أكدت بعثة صندوق النقد الدولي للجزائر، أنه من التحديات الأساسية التي تواجهها بلادنا في هذه المرحلة هي «اختيار مزيج السياسات الذي من شأنه مساعدة الاقتصاد على التكيف مع صدمة أسعار النفط على نحو قابل للاستمرار وبأقل تكلفة ممكنة على النمو والتوظيف». وقالت إنه بالرغم من الأوضاع الراهنة فإن النشاط الاقتصادي «حافظ على صلابته بوجه عام»، وتمت الاشارة إلى أن السلطات حققت عدة إنجازات. ومن أهم الإنجازات التي تضمنها تقرير البعثة الذي قرأه أمس، رئيسها جون فرانسوا دوفان، خلال الندوة الصحفية السنوية التي يعقدها في نهاية المهمة، تحقيق السلطات لانخفاض «ملحوظ» في عجز المالية العامة في 2016، واعتماد «خطة طموحة» للضبط المالي تغطي الفترة 2017-2019. كما تحدث عن تحقيق «تقدم» في تحسين بيئة الأعمال وعملها الحالي على وضع «إستراتيجية طويلة الأجل لإعادة تشكيل نموذج النمو الجزائري بغية تشجيع نشاط القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد». وأشار كذلك إلى عمل البنك المركزي على «تطويع أدوات السياسة النقدية للتكيف مع بيئة أصبحت تتسم بمحدودية السيولة»، معتبرا أن زخم الإصلاح المتنامي من «التطورات الجديرة بالترحيب». إلا أنه طالب الحكومة بمواصلة الضبط المالي بالاعتماد أساسا على «توسيع القاعدة الضريبية»، «احتواء الإنفاق الجاري»،»استبدال دعم الطاقة المكلف تدريجيا»،»تحسين كفاءة الإنفاق الرأسمالي وتخفيض كلفته»، إضافة إلى «تقوية إطار الموازنة والقيام بمراقبة دقيقة للمخاطر المتنامية التي تتعرض لها المالية العامة». وعادت بعثة «الأفامي» للتطرق إلى مسألة الدعم الاجتماعي، مطالبة مجددا بضرورة توجيهه مباشرة إلى الفئات المعوزة، مع دعوتها لضرورة الحفاظ على «الاستثمار في الصحة والتعليم». ودعت من جانب آخر إلى ضرورة اجتناب الخفض المفرط لعجز المالية العامة للحد من مخاطر تباطؤ النمو. في هذا السياق أشارت أرقام «الأفامي» إلى بلوغ النمو في 2016 نسبة 3.4 بالمائة، وارتفاع التضخم من 4.8 بالمائة في 2015 إلى 6.4 بالمائة في 2016 مع تسجيل نسبة 8.1 بالمائة في جانفي 2017، وارتفاع البطالة في سبتمبر الماضي إلى 10.5 بالمائة. ورغم إقرارها بأن الجزائر لديها هامش مناورة هام بفضل احتياطات صرفها وكذا نسبة ديونها الخارجية الضعيفة جدا، فان جون فرانسوا دوفان، جدد طلبه باسم هيئة «بروتن وودز» بالذهاب نحو «الاقتراض الخارجي وبيع أصول الدولة» بمبرر «توفير خيارات أوسع للتمويل». كما عاد للتشديد على ضرورة الإسراع في إجراء الإصلاحات الهيكلية لاسيما تحسين بيئة الأعمال- رغم اعترافه بأن الاجراءات الأخيرة في هذا المجال أعطت نتائج- وتحسين الحصول على التمويل وتعزيز الحوكمة والشفافية وزيادة فعالية سوق العمل وزيادة انفتاح البلاد أمام الاستثمار الأجنبي ودعم القطاع الخاص. وبخصوص السياسة النقدية قال دوفان، إنه يجب التقريب بين نسبة صرف الدينار الحقيقية وقيمة توازنه، داعيا بنك الجزائر إلى ضرورة اتخاذ خطوات لامتصاص سوق الصرف الموازية واستحداث عمليات السوق المفتوحة وتشديد السياسة النقدية في ضوء الضغوط التضخمية المتنامية. وفي ظل زيادة مخاطر السيولة وأسعار الفائدة والائتمان، تمت المطالبة بتسريع الانتقال إلى إطار رقابي قائم على المخاطر وتعزيز دور السياسة الاحترازية الكلية وتدعيم حوكمة البنوك العمومية ووضع إطار لحل الأزمات. ومن خلال إجابته على الأسئلة، فإن رئيس بعثة «الأفامي» اعتبر إنه من المهم أن تعمل الحكومة الجزائرية «على عدة جبهات» في إطار إصلاحاتها الهيكلية الرامية خصوصا إلى تحسين مناخ الاستثمار، الذي وأن حققت فيه الجزائر تقدما، فإن جهودا أكبر تنتظر من أجل جلب الاستثمارات لاسيما الأجنبية منها، ولم ينس التذكير في السياق بضرورة «إضفاء ليونة على قاعدة 49/51». كما شدد على إضفاء ليونة على سوق الشغل لتمكين المؤسسات من التوظيف وترقية تشغيل النساء التي وصلت نسبة البطالة بينهن إلى 20.1 بالمائة. أما عن السوق الموازية فقال إنه يجب النظر في أسباب انتشارها ومن ثمة إعادة النظر في الإجراءات البيروقراطية وبعض التشريعات، وخلق تحفيزات لتوطين الأموال في البنوك وابتكار خدمات ومنتجات جديدة لجلب الأموال نحو البنوك، معبّرا عن اقتناعه بأن هذه الجهود ستؤتي ثمارها تدريجيا لذا يجب الإسراع في مباشرتها.