أكد وزير المالية عبد الرحمان راوية أن مشروع قانون المالية 2018 يندرج ضمن سياسة الدولة لدعم النمو والحفاظ على التوازنات المالية الكبرى للبلاد، مشيرا إلى أن إعداده تم في سياق خاص يتميز داخليا باستمرار الضغوطات المالية وخارجيا بعدم الاستقرار في أسعار النفط. واعتبر أن الإجراءات التي تضمنها ستسمح بتشجيع الاستثمار ومواصلة المشاريع التنموية، كما يحافظ القانون على القدرة الشرائية للمواطن بفضل احتفاظه بنفس مستوى التحويلات الاجتماعية. وعرض وزير المالية أمس، مشروع قانون المالية للسنة المقبلة على نواب المجلس الشعبي الوطني في جلسة علنية ترأسها رئيس المجلس السعيد بوحجة الذي دعا في كلمة افتتاحية، إلى تغليب "إيديولوجية خدمة مصلحة الوطن والمواطن، وترقية التوافقات حول المسائل الاقتصادية والاجتماعية من حيث هي المجال الأنسب للإجماع الوطني". وإذ ثمن ما تضمنه مشروع قانون المالية 2018، فإنه أشار إلى أن الإجراءات التي جاء بها "تتجاوب مع انتظارات المواطنين"، من حيث أنها تقر عدم المساس بالأجور ورفع التجميد عن المشاريع المتوقفة وعدم اللجوء إلى الاستدانة الخارجية. وقدم ممثل الحكومة عرضا ملخصا لأهم التدابير التي تضمنها القانون وكذا الوضعية المالية الراهنة والتوقعات المتعلقة بالفترة ما بين 2018 و2020. ففي شقه المتعلق بالميزانية، يتضمن النص نفقات إجمالية ب 8.628 مليار دج، بارتفاع نسبته 21.3 بالمائة مقارنة بتوقعات الأقفال لسنة 2017، وهو ناتج عن ارتفاع نفقات التجهيز بنسبة 60 بالمائة واستقرار نفقات التسيير عند مستوى -0.2 بالمائة. وتقدر إيرادات الميزانية ب6714.3 مليار دج بارتفاع ب10.4 بالمائة مقارنة ب2017. وترتفع الإيرادات خارج الجباية البترولية بنسبة 9.8 بالمائة لتبلغ 3033 مليار دج، كما ترتفع الجباية النفطية المحصلة والمدرجة في الميزانية إلى 2776.2 مليار دج. ويسجل صندوق ضبط الإيرادات نفاذا في نهاية سنتي 2017 و2018 نتيجة انعدام فائض القيمة الجبائية البترولية، في حين سيتم اقتطاع فائض القيمة كليا في 2019 لتمويل عجز الميزانية، ويتوقع أن يسجل الصندوق رصيدا إيجابيا يقارب 276.4 مليار دج نهاية 2020. للإشارة، أعد مشروع القانون تقديرا للنفقات والعائدات إلى غاية سنة 2020. وهو بالتالي يعوّل خلال سنة 2019 على مبلغ 98ر4.788 مليار دج لتغطية نفقات التسيير و8ر3.072 مليار دج لتغطية نفقات التجهيز. وبالنسبة لسنة 2020، فقدرت نفقات التسيير ب 61ر4.798 مليار دج مقابل 05ر3.070 مليار دج بالنسبة لنفقات التجهيز. وتم توقع زيادة في العائدات الإجمالية ب 1ر6.570 مليار دج سنة 2019 منها 9ر2.883 مليار دج من العائدات الجبائية النفطية. وفي 2020، يتوقع أن تواصل العائدات الإجمالية اتجاهها التصاعدي لتبلغ 1ر7.008 مليار دج منها 11ر2.977 مليار دج من الجباية النفطية. وللتحويلات الاجتماعية، تم تخصيص غلاف مالي ب 1.760 مليار دج بزيادة 7.9 بالمائة مقارنة بسنة 2017. وتضمن مشروع القانون عدة رسوم وأدرج ضرائب جديدة، منها ضريبة على الثروة يخضع لها الأشخاص المالكون لثروة تتجاوز قيمتها 50 مليون دج. وسيتم رفع الرسم على المنتجات البترولية المطبقة على الوقود ب 5 دج/لتر للبنزين و2 دج/لتر بالنسبة للمازوت، فيما حدد رسم إضافي على منتجات التبغ ب 21 دج للعلبة أو الكيس أو الخرطوشة. وتخصص 10 دنانير منها لميزانية الدولية و6 دج لصالح صندوق الإستعجالات ونشاطات العلاج الطبي وديناران لصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وديناران لصندوق مكافحة السرطان ودينار واحد لصالح صندوق التضامن الوطني. وتم استحداث رسم على التوطين البنكي لعمليات الاستيراد بنسبة 1 % من قيمة الاستيراد، يطبق على أي طلب توطين عملية استيراد سلع من دون أن