فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعهدة رئاسية جديدة تبقيه في سدة الحكم في أنقرة إلى غاية سنة 2023، في انتخابات رئاسية جاءت في سياق تحولات سياسية كبيرة تعرفها تركيا.ويباشر الرئيس أردوغان، عهدته الخماسية بصلاحيات واسعة تمكن من تمريرها خلال الاستفتاء على دستور البلاد صيف العام الماضي، والتي خولت رئيس البلاد صلاحيات لاتخاذ قرارات هامة دون العودة إلى البرلمان كما كان عليه الأمر قبل هذا الاستفتاء. وهو ما جعل أحزاب المعارضة ومنظمات حقوقية محلية ودولية تحذّر من مخاطر انفراد الرئيس أردوغان، في اتخاذ القرارات وتمريرها عبر مراسيم رئاسية. وحسم الرئيس التركي مسألة انتخابه منذ الدور الأول بعد حصوله على أكثر من 52,5 بالمائة من أصوات الناخبين الأتراك متقدما على منافسيه الآخرين بفوارق كبيرة. وحسب نتائج اللجنة الانتخابية العليا فإن أردوغان، حصل على أصوات 52,5 بالمائة من إجمالي عدد الناخبين الأتراك، بينما فاز ائتلاف حزبه العدالة والتنمية والحركة القومية بنسبة53,61 بالمائة في الانتخابات التشريعية. ويكون الرئيس أردوغان، بفضل هذا الفوز أطول الرؤساء الأتراك بقاء في السلطة بعد أن دخلها قبل 15 سنة وينتظر أن يستمر فيها إلى غاية 2023. ولم ينتظر الرئيس التركي الإعلان الرسمي عن فوزه بعهدته الرئاسية الجديدة وراح يؤكد انطلاقا من مقر إقامته بمدينة اسطنبول، أن الأمة التركية منحتني ثقتها كرئيس للبلاد. ولم يجد محرم انجي، منافسه المباشر في هذا الموعد الانتخابي سوى الاعتراف بهزيمته بعد أن حصل على 30,7 بالمائة من أصوات الناخبين رغم تشكيله لأوسع تحالف حزبي مناهض للرئيس أردوغان، والذي لم يتمكن في الانتخابات العامة سوى الحصول على 34 بالمائة من الأصوات. ولكنه دعا الرئيس أردوغان، لأن يكون رئيسا ل81 مليون تركي دون تمييز. وتكتسي هذه الانتخابات بالنسبة للرئيس التركي أهمية خاصة كونها تأتي في سياق نظام انتخابي جديد انتقل بتركيا من نظام برلماني الى نظام الرئاسي وهو ما يمنحه ورقة بيضا لتمرير سياسته الإصلاحية التي بدأها منذ أول عهدة رئاسية سنة 2003 حيث تمكن من نقل بلاده من الدول المتخلفة الى قوة اقتصادية صاعدة وجعل شرائح واسعة داخل المجتمع التركي تتبنّى أفكاره وخططه الاقتصادية التي رفعت نسبة نمو الاقتصاد التركي وأخرجته من حالة الكساد والتضخم التي كان يتخبّط فيها، ورفع قيمة الليرة التركية وحوّل بلاده إلى دولة مصدّرة لكل المنتجات وحتى الأسلحة والتكنولوجيا المتطورة. واستطاع بفضل هذه الإصلاحات أن يجعل من بلاده نموذجا اقتصاديا يقتدى به في كثير من البلدان الإسلامية، بل أن أحزابا سياسية، عربية وإسلامية تبنّت نهجه السياسي والإصلاحي الذي قال إنه يصبو من خلاله إلى جعل تركيا عاشر قوة اقتصادية في العالم. وهي كلها معطيات جعلت منه أكثر الرؤساء الأتراك شعبية منذ مؤسس دولة تركيا الحديثة الرئيس مصطفى كمال أتاتورك، بفارق أن الرئيس أردوغان، أراد أن يعطي لنفسه سمعة الحكام العثمانيين الذي صبغوا سلطتهم بصبغة دينية على نقيض الرئيس أتاتورك، الذي عمل طيلة سنوات حكمه على فصل الدين عن الدولة وفرض اللائكية الغربية كنموذج على الشعب التركي. ولكن ذلك لم يمنع المتتبعين من طرح تساؤلات حول قدرة الرئيس أردوغان، وهو في سن الرابعة والستين أن يقود سفينة الإصلاحات السياسية والاقتصادية في بلاده بنفس الوهج الذي ميزه في بدايات عهدته الرئاسية. والأكثر من ذلك هل سيواصل النهج الإصلاحي الديمقراطي بعد أن تمكن من فرض نظام رئاسي خوله صلاحيات واسعة، سنة فقط بعد إفشاله انقلابا عسكريا كاد يطيح به صيف العام الماضي والذي صاحبته عملية تطهير واسعة في دواليب الادارة والجيش والمخابرات ومختلف أجهزة الأمن التركية. وسارع أردوغان، إلى طمأنة الشعب التركي والعواصم الغربية الحريصة على مبادئ الحريات الديمقراطية الى التأكيد على أن تبنيه للنظام الرئاسي إنما الهدف منه تجنيب تركيا أية هزات سياسية وتمكينها من حكومة مستقرة قادرة على إتمام مشاريعه السياسية والاقتصادية.