أصدر قاضي التحقيق بمحكمة قضاء تيبازة، أمس، أول أمر بالوضع تحت المراقبة الإلكترونية في حق شخص متابع بتهمة الضرب والجرح العمدي، معلنا بذلك الانطلاق الرسمي في اعتماد هذا النظام الرقابي العصري الذي يأتي لتدعيم الطابع الاستثنائي للحبس المؤقت وكذا مبدأي قرينة البراءة وحقوق المتقاضين المكرسين في الدستور. وسيتم تعميم هذه العملية النموذجية على مستوى كافة محاكم ولاية تيبازة في مرحلة أولى، قبل توسيعها في مرحلة ثانية لتشمل كافة محاكم الوطن. حيثيات هذا النظام الرقابي العصري وخصوصياته تم عرضها انطلاقا من مجلس قضاء تيبازة عبر نظام المحاضرة عن بعد، الذي سمح لمختلف الجهات القضائية والأمنية المعنية بمتابعته انطلاقا من كافة مجالس القضاء المتواجدة عبر الوطن، وذلك بإشراف المدير العام لعصرنة العدالة عبد الحكيم عكا. هذا الأخير ذكر في عرضه بأن هذا النظام القضائي الحديث المؤطر بالأمر 15/02 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية والقانون 15/03 المتعلق بعصرنة الإدراة، يهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان والحريات الفردية، ولاسيما منها مبادئ المحاكمة العادلة وقرينة البراءة، فضلا عن تدعيم الرقابة القضائية وتوسيع نطاقها وضمان احترام المتهم لالتزاماتها. كما يسمح هذا الإجراء بالوقاية من مخاطر العود لارتكاب الجريمة والمساهمة في حسن سير إجراءات التحقيق وتخفيف الازدحام في المؤسسات العقابية مع ما يترتب عن ذلك من خفض لتكاليف إدارة السجون، فضلا عن دعمه لسياسة إعادة الإدماج الاجتماعي والمهني، من خلال تمكين المعني بالمراقبة الإلكترونية من مزاولة مهنته أو دراسته أو تكوينه المهني أو الخضوع لعلاج طبي، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العائلية والمحافظة على الروابط الأسرية والاجتماعية وتجنب احتقار الجميع للمعنيين وحمايتهم من الانحراف النفسي والسلوكي. وتنحصر الجهات المختصة في إصدار الأمر بالوضع تحت المراقبة الالكترونية على قضاة التحقيق، وقضاة الأحداث وقضاة التحقيق المكلفين بالأحداث وكذا القاضي المكلف بإجراءات المثول الفوري وجهة الحكم عندما تقرر تأجيل القضية أو غرفة الاتهام بمناسبة قيامها بمهام التحقيق المخولة لها قانونا، بينما تنحصر الجهة المكلفة بوضع السوار الإلكتروني على المتهم في المكتب المخصص لهذا الغرض على مستوى كل محكمة، وتتولى مصالح الضبطية القضائية بما فيها التابعة لمصالح الأمن والدرك الوطنيين مهام ضمان المراقبة المستمرة وتسيير السوار الإلكتروني. ويتم وضع السوار الإلكتروني على مستوى كاحل الشخص الموضوع تحت المراقبة الإلكترونية طيلة فترة المراقبة التي يحددها قاضي التحقيق أو القضاة المخولون بهذه المهام، حيث يبث السوار ذبذبات إلكترونية مرتبطة بالمراكز التي تتولى مهام التلقي والمراقبة عن بعد على مستوى مصالح الضبطية القضائية، ويسمح السوار الإلكتروني الذي يعمل من خلال أجهزة اتصال هاتفية أو لاسلكية، بتحديد مكان حامله وتوقيت تواجده بمكان محدد وذلك بدقة عالية تمكن من متابعته حتى عندما يكون في سيارة مع تحديد سرعة السير. ويعتبر هذا الجهاز الحديث الذي يطلق إنذارا إلى مركز المراقبة في حال تمت إزالته، جهاز مقاوم للماء حتى على