تكون القيمة أقل من 100.000 دج. وفي إطار الحفاظ على البيئة، سيتم رفع الرسوم على النشاطات الملوثة والمياه الصناعية المستعملة والزيوت المستعملة والأكياس البلاستيكية. من جهة أخرى، أقرت عقوبة من طرف أي مستفيد من عقار صناعي عن طريق التنازل من قبل هيئات عمومية أو من قبل أملاك الدولة، في حالة بقاء هذا العقار غير مستغل لمدة تفوق ثلاث سنوات، وقدرها 5% من القيمة التجارية للعقار. وتضمن كذلك غرامة في حق شركات إنتاج وتركيب السيارات الثقيلة منها والخفيفة التي تسجل تأخرا في احترام التزاماتها المتعلقة بالنوعية والكمية ونسبة الادماج الوطنية. وسيتم رفع الحقوق الجمركية المطبقة على استيراد المصابيح المزودة بصمام ثنائي إلى 30% بدل 5% حاليا. بالمقابل، تضمن النص تدابير تحفيزية من بينها الإعفاء من الرسم على القيمة المضافة لعمليات بيع الشعير والذرة والمواد الموجهة لتغذية الأنعام. كما سترخص الخزينة بالتكفل بالفوائد الموجهة للسكن العمومي خلال فترة التأجيل وتخفيض معدل الفائدة على القروض الممنوحة من طرف البنوك العمومية في إطار إنجاز الشطر الرابع من 120.000 مسكن بصيغة البيع بالإيجار (عدل). لجنة المالية والميزانية: لابد من الصرامة في صرف المال العام وثمّنت لجنة المالية والميزانية ما تضمنه مشروع القانون ولاسيما لجوء الحكومة إلى تأطير الميزانية على المدى المتوسط، كما اعتبرت أنه من الهام اعتماد سياسة ضبط للميزانية عبر مواصلة تسقيف النفقات السنوية، داعية إلى مواصلة الجهود لتحديث وتنويع الاقتصاد الوطني. كما طالبت في تقريرها التمهيدي إلى اعتماد الصرامة في صرف المال العام والشروع في إصلاحات هيكلية اقتصادية، لاسيما من خلال بعث الاستثمار في القطاعات المنتجة، مع ضمان "مستوى معقول" للدعم الاجتماعي والحرص على جعل التقديرات الميزانياتية في مستوى الاحتياجات الحقيقية للقطاعات الوزارية، إضافة إلى تفعيل آليات متابعة تنفيذ المشاريع المسجلة بشأن ميزانية التجهيز وإعادة النظر في المشاريع المجمدة، فضلا عن تفادي عمليات تقييم برامج الانجاز. وأدرجت اللجنة 10 تعديلات شكلية على مواد القانون وأدرجت 3 مواد جديدة، تتعلق الأولى بتحيين ومراجعة الرسوم على تسليم عقود التعمير، بما يكفل إيجاد موارد مالية إضافية للخزينة العمومية، وتتعلق الثانية بتحيين ورفع مبالغ الرسوم المتعلقة بالإعلانات والصفائح المهنية. أما الثالثة فتخص التنازل عن السكنات التي تستفيد من دعم الدولة. نواب يصفونه بالحل الأفضل وآخرون يعتبرونه مجرد ترقيع عكست جلسات مناقشة مشروع قانون المالية 2018 الاختلاف في الرؤى بين التشكيلات السياسية داخل أروقة البرلمان، ففي الوقت الذي طالب فيه نواب بالتجند من أجل إنجاح "برنامج رئيس الجمهورية"، داعين إلى الابتعاد عن استغلال الأزمة الراهنة ووضع مصلحة البلد فوق كل اعتبار، فإن نوابا آخرين اعتبروا أن القانون ما هو إلا استمرارية لسياسة "التقشف"، وأنه لايتضمن إجراءات حقيقية تسمح بإنعاش الاقتصاد وأنه يحمّل المواطن تبعات الأزمة ولايتضمن إلا حلولا "ترقيعية". فعن حزب جبهة التحرير الوطني، أكد النائب عبد الحميد سي عفيف الذي كان أول متدخل من ضمن 223 تدخلا تم تسجيلهم، على ضرورة التجند لإنجاح "خيارات رئيس الجمهورية" ووضع الأطر الكفيلة بضمان تنفيذها، لاسيما من خلال إصلاحات هيكلية تتكيف مع التغيرات الحاصلة. وإذ رحب بقرار الرئيس رفع التجميد عن المشاريع التنموية، متمنيا إنجازها في آجالها، فإنه ألح على ضرورة منح الصفقات حسب الاستحقاق والكفاءات مع منح الأولوية للمشاريع التي تمس حياة المواطن مباشرة. كما طالب بفتح نقاش حول الاتجاه المجدي للإعانات الاجتماعية وذلك في إطار برنامج إصلاح اقتصادي، مؤكدا تضامنه مع الحكومة ووقوفه معها