ها هي طبول القارة السمراء تُقرع بكل قوة، منبئة بحلول 62 لوحة تحكي عن إفريقيا وتكشف خباياها، بعد أن استمر مخاضها عامين ونصف عام، فكانت ولادتها متعسرة لكنها مثلت خلاص صانعها الفنان دكمان لمين عمور دريس، الذي يعرض تحفه هذه في رواق محمد راسم إلى غاية الرابع من جانفي المقبل. دخل الفنان دكمان لمين أدغال إفريقيا واحتك برجالها الأشداء وبنسائها المفعمات بالأنوثة، فمكث فيها عامين ونصف عام ولم يغادرها إلا وفي جعبته الكثير من ثقافتها التي وضعها في أنامله، وانطلق في رحلة جديدة نتجت عنها 62 لوحة تنضح بما يتعلق بالقارة السمراء. لمين عبرّ ل «المساء» عن انبهاره بكل ما اكتشفه عن هذه القارة التي ننتمي إليها رغم جهلنا الكثير عنها، مؤكدا أن للقارة الشابة مستقبلا زاهرا إذا اجتمع ساستها ومثقفوها لخدمتها، خاصة أنها قارة عذراء لم تُستغل مواهبها بعد. ودعا لمين «المساء» إلى جولة عبر أرجاء رواق محمد راسم، للتعرف على أعماله الجديدة، والبداية بلوحة «الحكيم»، التي وضع فيها الفنان منحوتة تبرز رجلا جالسا وكله وقار، كرمز لشيخ القبيلة. لوحة أخرى ألصق فيها كمّا هائلا من قواقع جلبها من الصحراء الجزائرية لكي يمنح ملمسا أكبر للوحته. ولوحة ثالثة عن «التحضير للصيد»، وهي الهواية التي يمارسها الأفارقة. أما لوحة» حولي 2» فرسم فيها شجرة باوباب المعروفة بكبر حجمها وعمرها المديد. «لحية جدي» عن نبتة في بوسعادة، يعرف عنها مقاومتها الشديدة للزوابع الرملية. كما رسم لمين ثلاث لوحات متتابعة حول الزوبعة في الليل، في حين رسم لوحة عن «بابا سالم»، ليؤكد تقاطع الجزائر ودول إفريقيا في العديد من الثقافات والتقاليد. وأكد لمين ثراء إفريقيا التي ننتمي إليها، مضيفا أنها مصدر إلهام العديد من الفنانين التشكيليين الذين نهلوا منها وفي مقدمتهم بيكاسو، من خلال منحوتاتهم التي تعود إلى قرون غابرة والتي تميزت بمستوى المنحوتات الإغريقية، ورقصاتهم وأغانيهم وتوابلهم التي تتقاسمها معهم الصحراء الجزائرية، ليطالب وزارة الثقافة بالتفتح أكثر على الدول الإفريقية. ولم يشأ لمين أن يستعمل اللون الأسود لرسم الأفارقة، كما رسم المرأة الإفريقية بكل أنوثتها، ولم يستثن في أعماله الرموز الأمازيغية التي توجد في فخّارهم وملابسهم وحتى في أجسادهم، فكان مزجا فنيا بين ثقافة بلدان مثل الكونغو الديمقراطية وإفريقيا الجنوبية والجزائر. وندد الفنان بالعنصرية التي يعاني منها الإفريقيون، ممثلا بقضية العبيد التي اكتُشفت مؤخرا في ليبيا، ومضيفا أن الحكام الأفارقة لا يحترمون مواطنيهم، ليطالب مرة ثانية ببناء جسور تواصل بين الدول الإفريقية، والعمل يدا بيد لتطوير هذه القارة والتعريف بثقافتها. وتأسف لمين لعدم قدرته على السفر إلى دول إفريقيا بسبب غلاء التذكرة، ليدعو السلطات المختصة إلى إرسال الفنانين إلى هذه الدول التي تضم سفارات جزائرية، خاصة أن الفن التشكيلي عمل منذ زمن على إبراز الثقافة الإفريقية والنهل منها، ليضيف أن الدولة الجزائرية ساعدت دولا إفريقية بشكل كبير، فاهتمت بتكوين أبنائها في مدارسها علاوة على منحهم مزايا كثيرة. واعتمد الفنان لمين على تقنيات مختلفة في معرضه هذا، كما اهتم برسم الأشكال الهندسية المتنوعة، إضافة إلى استعمال ألوان كثيرة. وفي هذا السياق قال ل «المساء» إنه يهتم بالتنوع سواء في استعمال التقنيات أو الألوان إضافة إلى حبه للخروج عن المألوف، باستعمال مواد جديدة في لوحاته، مثل الأصداف البحرية والأقمشة وغيرها، في حين لم يشأ تغيير أسلوبه الفني المتمثل في المدرسة شبه التجريدية. وجلب لمين لوحات من معرض سابق، إلى فضاء محمد راسم، يدور موضوعها حول الأقنعة الإفريقية لتلاؤمها مع موضوع هذا المعرض. كما قدّم لوحة كانت تنتمي إلى مجموعة قديمة رسمها في بداية الألفية حول «الشرخ» قال إنها تعبّر عن العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، في حين تعبّر الآن عن الحال السيئة للكثير من الإفريقيين. بالمقابل، لم يشأ دكمان أن يحتفل بإفريقيا لوحده، فدعا صديقيه طاهر هدهود وحكيم بوشاقور لمشاركته هذا الاحتفال؛ من خلال عرضهم منحوتاتهم. وفي هذا السياق قال بوشاقور حكيم ل «المساء»، إنه يعرض أربع منحوتات صنعها خصيصا لهذا المعرض. وأضاف حكيم أنه صنع ثلاث منحوتات في شكل ورقة لكل منها لون خاص، واختار لها موضوع إفريقيا؛ حيث وضع فيها أوشاما ورموزا إفريقية أخرى، كما أنه حطم القالب فور الانتهاء من العمل به حتى لا يفكر في صنع المزيد من المنحوتات بهذا الشكل، وبالتالي تظل أعماله فريدة من نوعها. الفنان صنع منحوتة في شكل بطة عنونها ب «النعومة»، قال عنها إنها تعبّر عن النعومة التي تملأ قلوب الأفارقة رغم مظهرهم الشديد، مضيفا أنه كان يود المشاركة بمنحوتات كبيرة تصل إلى ثلاثة أمتار، لكنه تعذّر عليه ذلك بحكم صعوبة نقلها من برج بوعريريج إلى العاصمة وضيق الرواق الحاضن لهذا المعرض. كما ذكر الفنان حبه التنقل بين الفنين التجريدي والواقعي، ممثلا بمذكرة تخرجه من مدرسة الفنون الجميلة، حيث أراد تعميم الفن التجريدي بين النخبة والعامة، مشيرا إلى أنه قدّم عشرة أعمال من المدرسة الواقعية على شكل لوحات مقسمة إلى مربعات يمكن للجمهور أن يغير من مكانها، وبالتالي تتحول اللوحة إلى الأسلوب التجريدي؛ على شكل لعبة «البازل». أما الفنان طاهر هدهود الذي تعذّر عليه حضور المعرض بسبب معرضه المقام بقطر، فقد شارك بأربعة منحوتات، من بينها منحوتة «الرقص الجزائري» و«الرقص الإفريقي» و«أمازيغ». ❊لطيفة داريب