يحل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم، بالجزائر في زيارة صداقة وعمل بدعوة من رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، ينتظر أن تضفي بعدا نوعيا على علاقات التعاون المتميزة والشراكة الاستثنائية التي أسس لها البلدان. جاء في بيان لرئاسة الجمهورية أمس، أن هذه الزيارة تندرج في إطار الشراكة الاستثنائية التي ما فتئت الجزائروفرنسا تعملان على بنائها وتعزيزها، مضيفا بأن زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الذي سبق أن زار الجزائر بصفته مرشحا للرئاسيات الفرنسية الأخيرة التي جرت في ماي المنصرم، ستكون سانحة للبلدين ولاسيما عبر المباحثات التي ستجرى بين رئيسي الدولتين، لإيجاد السبل الجديدة لتعزيز التعاون والشراكة بين الجزائروفرنسا والتشاور حول المسائل الإقليمية والدولية محل اهتمامهما المشترك. وتأتي زيارة ماكرون إلى الجزائر بعد أيام من انعقاد الدورة الرابعة للجنة المختلطة الجزائرية الفرنسية، التي أفضت إلى التوقيع على اتفاقات شراكة وتعاون اقتصادية في قطاعات صناعة السيارات والزراعة الغذائية والكهرباء، فضلا عن تشخيص مكامن الخلل التي مازالت تكبح مشاريع الشراكة وكان التحضير لزيارة ماكرون، من بين النقاط المدرجة في جدول أعمال المحادثات الثنائية التي أجراها الجانبان الجزائري والفرنسي على هامش أشغال اللجنة الاقتصادية ودورة الحوار الاستراتيجي التي جاء عقدها بطلب من الطرف الفرنسي. وينتظر أن تضفي زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر اليوم، مزيدا من النوعية على علاقات التعاون الثنائي، كونها جاءت بعد الحدثين الهامين سالفي الذكر، وأيضا عشية انعقاد اللجنة المشتركة الجزائرية الفرنسية المقررة غدا الخميس بباريس بإشراف الوزيرين الأولين للبلدين. وانطلاقا من كثافة الأجندة التي تؤطر لمختلف مجالات التعاون بين الجزائروفرنسا، يتجلى المنحى الإيجابي الذي يشهده التعاون الثنائي في ظل توفر الإرادة السياسية التي عبر عنها الجانبان من أجل الارتقاء بمستويات التعاون وإضفاء الطابع الامتيازي على نوعية الشراكة وفق منطلق جديد. ولعل التصريحات الأخيرة للمسؤولين الفرنسيين على غرار وزيري الاقتصاد والمالية والشؤون الخارجية أبلغ دليل على رغبة البلدين في إعطاء دفع أكبر للعلاقات الثنائية بين البلدين اللذين يجمعهما تاريخ مشترك، وضرورة تدارك الفرص الضائعة، التي تسببت فيها خلافات هامشية كثيرا ما أثيرت في ظروف غير مواتية وأثرت على تقدم ملفات التعاون. الجزائر التي تتمسك بإقامة شراكة إستراتيجية قوية مع باريس وفق مبدأ (رابح رابح)، أكدت في العديد من المرات على ضرورة تشخيص العراقيل التي تحول دون الدفع بالمشاريع الحيوية التي تعود بالنفع على مصلحة البلدين، مبديا في كل مرة تفتحا في تسيير ملفات التعاون الاقتصادي التي تجمعها بفرنسا والذي مكن إلى اليوم من بعث العديد من المشاريع الاستثمارية الهامة التي أنجزت بالشراكة مع الطرفين، ولعل مشاريع الصناعة الميكانيكية التي تضم إلى جانب بعث مصنع "رونو" لتركيب السيارات بوهران، ومصنع "ألستوم" لتركيب عربات الترامواي بعنابة، إلى جانب التوقيع مؤخرا على عقد مشروع مصنع "بيجو" بالجزائر. وعلاوة على الجانب الاقتصادي الذي يحظى بنصيب كبير في علاقات التعاون الثنائي، تشكل المسائل الأمنية لاسيما مكافحة الإرهاب والتطرف محور اهتمامات البلدين، حيث تعتبر فرنساالجزائر شريكا فعّالا في مكافحة الإرهاب وعنصرا أساسيا في دعم الاستقرار والسلم بمنطقة الساحل وإفريقيا عامة. ولاشك أن ملف الذاكرة الذي لازم كل زيارات الرؤساء الفرنسيين السابقين على الجزائر، سيعود اليوم مع زيارة ماكرون، التي تنتظر منها الجزائر الكثير ، وفقا لتصريح وزير المجاهدين الطيب زيتوني الذي ذكر بتصريحات الرئيس الفرنسي عندما كان مرشحا للرئاسيات، مشيرا إلى أن الجزائر لن تقبل المساومة بملفات الذاكرة أو طيها. وأعلن زيتوني بالمناسبة وجود رغبة من الجانب الفرنسي بشأن استئناف عمل اللجان المشتركة التي تم تنصيبها بين البلدين لدراسة ملفات التاريخ والذاكرة، دون الرجوع إلى نقطة الصفر، واعتبر حديث ماكرون "المترشح" في الجزائر عن الجرائم ضد الإنسانية، خلال تصريحاته عن الاستعمار "أثقل ما قيل من طرف رئيس فرنسي حول هذه الجرائم، مشددا على أن الجزائر لن تبني علاقاتها المستقبلية مع فرنسا على أساس التصريحات، بل من خلال الملموس. ورغم تأكيده على أن البلدين قاما بخطوات لا بأس بها في عدة مجالات، أشار الوزير إلى أن الأساس في العلاقات يبقى ملف الذاكرة، الذي يشمل الأرشيف وملف المفقودين الجزائريين إبان الثورة التحريرية وعددهم 2200 مفقود، بالإضافة إلى استرجاع جماجم قادة المقاومة من فرنسا والتعويضات عن التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، معترفا بأن هذه الملفات "معقدة وحساسة وتتطلب الصبر". ووصف الوزير مطلب اعتذار فرنسا عن جرائمها الاستعمارية، بكونه مطلبا شرعيا توافقه القوانين الوطنية والدولية، موضحا بأن الجزائريين ليسوا ضد الفرنسيين، وإنما ضد الاستعمار الفرنسي". للتذكير، فقد صرح ماكرون في شهر فيفري الماضي بالجزائر أن "الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات، واصفا ذلك بالجريمة ضد الإنسانية"، ما أثار جدلا حادا في فرنسا واستياء واسعا لا سيما في صفوف اليمين واليمين المتطرف.