عمق 30 مترا، ويقاوم الحرارة والرطوبة والغبار، وكذا الاهتزازات والصدمات، وهو حسب السيد عكا مقاوم للتمزق والقطع والفتح عند إغلاقه ويتحمل قوة الضغط، ويتم شحنه ببطارية تمنح للشخص الموضوع تحت المراقبة الإلكترونية مع جهاز استقبال وإرسال للرسائل الصوتية والكتابية، ويتم إرفاقه بعازل من قماش يقي حامله من الحساسية. كما يحتوي السوار الإلكتروني شريحة «جي أس أم» ونظام تتبع المواقع ويتم تسييره بتطبيق إعلامي خاص، تم ابتكاره من قبل كفاءات جزائرية، يسهل عمل الضبطية القضائية في تحديد المواقع المحظورة على المتهم والمسموح له بالتواجد بها، وذلك انطلاقا من جهاز المراقبة الإعلامي أو عبر لوحة تحكم معلوماتية.ويتم فتح أو إغلاق السوار الالكتروني بطريقة أوتوماتيكية بواسطة جهاز إلكتروني، تحوز عليه الجهات المخولة قانونا بوضع السوار. وحسب المدير العام لعصرنة العدالة فقد تم الحرص في قطاع العدالة على وضع الإطار القانوني الذي يسمح باستعمال المراقبة الإلكترونية ضمن نطاق الرقابة الالكترونية مع الشروع في مرحلة التحضيرات الأولية التي شملت فضلا عن إنشاء التطبيقة الخاصة بتسيير السوار الالكتروني على مستوى المقر الاحتياطي لأنظمة الإعلام الآلي بالقليعة، استحداث قاعدة معطيات مركزية خاصة بالأشخاص الخاضعين لنظام المراقبة الالكترونية سيتم ربطها آليا بتطبيقة تسيير الملف القضائي وبالمصالح المكلفة بتسيير الأساور الالكترونية ومراقبة حامليها. وتم ضمن نفس المسعى إجراء عدة تجارب تقنية مع المتعاملين الثلاثة للهاتف النقال أفضت إلى نتائج مجدية، حسب نفس المسؤول الذي أعلن عن انطلاق العملية بولاية تيبازة من خلال استخدام سوارين إلكترونيين على مستوى محكمة تيبازة، على أن يتم تعميمها بعد ذلك على مستوى بقية الجهات القضائية. وحول فئات الموضوعين تحت الرقابة القضائية المعنيين بالخضوع للمراقبة الالكترونية، أوضح السيد عكا أن قاضي التحقيق والقضاة المخولين بإصدار هذا الأمر تعود لهم السلطلة التقديرية بالامر بهذا الاجراء، لافتا إلى أن هذا النظام العصري المتطور الذي يأتي ليكمل مختلف الأشواط التي تم قطعها في مسار العصرنة، على غرار الإمضاء الإلكتروني واستخراج صحيفة السوابق العدلية وشهادة الجنسية وتصحيح الحالة المدنية عن بعد، سيمكن قطاع العدالة من ولوج العالم الرقمي بامتياز بالاعتماد على الأنظمة الإعلامية الأكثر حداثة في العالم في ظل احترام حقوق المتقاضين وحقوق الانسان بشكل عام. وإذ أكد بأن هذا النظام وعلى غرار كافة الأنظمة المعلوماتية بالوزارة مؤمّن بشكل عال، كشف المتحدث، عن إفشال حوالي مليون محاولة اختراق لمختلف الأنظمة المعلوماتية التابعة لوزارة العدل خلال السنة الجارية، مشيرا إلى أن مصدر محاولات الاختراق الفاشلة جاءت في أغلبها من خارج الوطن، فيما قدر عدد الاختراقات من داخل الوطن ب60 ألف محاولة، تشكل حاليا حسبه موضوع متابعات قضائية. وخلص المدير العام لعصرنة العدالة إلى أن حرص وزير العدل حافظ الأختام على تجسيد هذا المشروع الذي يحفظ كرامة الإنسان، بعيدا عن السجن الاحتياطي إلى حين محاكمته، يجعل الجزائر الأولى عربيا والثانية إفريقيا بعد جنوب إفريقيا وفي مرتبة متقدمة دوليا، في اعتماد نظام السوار الإلكتروني.