ظاهرة العنف ضد المرأة من بين المظاهر التي تهدد المنجزات التي حققها الإنسان خلال السنوات الماضية، حيث أثبتت دراسات أجريت مؤخرا بمصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، تهدف بالدرجة الأولى إلى محاولة تقييم مدى انتشار العنف الزوجي بعاصمة الشرق، مع دراسة خصائص شخصيات الضحايا والمعتدين، وإخضاع الأطر القضائية والنصوص القانونية المتعلقة بالعنف العمدي لمحك الدراسة والتحليل واقتراح حلول للتغلب على العنف الزوجي، اثبتث أنه لا يزال مشكلة عويصة بالنسبة للصحة العمومية في بلادنا ونتائجه المأساوية خاصة بالنسبة للنساء والأطفال. الدراسة التي قام بها البروفيسور عبد العزيز بن حركات، رئيس أطباء مصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي بن باديس، بمعية البروفيسور زهرة بودراع والبروفيسور عبد الحميد بلوم، والتي قدمها مؤخرا تزامنا مع اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد المرأة المصادف ل 25 نوفمبر من كل سنة، اعتمد فيها على دراسة ملفات 213 امرأة ورجل واحد خضعوا للمعاينة الطبية القضائية بالمصلحة خلال شهر رمضان الفارط، حيث أثبتت الدراسة تعرض 73 حالة من نساء ورجل واحد تعرضوا للعنف الزوجي، وحدد الأطباء نسبة العجز الجزئي لأغلبهم عن العمل ب15 يوما أو أقل، فيما انتحرت سيدتان نظرا لتأثرهما الشديد بمختلف أشكال العنف المتكرر المسلط عليهما من زوجيهما، زيادة على أن النساء ضحايا العنف تتراوح أعمارهن بين 19 و60 سنة، كما أن أزيد من 80 بالمائة منهن لا يمارسون أي نشاط مهني مع وجود إطار واحد والبقية عمال وموظفين من ذوي المستويات الجامعية والثانوية، فيما تتراوح الفئة العمرية للمعتدين بين 31 و60 عاما، ومستوياتهم التعليمية بين الابتدائي، المتوسط والثانوي، كما أن أزيد من 80 بالمائة من المعتدين يمارسون مهنا حرة، لأغلبيتهم مع ضحاياهم ابنا أو ثلاثة أبناء، فيما بينت نفس الدراسة أن 23 من أفراد العينة حديثي الزواج لا تتجاوز مدة زواجهم السنة. وأكد الباحثون خلال دراستهم أن أشكال العنف المسجلة مختلفة، منها اللفظية، النفسية، المعنوية، الجسدية والجنسية، حيث تم تسجيل عدة حالات تعرضت خلال نفس الفترة للعنف، منهن الحوامل المعنفات ببيت الزوجية اللائي تعرضن لمخاطر النزيف والإجهاض، إلى جانب تمزق المشيمة وموت الأجنة في الرحم أو وفاتهن أو تعرضهن لكسور في الأطراف، وغيرها من الإصابات بسبب اعتداء أزواجهن عليهن، أو على زوجات وأبناء، وهي الاعتداءات، حسب المختصين، التي تنجم عنها عواقب وخيمة وخطيرة خاصة على الأبناء، المتمثلة في إصابتهم باضطرابات نفسية وسلوكية، اضطرابات في النوم، الأكل، الانطواء، العدوانية، التوتر والقلق المستمرين، إلى جانب صعوبات في التعلم والدراسة، أما الزوجات المعنفات فيتعرضن في حالات كثيرة للطرد من بيت الزوجية والتشرد مع أطفالهن، فيقعن في شباك الخوف من عواقب الطلاق، مع نبذ أسرهن، تهميش المجتمع وحصار الإجراءات الطويلة المرتبطة بالخضوع للمعاينة والتقدم بشكاوى للشرطة والعدالة، أمام جهلهن للقوانين. فرغم وجود قوانين لمكافحة ظاهرة العنف ضد المرأة عبر العالم، إلا أن غياب النصوص القانونية الصارمة لمكافحة هذا النوع من العنف المنتشر بكثرة في مجتمعنا بات كابوسا حقيقيا تقع فيه النساء ضحايا عنف الأزواج، ويعزفن عن رفع قضايا ضدهم رغم حصولهن على شهادات تقيم نسبة العجز الجزئي، والتي يمكن أن يستند إليها القاضي لإثبات الضرر، فجل النساء المعنفات وحسب بعض الدراسات، يعتبرن أنفسهن مشاركات، بسبب تقبلهن للعنف من خلال التسامح والخضوع أو السكوت عليه كرد فعل لذلك، ما يجعل الآخر يتمادى أكثر. من جهتها، تحاول الجمعيات المحلية المختصة مساعدة النساء المعنفات والتكفل بهذه الفئة قدر المستطاع، في ظل نقص الإمكانيات المادية، حيث تطالب هذه الجمعيات، وعلى رأسها جمعية "راشدة"، بتكاتف الجهود وتخصيص مركز للنساء المعنفات اللائي لا يجدن في الوقت الحالي ملجأ يلجأن إليه بعد تعرضهن للعنف أو طردهن من بيت الزوجية، اقتداء بولايات أخرى عبر التراب الوطني التي بادرت بإنجاز مثل هذه المراكز، حيث أكدت رئيسة جمعية "راشدة" أن أزيد من 800 حالة لنساء معنفات قصدن الجمعية في ظرف 5 سنوات، حيث يرفضن اللجوء إلى تقديم شكاوى لدى مصالح الأمن، رغم خطورة إصابتهن أحيانا. وفي نفس السياق، سجلت "خلية الإصغاء" التابعة لمديرية النشاط الاجتماعي بقسنطينة، مند حوالي سنة، تاريخ دخولها حيز الخدمة 45 اتصالا من نساء تعرضن للعنف اللفظي أو الجسدي داخل المحيط الأسري، وفي بعض الحالات، تخلي الزوج عن مسؤوليته وترك الزوجة المعنفة تواجه مصاريف المنزل والأولاد، مما دفع ببعض النساء إلى التسول. أما عن الجمعيات النشطة في مجال حقوق المرأة، فقد دعت بدورها إلى سن مشروع قانون واضح المعالم وفعال يجرم العنف ضد المرأة، قصد التخلص من جميع أشكال العنف، حيث كشفت الناشطة المحلية للمجتمع المحلي والنائبة نادية لوجرتي، أن قضية العنف ضد المرأة تتصدر أولويات عدد من النساء البرلمانيات اللائي سيعكفن على رفع ندائهن لتشديد العقوبات حول العنف ضد المرأة، من خلال فرض عقوبات صارمة ضد المعتدي.