يمكن استخلاص عدة دروس من اللقاء النهائي لكأس أمم إفريقيا 2017 بالغابون، بين الكاميرون المتوّج باللقب والمنتخب المصري الذي أنهى المنافسة في مركز الوصافة، خاصة بالنسبة لنا المهتمين والمتتبعين للمنتخب الوطني ولكرة القدم. علينا أن نتخلص من العواطف ونخرج من الأوهام. لقد خرج المنتخب الوطني بما يملكه من إمكانيات كبيرة سواء مادية أو بشرية من كأس أمم إفريقيا، خاوي اليدين في الدور الأول بحصيلة سلبية وفضائح انضباطية. ما فعله المنتخب المصري خلال هذه الدورة من كأس إفريقيا وتتويج مدرب الكاميرون هيغو بروس باللقب الإفريقي، يمكن أن يدفعنا إلى لحظة تأمل واعتبار ومراجعة. الفراعنة غابوا عن إفريقيا في ثلاث طبعات كاملة، ولا أحد كان يرشح هذا الفريق المغمور في بداية الدورة ليبلغ نهائي «الكان»، إلا أن ما أظهره هذا الجيل الجديد من اللاعبين فوق الميدان، يجعلنا نراجع أوراقنا، ويجعل المسؤولين عن الكرة في الجزائر وعن الرياضة عامة، يبحثون في الأسباب التي جعلت المصريين يعودون بهذه القوة إلى إفريقيا، في حين لم نتمكن منذ 1990 من تنشيط نهائي آخر في كأس أمم إفريقيا، وعوض أن نتبادل التصريحات بين هذا وذاك، فمن الأجدر أن نتعلم من منافسينا. المنتخب المصري انتزع الإعجاب والتقدير، وخرج باحترام كبير من جميع المتتبعين والعارفين بكرة القدم. لقد أبدوا قتالية وروحا انتصارية، ورغبة ملحّة في التتويج باللقب القاري، وكان لهم ما أرادوا بلعب النهائي، إلا أنهم تعبوا على الميدان في اللقاء الأخير، وكانت الغلبة كاميرونية أو للخبرة الكاميرونية. ماذا قدّم نجومنا ولاعبونا الذين يلعبون في أكبر الأندية الأوربية؟ خرجوا من «الكان» في دورها الأول، لم نحس بتلك الروح القتالية، بل أكثر من ذلك، صرح أحدهم بأن كأس إفريقيا ليست مهمة، وأنها لا يتابعها كل العالم، وكأن هؤلاء اللاعبين سيؤهلوننا إلى كأس العالم، وسيفعلون المعجزات فيها حتى يتابَعوا من قبل من يريدون أن يتابعوهم. ربما من الخطإ أننا «ضخمنا» هؤلاء اللاعبين ووضعناهم في مقام النجوم؟! لقد زرعنا فيهم الغرور، وزرعنا في أنفسنا الوهم. المصريون، ببساطة، كوّنوا فريقا قوميا كما يقولون، وكان غيابهم في الثلاث طبعات الماضية مفيدا وليس مكسرا للمنتخب، لقد تخلصوا من النجومية وأعادوا أرجل لاعبيهم إلى الأرض، فحققوا ما وصلوا إليه. لم يتباهوا بنجومهم، واعتمدوا على لاعبين يملكون مستوى جيدا. حب كبير لمصر، وهذا هو الفارق، وهذا الدرس الذي علينا أن ننظر إليه بتمعن. سؤال آخر جدي يمكن أن نعيد طرحه: إن المدرب الذي توّج باللقب القاري هيغو بروس، كان وببساطة مدربا لفريق اسمه شبيبة القبائل، إلا أن رئيسه محند شريف حناشي، وصفه بالمجنون، ووصل به الحد إلى أن صرح بعد مباراة من مباريات البطولة الوطنية المتواضعة التي جمعت فريقه بنصر حسين داي قائلا: «أما من أعددت له التشكيلة حتى فازت»، قاصدا المدرب بروس، الذي لم يكن يقبل أن يتدخل حناشي في عمله، إلا أنه ترك كل شيء بعد الضغط الذي كان يمارسه عليه. المدرب البلجيكي تُوّج أمام العالم بكأس أمم إفريقيا مع منتخب كبير اسمه الكاميرون.