تقاطعت تصريحات مسؤولين غربيين ومحللين مهتمين بالعلاقات الدولية في الفترة الأخيرة في التأكيد على أن الاتحاد الأوروبي مرشح لأكبر هزات في نسيجه الوحدوي قد تؤدي خلال العشر سنوات القادمة إلى انهياره ومعه حلم إقامة مشروع أوروبا الموحدة. فمن موقف الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الذي لم يخف دعمه الصريح لتفكيك أكبر تكتل سياسي واقتصادي في العالم إلى التصريحات التي أدلى بها مسؤولون أوروبيون على غرار زيغمر غابرييل، نائب المستشارة الألمانية الذي أقر بأن هذا التفكك لم يعد أمرا مستحيلا. ضمن توقعات متشائمة تطرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل الاتحاد الأوروبي القائم منذ عقود لكنه يعيش اليوم على وقع تململ يهدد كيانه ويقوده نحو تفككه. وحتى إن كانت الإدارة الأمريكية المنتهية عهدتها وعلى لسان سفيرها في الاتحاد الأوروبي وصفت مراهنة ترامب على تفكك الاتحاد الأوروبي بأنها «حماقة مطلقة»، فإن تأكيدات هذا الأخير بانسحاب دول أوروبية مستقبلا من عضويته زاد في مصداقية مثل هذه التوقعات. والمؤكد أن الوضعية التي آل إليها الاتحاد الأوروبي ليست وليدة اليوم، بل جاءت نتاج عوامل متعددة فرضتها التغييرات الطارئة على الساحة الأوروبية والعالمية عموما في ظل صعود قوى يمينية في عدة دول أوروبية روجت لخطاب شعبوي أكسبها مصداقية متزايدة، بالإضافة إلى الانعكاسات التي سيخلفها انسحاب بريطانيا دون نسيان تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على قوة الاتحاد ومنها على الشعوب الأوروبية التي بدأت تفقد ثقتها في البقاء تحت مظلة هذا التكتل. وشكلت الأزمة الاقتصادية التي كادت أن تعصف بالاقتصاد اليوناني أول امتحان بالنسبة لصلابة أوروبا الموحدة وأول هزة في كيان هذا الاتحاد وجعل احتمال خروج هذا البلد بمثابة بداية انهيار البناء الأوروبي من أساسه. وجعلت هذه المخاوف كل أوروبا تستنفر قواعدها من أجل منع وقوع الأسوأ وحتم ذلك على الخزينة الأوروبية ضخ أموال طائلة لمنع إفلاس اليونان إدراكا منها أن ترك السفينة اليونانية تتقاذفها أزمات متعددة ومعقدة سيكون وبالا على كل الجسد الأوروبي. ودفعها ذلك إلى القبول بضخ عشرات الملايير دون أن تكون متأكدة بأنها ستنقذ اقتصاد هذه الدولة من إفلاس كان مؤكدا. وزادت الأزمة الاقتصادية العالمية القناعة لدى الرأي العام الأوروبي أن حلم بناء بيت أوروبي موحد بات وهما في ظل تباين درجات الرفاه بين هذه الدولة وتلك، بما يفسر صعود أحزاب يمينية إلى سدة الحكم في عدة دول أوروبية مثل المجر والنمسا... ثم جاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليزيد هذه القناعة تكريسا، وهو ما يفسر أيضا الاستنفار الذي تعرفه ألمانيا وفرنسا، أكبر دولتين مدافعتين عن بقاء الاتحاد الأوروبي وتسعيان جاهدتان للإبقاء على اللحمة الأوروبية موحدة في مهمة أقل ما يقال عنها أنها تزداد صعوبة يوما بعد يوم. كما أن الأزمة التي خلّفتها قضية اللاجئين والشرخ الذي أحدثته بين برلين «المرحبة» بهم وعدد من العواصم الأوروبية الأخرى الرافضة لاستقبالهم كان لها أثرها المباشر في تململ الكيان الأوروبي خاصة بعد رفض عدة دول قبول تقاسم عبء الوافدين إلى حدود الاتحاد ضمن حصص مدروسة من أجل احتواء تداعيات هذه الأزمة. بل إن دول أوروبا الشرقية ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما اتهمت الاتحاد الأوروبي بالتعامل بسياسة الكيل بمكيالين في تعاملها مع الدول الأعضاء بتفضيله لدول على حسابها مخلا بالتزاماته ووعوده بجعل الاتحاد جنة لأبناء شعوبه.