بين الجزائر والاتحاد الأوروبي "إرادة قوية لتعميق الشراكة" في عدة مجالات، ذلك ما شدّد عليه التقرير الأخير الصادر عن إدارة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي يستعرض تطوّر العلاقات الأوروبية الجزائرية في إطار "سياسة الجوار المعدلة"، وجاء هذا التقرير في سياق وضعية خاصة تعيشها العلاقات بين الطرفين على خلفية النزاع التجاري الذي جرّته الإجراءات التي اتّخذتها الجزائر لحماية المنتوج الوطني، وأشار التقرير إلى الحوار المتواصل بهذا الشأن، مؤكّدا الاستمرار في دعم الإصلاحات الاقتصادية ولاسيما تلك التي تتيح التنويع الاقتصادي. يتحدث التقرير الواقع في 16 صفحة عن مختلف أوجه التعاون القائم بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، وذلك قبل أيام من موعد انعقاد المجلس الحادي عشر للشراكة بين الطرفين المقرّر في 14 ماي الجاري. ومن ضمن ما تضمنته الوثيقة هو أنّ الطرفين عمدا إلى تكثيف الحوار على عدة مستويات خلال العام المنصرم، لاسيما في مجالات الأمن ومحاربة الإرهاب والطاقة، مع ملاحظة أنّ التقدّم الأهم قد تمّ في مجالات العدل، الزراعة، الصيد، البحوث والحماية المدنية. وبشأن سلسلة الإجراءات التي اتّخذتها الجزائر والرامية إلى تخفيض وارداتها بسبب الصعوبات المالية، أكّدت المفوضية الأوروبية أن الإجراءات كانت محل مراسلات بين مفوضية التجارة والممثلة السامية للمفوضية الأوروبية بالجزائر ونظرائهم الجزائريين، وكثف الاتحاد الأوروبي حواره مع الجزائر "مع تحليل أثر هذه الإجراءات على التجارة الثنائية ومناخ الأعمال في الجزائر، والبحث عن حلول تتوافق مع بنود اتفاق الشراكة". واعتبرت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، أن الشراكة الأوروبية الجزائرية "تتقدم وتتقوى"، مشيرة إلى أن مسألة الإصلاح الإداري والسياسي "مازالت في قلب أولويات عملنا واهتمامنا". وصرحت السيدة موغيريني، في بيان للجنة الأوروبية نشر في التقرير أنه "منذ انعقاد مجلس الشراكة في مارس 2017 ، تكثفت علاقاتنا فيما يتعلق بالمسائل الثنائية والجهوية"، مضيفة "نحن كذلك بصدد بناء علاقة ثقة فيما يتعلق بالأمن لضمان الاستقرار الجهوي ومكافحة الإرهاب". وحسب التقرير فإنّ اهتمام الاتحاد الأوروبي يتوجّه بشكل خاص لمجالات العدالة والديمقراطية التشاركية والاستثمار والتطوير الإقليمي والنقل، لكنه بالمقابل عبّر عن استعداده للاستمرار في دعم الإصلاحات الجزائرية الهادفة إلى تنويع وتوسيع أطر الاقتصاد وتحسين مناخ الاستثمار والأعمال في البلاد. حيث تأمل بروكسل أن تؤدي الإصلاحات الاقتصادية إلى فتح أبواب السوق الجزائرية أمام المستثمر الأوروبي، ما سيساعد في خلق مزيد من فرص العمل في البلاد. ولاحظ التقرير استمرار وجود الكثير من التحديات التي تستدعي المزيد من التعاون، خاصة في مجال الهجرة، حيث لفت إلى أن عدد المهاجرين غير الشرعيين القادمين إلى أوروبا عبر الجزائر قد تزايد خلال عام 2017 بنسبة 85 بالمائة عن العام الذي سبقه،"الأمر الذي يثير مزيداً من القلق في الأروقة الأوروبية". يشكل الحوار سمة رئيسية في العلاقة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، وهو ما أكد عليه التقرير الذي جاء فيه أن "إصرار الطرفين على تعزيز الحوار السياسي بكافة أشكاله وتوسيع مجالات تعاونهم تترجم إرادتهم المشتركة في إقامة شراكة متعددة الأشكال تكون في مستوى أهميتهم في المنطقة الأورومتوسطية. وتجلت هذه الإرادة في حوار منتظم بينهما على مدار سنة 2017، في إطار رسمي وغير رسمي"، مضيفا أن الحوار تعزز عن طريق العديد من الزيارات رفيعة المستوى وتعمق خصوصا في مجالات "الأمن ومكافحة الإرهاب والطاقة". ويبقى الأمن حسب المصدر نفسه من أهم محاور التعاون الجزائري الأوروبي، حيث يعترف التقرير أنه "عرف توسعا" وأن هذا التوجه "يجب أن يتعزّز في سنة 2018 بتنفيذ جملة من النشاطات الملموسة في التعاون". حيث أكدت المفوضية الأوروبية أن الجزائر تظل "فاعلا أساسيا" في مجال الأمن على المستويين الإقليمي والدولي، وأشادت بمساهمتها في ضمان استقرار جوارها المباشر ودورها "المعتبر" كوسيط في الأزمتين المالية والليبية. وقالت أن الجهود المتواصلة لعصرنة التجهيزات والعدد الهام من عناصر قوات الأمن الذي تتوفر عليه الجزائر، سمح لها بالتصدي بشكل فعال للتهديدات الإرهابية. إقليميا أشار الاتحاد الأوروبي إلى أن "الحكومة تتابع عن كثب تطور هذه الأزمات بهدف تسهيل التوصل إلى تسوية تساهم في ضمان استقرار جوارها المباشر لاسيما في الساحل". ففي ليبيا استمرت الجزائر بالاضطلاع "بدور وساطة هام" من خلال تنظيم العديد من اللقاءات رافضة بشدة أي تدخل أجنبي، وفي مالي واصلت الجزائر جهودها من أجل تشجيع تنفيذ اتفاق الجزائر لاسيما من خلال تكوين القوات الخاصة بالنيجر ومالي. وجدد الاتحاد الأوروبي في السياق التزامه بمسار ضمان الاستقرار الإقليمي ودعمه للجزائر في جهودها مذكّرا ب "أهمية وحدة الشركاء الدوليين". وأشاد تقرير الاتحاد الأوروبي بتجربة الجزائر في مجال الوقاية من الراديكالية ومكافحة التطرّف العنيف، مؤكدا أن تقاسم التجارب مع الجزائر نابع من "إرادة مشتركة" بالنظر إلى التحديات الحالية للبلدان الأوروبية في مجال التطرف والإرهاب. وعلى الصعيد الاقتصادي، أكدت المفوضية الأوروبية أن معدلات النمو بالجزائر بقيت "مرتفعة نسبيا" بين 2013 و2016، على الرغم من الانخفاض الكبير لأسعار المحروقات. وقال التقرير إن "الحكومة الجزائرية نجحت في الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة نسبيا بمعدل 6ر3 بالمائة بين سنتي 2014 و2016، بفضل الحفاظ على مستويات النفقات العمومية منذ أزمة البترول". وأشار إلى أن مستوى المديونية "يبقى منخفضا" بالنظر إلى المعايير الدولية وأن "الحكومة حافظت على عدم استدانتها الخارجية"، رغم التراجع المتسارع لاحتياطي الصرف الذي يبقى مستواه الحالي "مهما". ❊ حنان.ح