائيا إن كانت نسب الاستشارة في مصالح الطب الشرعي في تزايد بالنسبة لضحايا أشكال العنف، إلا أن التردد في المتابعة القضائية يكاد يكون منعدما، يتابع البروفسور بولعسل تحليله للظاهرة، وأفاد بأنه يلمس شخصيا ترددا لدى النساء المعنفات ممن يستشرن الطبيب الشرعي ويحررن وثيقة طبية تبرز تعرضهن للعنف «دون اللجوء إلى متابعة ‘الجاني' أو حتى طلب الحماية من طرف القضاء بسبب نقص الوعي من جهة وغياب المرافقة، ونقصد بها تعريف المرأة المعنفة بحقوقها القانونية وبإجراءات رفع الدعوى القضائية، طلبا للحماية من الشخص الذي مارس العنف ضدها»، يتابع الخبير ملفتا إلى فئة جديدة من ضحايا العنف وهي فئة الطالبات الجامعيات، «وهذه حقيقة نعايشها في المصلحة بشكل يكاد يكون يوميا، حيث تتعرض الطالبة إلى أنواع العنف سواء داخل الحرم الجامعي أو خارجه»، يقول المختص مبديا تأسفه كون النساء ضحايا العنف يتقدمن إلى مصلحة الطب الشرعي من أجل الاستشارة والحصول على وثيقة طبية يعتبرونها في الغالب بمثابة وثيقة لإخافة المعتدي عليهن، من أجل تخويفه لا غير، داعيا الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني إلى العمل على التحسيس ضد العنف وما يخلفه من دمار نفسي ومادي على المجتمع ككل. الفايسبوك.. شكل جديد من العنف في نفس الموضوع، كان ل«المساء» لقاء خاص بالدكتور محمد حابس، رئيس مصلحة الطب الشرعي لمستشفى الثنية بولاية بومرداس، وخبير معتمد لدى المحاكم والمجالس القضائية الذي أكد من جهته استفحال ظاهرة العنف ضد المرأة، سواء المتزوجة أو المطلقة أو العازبة أو الأخت أو حتى الأم، مرجعا الأسباب بشكل عام إلى «التغيرات الكثيرة التي عرفها مجتمعنا في السنوات الأخيرة الذي صاحبه تطور تكنولوجي كبير لم يتم التأقلم معه». وتابع الخبير تحليله بالتأكيد على الشكل الجديد للعنف، والذي يتعلق بتطور وسائل الاتصال الجديدة، لاسيما الهاتف النقال من جهة، والفايسبوك من جهة أخرى الذي يعتبره الخبير وسيلة للابتزاز والتهديد ضد الجامعيات والقاصرات، بعضهن يرضخن للتهديد، فيكنّ بعدها ضحايا العنف سواء الجسدي أو الجنسي وقبلهما العنف النفسي. الخبير يذكر حالة لمراهقة كانت ضحية ابتزاز أحدهم عبر حسابها في الفايسبوك الذي هددها بنشر صورها عبر الفضاء الأزرق، مما جعل الفتاة (16 سنة) ترضخ لتهديداته وتبعته إلى مدينة بالغرب الجزائري وأحدث طوارئ في أسرتها إلى غاية العثور عليها وإقرارها بالعنف الممارس ضدها، وهي حالة موجهة نحو الخبير من فرقة حماية الأحداث لبومرداس. وحالة أخرى لجامعية في العشرين من العمر تم ابتزازها من طرف شخص كانت على علاقة معه عبر الفايسبوك، هددها بنشر صورها على هذا الفضاء، فتقدمت إلى الشرطة لتقديم شكوى ضده وأرسلت لإجراء المعاينة وتحرير تقرير طبيب شرعي. إلى جانب استفحال العنف الممارس ضد المرأة بعد اكتشافها لخيانة زوجها عبر الهاتف النقال، ليتطور الخلاف بعدها إلى الشجار، ثم الضرب والجرح العمدي. وأكد الخبير جهله لتطور الحالات بعد خروجها من الاستشارة، هل تتابع المعتدي قضائيا أم لا، مرجحا أن أغلب الضحايا يكتفين بتحرير وثيقة طبيب شرعي لتهديد المعتدي في حالة كرر الاعتداء من عدمه. كوطة نساء ضحايا العنف في كل استشارة الدكتور حابس، أكد كذلك أمر استقبال «كوطة» من النساء ضحايا أشكال العنف، لاسيما العنف الأسري الذي يأتي في صدارة أنواع العنف الممارس ضد النساء وسببه الزوج، ثم بعده أهل الزوج ومنه الحماة إو أخ الزوج، بحوالي 4 و6 حالات في كل استشارة، ليأتي بعده العنف في المحيط، لاسيما الجيران، ثم في ثالث مرتبة العنف في أماكن العمل. وقدم الخبير إحصائيات عن دراسة شخصية له تعتبر حصيلة عمله في الاستشارة المتخصصة بالطب الشرعي أجراها سنتي 2008-2009 وأظهرت تعرض ما معدله 300 امرأة متزوجة للعنف الأسري في الشريحة العمرية الممتدة بين 18-30 سنة، و200 امرأة بين 30-60 سنة و50 امرأة مسنة بين 60-90، مما يؤكد مرة أخرى أن العنف