في تجسيد برنامج الرئيس. في السياق ذاته، جاء تدخل النائب خالد رحماني من نفس الحزب، والذي اعتبر أن الحل الحقيقي هو تجسيد إصلاحات اقتصادية تكون أساسا لبناء اقتصاد منتج، مؤكدا على ضرورة رفع التجميد عن مشاريع أخرى. أما النائب نعيمة جيلالي عيسى عن الأفلان - فدعت إلى "ثورة" ضد البيروقراطية والفساد. وبدوره ثمّن النائب محمد قيجي عن التجمع الوطني الديمقراطي مضمون مشروع قانون المالية، مشيرا إلى أنه الأول من نوعه الذي اعتمد طريقة التمويل غير التقليدي الذي "اضطرت الحكومة للجوء إليه"، وذلك رغم الجدل الذي دار حوله، لدرجة اتخاذه ك«حصان طروادة" من طرف المعارضة. وإذ أكد أنه يشد على يد الحكومة لمواصلة الإصلاحات، فإن نائب الأرندي عبّر عن أمله في أن توحّد الأزمة الطبقة السياسية وأن يتم "وضع مصلحة البلد فوق كل اعتبار". وقال في السياق "لانشكك في وطنية المعارضة ولا أخلاقها ولكن نرفض استغلالها لهذا الوضع لتكريس خطابات اليأس والبؤس". وأضاف أنه يجب على الذين ينتقدون تقديم البدائل والحلول وليس الاكتفاء ب«التنظير". وأبرز أهمية المحافظة على الاستقلالية المالية كأولوية للمرحلة الراهنة. بالمقابل، انتقد بشدة ما وصفه ب«المجازر" التي ارتكبها بعض الولاة في توزيع العقار الصناعي، مطالبا بضرورة إشراك المنتخبين المحليين في منح هذه العقارات والحد من الاستفادة المتعددة للمتعاملين وإعادة النظر في عملية توزيع هذه الأراضي برمتها. على النقيض، جاء تدخل النائب عن حزب العمال، نادية شويتم متضمنا انتقادات واسعة لمشروع القانون، حيث أشارت إلى أنه يأتي كاستمرارية لسياسة التقشف "التي تتحجج الحكومة بانخفاض أسعار النفط لتطبيقها"، في وقت لايتم تحصيل 120 مليار دولار من الضرائب، و«منح هدايا تقدر ب8000 مليار دج" لمن وصفتهم ب« الأقلية المفترسة" على حساب القطاع الاقتصادي. واعتبرت أن التدابير المتخذة ساهمت في انخفاض القدرة الشرائية للمواطن بنسبة 60 بالمائة، ناهيك عن الارتفاع في الضريبة على الدخل مقابل انخفاض في الضريبة على أرباح الشركات ب 23 بالمائة. وهو ما دفعها للقول أن الحكومة تأخذ الأموال من جيوب المواطنين لتعطيها للأوليغارشيا. وتضمن تدخل النائب بن يوسف زواني عن تجمع أمل الجزائر "تاج" هو الآخر انتقادات للقانون رغم تثمينه لمضمونه. حيث أكد أن ما يعاب عليه هو أنه أهمل جوانب عديدة، منها وجود هيئات ومجالس "لاتغني ولاتسمن من جوع"، ولم يتردد في الاشارة إلى أن عدد نواب المجلس الوطني الشعبي ارتفع ب84 نائبا وهو عدد "يمكن أن نشكل به برلمانا ثانيا" كما قال، داعيا إلى دمج بعض الوزارات وتقليص أيام العطل وتحسين الحوكمة في البنوك التي قال إن طريقة عملها التقليدية تتسبب في إفلات 40 مليار دولار منها نحو السوق الموازية، فضلا عن 10 ملايير أورو من تحويلات الجالية الجزائرية في المهجر التي تتم خارج الإطار الرسمي. وعن الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، قالت النائب بلدية خمري إن المواطن البسيط ثقل كاهله وكأنه هو المسؤول، منتقدة ما وصفته ب«تكميم أفواه النواب" بعد قرار عدم بث جلسات النقاش في التلفزيون. واعتبرت أن ما تضمنه القانون من إجراءات ماهي إلا "حلول سهلة وترقيعية وغير ذكية وغير واقعية ومرحلية". من جهة أخرى، قالت إن الضريبة على الثروة "لامعنى لها" لأن "الأثرياء ملتزمون بدفع الزكاة"، كما قالت مشيرة إلى أن الفرصة مواتية لتقنين دفع الزكاة. وأشار نواب عن حركة مجتمع السلم إلى غياب أي أداء خارج قطاع المحروقات وعدم وضوح الاستشرافات وكذا عدم القدرة على التحكم في الواردات وتوالي تقييم المشاريع الذي يعد تبذيرا للمال العام، فضلا عن مطالبتهم بإعادة النظر في السياسة الجبائية وإدماج الزكاة ضمن منظومة الضرائب.