أحدثت العملية الإرهابية التي هزت شارع شانز إيليزي الشهير في قلب العاصمة الفرنسية باريس، ليلة الجمعة، هزة قوية في أوساط الطبقة السياسية الفرنسية يومين قبل إجراء الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، ولكنها شكلت ضربة قوية للمنظومة الأمنية الفرنسية في ظل حالة الطوارئ السارية منذ سنة 2015. وكان إقدام مسلّح ادّعى تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، أنه من «ذئابه النّائمة» على فتح نيران سلاحه الحربي على حافلة للشرطة في الشارع سالف الذكر مخلّفا مقتل شرطي وإصابة اثنين بجروح بليغة، بمثابة الحدث الأهم في كل العالم ليس لأن العملية جاءت عشية انتخابات رئاسية مصيرية في فرنسا، ولكنها جاءت تنفيذا لوعيد سبق لتنظيم «داعش» أن وجهه لمختلف الدول الغربية وبصفة خاصة فرنسا بنقل الحرب إلى عواصمها انتقاما لما تعرض له في كل من العراق وسوريا في الأشهر الأخيرة. وأعلنت السلطات الفرنسية حالة استنفار أمني في أعلى درجاته بعد هذا الهجوم ومقتل منفذه من طرف عناصر الشرطة وسط مخاوف من وجود مخططات لعمليات إرهابية أخرى، خاصة وأن العملية جاءت ثلاثة أيام فقط بعد إفشال عملية مماثلة بمدينة مارسيليا، بعد تفطن مصالح الأمن التي اعتقلت اثنين ممن كانا يستعدان لتنفيذها. وأكدت مصادر قضائية فرنسية أن منفذ عملية أول أمس، هو المواطن الفرنسي كريم شرفي، البالغ من العمر 39 عاما والمعروف لدى مختلف أجهزة الأمن الفرنسية التي اعتقلته شهر فيفري الماضي، بعد شكوك حول نيته استهداف عناصر الأمن قبل أن يتم إطلاق سراحه بانعدام الأدلة الكافية ضده. كما سبق وأن حكمت عليه سنة 2001 بالسجن لمدة 15 عاما بتهمة محاولة قتل أحد عناصر الشرطة وقد أطلق سراحه سنة 2013. وأكد تنظيم «داعش» الإرهابي في بيان التبنّي أن منفذ عملية شارع «شانز إيليزي» في قلب العاصمة باريس هو أبو يوسف البلجيكي، أحد مقاتلي الدولة الإسلامية، دون أن يمنع ذلك المحققين الفرنسيين من القيام بعملية تفتيش لمنزل منفذ العملية الواقع في إحدى ضواحي العاصمة باريس، للتأكد من علاقته بالتنظيم الإرهابي، ومعرفة ما إذا كان يقيم علاقات مع شبكة إرهابية نائمة أو أشخاص تورطوا معه في التحضير لهذه العملية. وسارعت الأجهزة الأمنية الفرنسية إلى فرض طوق أمني في قلب العاصمة باريس والشوارع الفرعية المؤدية إلى شارع شانز إيليزي، ونشر تعزيزات أمنية غير مسبوقة في نفس الوقت الذي دعت فيه السكان والسياح إلى تجنب المجيء إلى الشارع الذي يبقى أهم مركز استقطبا للسياح القادمين من كل أصقاع العالم. دور انتخابي أول على وقع العملية وإذا كانت الظاهرة الإرهابية طغت على خطاب المرشحين لانتخابات الرئاسة الفرنسية الذين جعلوا منها ورقة استقطاب للناخبين تماما كما فعلوا مع المهاجرين والإسلام والحجاب واللائكية، فقد جاءت عملية سهرة الخميس، لتصب في نفس سياق مخاوف الفرنسيين والغربيين عامة من ظاهرة استفحلت وأصبحت تهدد كل العالم. وخدم منفذ هذه العملية والواقفين من ورائه من حيث لا يدرون مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان، التي جعلت من الإسلام والمسلمين قضية محورية في خطابها وربطتهما بالإرهاب. يذكر أن الهجوم المسلّح وقع في نفس الوقت الذي كان فيه الفرنسيون يتابعون آخر مناظرة تلفزيونية للمرشحين الإحدى عشر الذين كانوا بصدد حث الناخبين على التوجه إلى مكاتب التصويت وتفادي مقاطعة الموعد الانتخابي، ضمن آخر محاولة إقناع لكسب تعاطف المترددين والأغلبية الصامتة وخاصة أنه لا أحدا من المرشحين ضمن فوزه بنتيجة الدور الأول يوم غد الأحد. ولم تحسم كل عمليات السبر التي تم إنجازها تباعا منذ انطلاق الحملة الانتخابية ودخول المرشحين خط الوصول الأفضلية لأي منهم باستثناء تأكيدها على حظوظ أربعة من بينهم الذين بإمكانهم التنافس على الوصول إلى الدور الثاني من هذه الانتخابات المنتظر تنظيمها في السابع من الشهر القادم. ووضعت آخر عمليات السبر مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبان، كأول مرشحة لخوض الدور القادم مع مرشح الوسط امانويل ماكرون، والمحافظ فرانسوا فيون، ومرشح أقصى اليسار جون لوك ميلونشون. ولم يفوت المرشحون الأربعة العمل الإرهابي دون استغلاله في آخر خطبهم الانتخابية، حيث دعا ميلونشون، أنصاره إلى عدم الوقوع في فخ الخوف بينما حث ماكرون، الفرنسيين على التأقلم مع مثل هذه الأحداث بقناعة أنها ستكون من يومياتهم خلال السنوات القادمة، في وقت أكد فيه فرانسوا فيون، أن محاربة الإرهاب يجب أن تكون إحدى أولويات الرئيس الفرنسي القادم، وأكدت مارين لوبان، أنها ستحارب الإرهاب بالصرامة التي يستدعيها الموقف، متهمة حكومة بلادها بالتخاذل وعدم أخذ التهديدات بالجدية التي يستدعيها الموقف.