لا يستثن فئة عمرية دون سواها، حسب الخبراء، تماما مثلما تترتب الأسباب من غياب الحوار والاتصال بين أفراد الأسرة الواحدة وهيمنة الرجل اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا في مجتمعنا بشكل عام، إلى أزمة السكن والضغط النفسي المتولد عنه، إلى عدم الاستقرار الوظيفي وما يخلفه من أزمات اقتصادية على الأسرة وأفرادها، ليأتي بعدها إدمان الكحول والمخدرات وما ينجر عنها من عنف، خاصة ضد الأخت العازبة وضد الأصول، لاسيما الأم بعد رفض منح النقود للابن المدمن، مما يجعله ينتقم بالضرب والجرح العمدي ضدها. كما يلفت نفس الخبير أيضا إلى تفاقم العنف الممارس ضد المرأة في أماكن العمل الذي يشكل 22 حالة ضمن دراسته، مفيدا بأن بعض ضحاياه يعانين اضطرابا نفسيا عصيبا حتم عليهن المتابعة لدى الطب العقلي، وهن تحت المراقبة المستمرة خوفا من الانتحار. دون إغفال الحديث عن ضحايا العنف الجنسي بتسجيل ما معدله 28 حالة خلال الدراسة. وجعله يؤكد في الأخير أن محاربة هذا المرض الاجتماعي المزمن يكمن في الأصل في محاربة أسبابه، مشبها العنف ضد المرأة بالغرغرينا التي تسبب تجلط الدم في الرجل والتي يكون مستحيلا القضاء عليها إلا بقطع رجل المريض حفاظا على حياته، كذلك هو الحد من العنف ضد المرأة بتبني نظام حياتي سليم مبني على الاستقرار الأسري أولا لإبعاد الطفل عن التأقلم معه، فيصبح أمرا عاديا بالنسبة إليه حتى يصبح بنفسه منتجا للعنف وأشكاله مستقبلا. حسب دراسة للبروفسور إبراهيم بولعسل خلال 2016 ...الخلافات الزوجية وراء 64 % من أسباب العنف أظهرت دراسة أجراها البروفسور إبراهيم بولعسل، رئيس مصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي «نذير» محمد بتيزي وزو، بين شهري جانفي وأكتوبر 2016 على عينة تتكون من 2263 امرأة ضحية العنف، خضعنّ للاستشارة المتخصصة بنفس المصلحة، أن واحدة من كل امرأتين تتعرض للعنف الأسري، وأن أكثر من 70% من النساء المعنفات تعرضن للضرب و32% للجرح العمدي، و17% للعنف الجنسي. وأن 64% من أسباب تعنيف المرأة تعود إلى الخلافات الزوجية و29% دون سبب واضح و7% بسبب الانفصال المفضي للطلاق. كما أوضحت الدراسة التي تحوز «المساء» على نسخة منها، أن وجه المرأة أكثر الأعضاء عرضة للضرب والجرح بنسبة 37%، يليه القفص الصدري ب15%، ثم الأعضاء الداخلية ب12% و11% بالنسبة للأعضاء الخارجية. أما بالنسبة للفئات العمرية الأكثر عرضة لأشكال العنف، فتشير الدراسة إلى أنها محصورة بين 21-30 سنة، تليها الفئة التي تتراوح بين 31-40 سنة، ثم 41-50 سنة. وتمثل الماكثات في البيت أكثر النساء المعنفات ب48% من عينة الدراسة، تليها النساء العاملات ب41%، ثم النساء الكوادر ب6%. ويوضح البروفسور بولعسل أن الأرقام المقدمة ضمن الدراسة لا تعكس حقيقة العنف ضد المرأة، وهو ما يُصعب إحصاء مدى استفحاله، مما يُرجح حسبه- أن آلاف النساء يعانين في صمت، الشيء الذي جعله يصف هذه الآفة الاجتماعية بالمرض الذي يهدد الصحة العمومية، وأن الوقاية من هذا المرض تكمن في تغيير الدهنيات وتوعية الشباب والشابات حول احترام الآخر والتأكيد على أهمية الحوار داخل الأسرة. سكيكدة سكيكدة ...تعرض 246 امرأة للعنف سجلت فرق الشرطة القضائية بأمن ولاية سكيكدة، خلال الفترة الممتدة من الفاتح جانفي إلى غاية 31 أكتوبر من السنة الجارية، 246 عنفا ممارسا ضد المرأة السكيكدية، منها 191 حالة تعرضت لعنف جسدي و08 نساء تعرضن للعنف الجنسي من هتك عرض واغتصاب وفعل مخل بالحياء و04 نساء تعرضن للتحرش الجنسي، فيما تعرضت 42 امرأة لسوء المعاملة. وعن العلاقة بين المشتبه بهم مع النساء الضحايا، فإن 41 زوجا اعتدى على زوجته بالضرب والجرح العمديين، كما تورط 81 شخصا في قضايا العنف الممارس ضد الأصول والفروع من النساء، منهم 41 زوجا و15 أخا و10 أبناء، إضافة إلى 56 شخصا من العائلة، فيما تورط 126 شخصا أجنبيا عن الضحية في أعمال عنف ضد المرأة. ❊بوجمعة ذيب