يعكف الوزير الأول عبد المجيد تبون على التحضير لمخطط عمل حكومته لعرضه على مجلس الوزراء، ثم على البرلمان، مستفيدا من إجماع كافة الأطراف السياسية والشركاء المهنيين والاقتصاديين، الذين عبّروا في مجملهم، عن دعمهم له ولحكومته، في سابقة لم تتحقق لسابقيه في المنصب، ما اعتبره المحللون عاملا مشجعا، يهيّئ لكافة ظروف نجاح الحكومة الجديدة. السيد تبون «التنفيذي» الذي لم يتأخر في تحديد أولويات عمل حكومته، قد تتوفر له ظروف عمل لم تتوفر لسابقيه، بفضل الإجماع الذي تحقق حوله من قبل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين في البلاد، بما في ذلك أحزاب المعارضة السياسية، على غرار حزب العمال، الذي أكد على لسان أمينته العامة لويزة حنون، ارتياحه لتعيين «رجل دولة متفتح على الحوار والنقاش» على رأس جهاز تنفيذي «تقني، ومكلف خصيصا بتنفيذ برنامج محدد اقتضاه الوضع الصعب الذي تمر به البلاد»، وكذا الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، الذي عبّر عن طريق نائبه حسن عريبي، عن تقديره لخبرة وتجربة الوزير الأول عبد المجيد تبون، معتبرا إياه «رجلا صارما وخدوما، ومن المسؤولين الذين أثبتوا قدرة كبيرة في التحكم في القطاعات التي كُلفوا بها». كما أعلن رؤساء المؤسسات ورجال المال والأعمال، عن استعدادهم التام لدعم الوزير الأول وفريقه الحكومي، في مجال تجسيد مسعى الانتقال الاقتصادي، ومرافقة الدولة في سياستها الاقتصادية الرامية إلى بناء اقتصاد وطني متنوع وتنافسي، فيما لم تتوان بعض التنظيمات المهنية والنقابات المستقلة في مباركة تعيين وزراء جدد على رأس القطاعات التي تمثلها، مثلما هي الحال بالنسبة لقطاعي الصحة والتشغيل والعمل، حيث توقعت هذه النقابات تعيين وزيرين جديدين من شأنه إعادة بعث النقاش حول مشاريع القوانين الهامة المعطلة على مستوى القطاعين وفق أسس سليمة. ولا يقتصر الإجماع المحقق بين الفاعلين السياسيين والاقتصاديين وكذا الشركاء الاجتماعيين، على شخص الوزير الأول وكفاءته وقدرته على تسيير المرحلة الصعبة بما تحملها من ملفات استعجالية، بل يشمل أيضا وعيها الجماعي بأهمية التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، وحاجة هذه الأخيرة إلى توافق وانسجام بين كل فعالياتها من أجل ضمان أجواء السلم والاستقرار التي تساعد على رفع هذه التحديات وتجسيد البرامج التنموية الكبرى للوطن، لا سيما في ظل تنامي الاضطرابات والاحتجاجات في الفترة الأخيرة، كان آخرها المسيرة التي نظمها معطوبو الجيش باتجاه العاصمة، وقبلها تنظيم تكتل النقابات المستقلة لمسيرات حاشدة في بعض ولايات الوطن. انكباب الوزير الأول على تحضير مخطط عمل حكومته لعرضها أمام البرلمان، تمليه المادة 94 من الدستور، التي تنص على أنه «يقدم الوزير الأول مخطط عمل الحكومة للمجلس الشعبي الوطني للموافقة عليه. ويُجري المجلس الشّعبي الوطني لهذا الغرض مناقشة عامة. ويمكن الوزير الأول أن يكيف مخطط العمل هذا على ضوء هذه المناقشة بالتشاور مع رئيس الجمهورية. وتضيف نفس المادة: «يقدم الوزير الأول عرضا حول مخطط عمل الحكومة لمجلس الأمة، مثلما