في ظل التراجع الرهيب لمستوى كرة اليد الجزائرية، بعدما سيطرت لأعوام طويلة على الساحة الإفريقية وتألقت في المحافل الدولية، يسعى بعض قدامى لاعبي المنتخب الوطني إلى المساهمة في بعث هذه الرياضة الشعبية من جديد، من خلال انتهاج نفس السياسة التي أثمرت بتألقهم في الماضي، أي العودة ببساطة إلى العمل القاعدي. هو حال جمعية ‘'كاستور'' بحي مقري بوهران، التي رأت النور منذ ست سنوات فقط، ومع ذلك فقد أصبحت مثالا يحتذى به في ميدان التكوين، رغم مختلف العراقيل التي تواجهها. جاءت فكرة إنشاء هذه الجمعية من طرف نجوم قدامى نادي مولودية وهران والمنتخب الوطني لكرة اليد، بقيادة عبد الكريم بن جميل الذي انضم إليه زملاء سابقون، على غرار مصطفى دوبالة والأخوان حراث جمال وعز الدين وهود علي، تجندوا من أجل إعادة بريق الكرة الصغيرة في وهران أولا وفي عموم القطر الجزائري ثانيا. الواقع أن هؤلاء الدوليون الجزائريون السابقون كانوا يرغبون في نقل خبرتهم الطويلة في القاعات الوطنية والإفريقية والعالمية في النادي الذي صنع لهم اسما، أي مولودية وهران، لكنهم تفاجأوا بقلة الاعتبار التي منحها لهم مسؤولو هذا النادي، على حد قول بن جميل. وأضاف في هذا السياق: «صراحة، لقد شعرنا بتهميش كلي من طرف مختلف الرؤساء الذين تداولوا على رئاسة مولودية وهران، حيث كان همهم الوحيد؛ الاهتمام بفريق كرة القدم. ورغم كل المساعي التي قمنا بها، لمنحنا فرصة المساهمة في إعادة بعث هذه الرياضة على مستوى المولودية، فإننا غالبا ما كنا نصطدم بتجاهل المسيرين، مما دفعنا إلى تأسيس جمعية ‘'كاستور'' على مستوى حي المقري، خاصة أن هذا الحي معروف بأنه أحد معاقل كرة اليد بوهران». وليس غريبا أن يقع اختيار بن جميل وزملائه على هذا الحي بهدف وضع حجر الأساس لجمعيتهم، باعتبار أنهم تخرجوا من مدرسة كرة اليد لنفس الحي، وهاهم اليوم يسعون إلى تكرار التجربة مع شبان لا تنقصهم الموهبة، وإنما هم بحاجة فقط إلى من يؤطرهم. هذا الأمر فهمه جيدا المشرفون على جمعية ‘'كاستور'' الذين بدأوا المسيرة بأربعة فرق للمبتدئين والبراعم في صنفي الذكور والإناث، قبل أن يكونوا فريقين للأشبال والشبلات. ويتابع بن جميل بخصوص هذه التجربة: «في وقتنا، كانت مولودية وهران مكونة من لاعبين ينحدر معظمهم من حي كاستور، لذلك رأينا أن الوقت حان لتكرار نفس التجربة، لاسيما بعدما لاحظنا شغف شبان هذا الحي بلعبة كرة اليد». طموحات تكبر من موسم إلى آخر رغم العراقيل ولأن طموحات الجمعية بدأت تكبر مع مرور الأعوام، فإن القائمين عليها لم يتوانوا أيضا في إنشاء فريق جديد للكبريات، لاسيما في ظل النتائج الجيدة التي أحرزت عليها الفئات الشابة التي تمكنت من تزيين خزانة النادي بسرعة، بالتتويج بكأسين للجزائر وبطولة واحدة، تتويجات يقول بن جميل عنها بأن وهران «اشتاقت إليها». يعود الفضل في ذلك إلى فريق أقل من 16 سنة فتيات، والذي لفت تألقه المشرفون على المنتخب الوطني لهذه الفئة، بدليل أن ثلاثا من لاعباته استدعين إلى التشكيلة الجزائرية للمشاركة في النسخة السابقة للبطولة الإفريقية بكوت ديفوار التي جرت الصائفة الماضية. الأكيد أن هذه الاستدعاءات ستكون محفزا إضافيا لمسيري ومدربي هذه الجمعية الفتية، رغم العراقيل والصعوبات التي تعترضها في الميدان، وفي مقدمتها نقص الهياكل الرياضية. أشار بن جميل في هذا الصدد، إلى أن السلطات المحلية في وهران تمكنت من تشييد عدة قاعات رياضة بعاصمة الغرب الجزائري، إلا أن ذلك يظل غير كاف، على حد قوله، مستدلا بالعدد الضئيل من الحصص التدريبية التي تستفيد منها الجمعية الرياضية لكاستور بتلك القاعات، على غرار القاعة الجديدة بشارع ‘'العقيد لطفي». وأمام هذه الوضعية، تلجأ الفرق الثمان للجمعية إلى القاعة غير المغطاة ببلدية المقري، والتي أصبحت قبلة أيضا لشبان الحي الذين يستعملونها لإجراء مبارياتهم في كرة القدم، بتواطؤ من مسؤولي هذه القاعة الموجهة في الأصل إلى لاعبي كرة اليد، مثلما أوضحه النجم السابق للكرة الصغيرة الجزائرية الذي تأسف كثيرا عن هذا الواقع الذي تحول حسبه إلى خطر يداهم شبانه، لاسيما فرق الفتيات التي لا تسلم من المضايقات. وأردف بن جميل أنه رغم إبداء إدارته استعدادها الكامل لإعادة تهيئة هذه الأرضية، مع تغطيتها من مالها الخاص، إلا أن المسؤولين في البلدية رفضوا رفضا قاطعا طلبهم، مفضلين إبقاء الأوضاع على حالها، مما يهدد كثيرا مستقبل هذه الجمعية الفتية. ورغم الظروف الصعبة التي يواصل فيها المشرفون على الجمعية رسالة التكوين التي يؤمنون بها، إلا أن وقوف بعض الإرادات الطيبة بجانبهم يحفزهم على عدم رمي المنشفة، على حد تعبير بن جميل دائما، والذي اغتنم الفرصة كي يشيد بالدعم الذي يجده من طرف مديرية الشباب والرياضة، إلى جانب مستثمر في مجال العقار يتكفل باحتياجات الجمعية منذ أربع سنوات. الأكيد أن مثل هذه الجمعيات تستحق التشجيع، حيث لا مناص، في رأي المختصين، من العودة إلى التكوين في جميع أنحاء التراب الوطني، أملا في استرجاع المجد الضائع لكرة اليد الجزائرية.