وافق عليه المجلس الشعبي الوطني. يمكن مجلس الأمة أن يصدر لائحة»، فيما تنص المادة 59 على أنه «يقدم الوزير الأول استقالة الحكومة لرئيس الجمهورية في حالة عدم موافقة المجلس الشّعبي الوطني على مخطط عمل الحكومة. يعين رئيس الجمهوريّة من جديد وزيرا أول حسب الكيفيات نفسها». وفي حال لم تحصل موافقة المجلس الشعبي الوطني على مخطط عمل الحكومة، ينحل المجلس «وجوبا»، مثلما تنص عليه المادة 96 من الدستور. الآجال القانونية تتيح للوزير الأول تقديم مخطط عمل حكومته أمام البرلمان في ظرف 45 يوما التي تلي تعيينه على رأس الحكومة، طبقا للمادة 46 من القانون العضوي المنظم لعمل المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة والعلاقة الوظيفية بينهما ومع الحكومة، والتي تشير إلى أنه «يعرض رئيس الحكومة برنامجه على المجلس الشعبي الوطني خلال خمسة وأربعين (45) يوما الموالية لتعيين الحكومة. ويفتح المجلس الشعبي الوطني لهذا الغرض مناقشة عامة»، فيما يعرض مخطط العمل الحكومي على الغرفة العليا للبرلمان خلال 10 أيام على الأكثر التي تعقب موافقة المجلس الشعبي الوطني عليه، حسب المادة 49 من نفس القانون. ويجزم المحللون على أن مخطط عمل حكومة تبون الذي لا يستبعد تقديمه قبل انتهاء الآجال القانونية المذكورة، سيكون محددا في محاوره ومضبوطا بمستويات التنفيذ وآجالها بالنظر إلى كون المهام الأساسية التي سيوليها أولوية في عمله، تخص تنفيذ المحاور المعطلة من برنامج رئيس الجمهورية، المقرون هو الآخر بفترة زمنية تنتهي في 2019. وما يدعم هذا الطرح هو أن الوزير الأول لم يتوان فور تسلمه منصبه، في الإعلان عن هذه الأولويات، التي تشمل إلى جانب مواصلة معركة التنويع الاقتصادي وتحرير الاقتصاد الوطني من التبعية للمحروقات، استكمال تنفيذ برامج السكن والصحة والتربية. وتأكيدا لصرامته وحزمه في تنفيذ هذه الأولويات، لم يتأخر تبون عن إعلان تخصيص 60 مليار دينار لدفع مستحقات المقاولين، وتحريك الورشات السكنية من جديد، وهو ما سيسمح بإنهاء عدد معتبر من المشاريع السكنية وتوزيعها عبر العديد من ولايات الوطن في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة. كما أكد تبون في سياق متصل، أنه رغم الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي مست البلاد على غرار باقي دول العالم، إلا أن الجزائر تملك الموارد المالية الكافية التي تمكّنها من تنفيذ برامجها التنموية التي تحتل الأولوية، ما اعتبره المتتبعون كلاما مسؤولا لوزير أول واثق في قدراته وفي الإمكانيات المتاحة أمامه لتأدية المهام على أكمل وجه. الخصوصيات التي يمتاز بها الوزير الأول الجديد والإجماع الذي يحظى به من قبل مختلف الشركاء، تُعتبر مؤشرا على أن مخطط عمل الحكومة لن يلقى اعتراضا من الأحزاب الممثلة في البرلمان، بما فيها أحزاب المعارضة السياسية، التي انتقدت بعض أطرافها رحيل الحكومة السابقة بدون تقديم حصيلة عملها، فيما يتوقع أن لا تعترض هذه الأطراف على مخطط عمل حكومة تبون، كونه يركز أساسا على تسريع وتيرة تنفيذ البرامج الاجتماعية التي تخدم المواطن بالدرجة الأولى.