استخدم الاستعمار الفرنسي، منذ شهر جانفي 1955 وإلى غاية إعلان وقف إطلاق النار في مارس 1962، أسلحة النابالم الحارقة ضد المجاهدين والمدنيين، خاصة من سكان الأرياف والجبال، ضمن مسعى لوأد الثورة التحريرية والقضاء على حاضنتها، حيث بلغت نسبة استعمال هذا السلاح الفتاك 90 بالمائة خلال كافة المعارك الكبرى التي خاضها المستعمر ضد الثوار الجزائريين، حسبما كشف عنه أستاذ التاريخ محمد لحسن زغيدي. وذكر الأستاذ الباحث في التاريخ في ندوة تاريخية نظمتها جمعية «مشعل الشهيد»، أمس، بمنتدى جريدة «المجاهد» حول موضوع «أسلحة النابالم إبان ثورة التحرير»، أن فرنسا استخدمت هذا النوع من الأسلحة الحارقة لأول مرة في منطقة الأوراس، حيث لجأت إلى استقدام شخصية خبيرة في هذا النوع من الأسلحة لقيادة العمليات في حربها ضد الجزائر، لافتا إلى أن استخدام المستعمر لهذا السلاح في الجزائر، تم بأسلوب مختلف عن ذلك المستخدم خلال الحرب العالمية الثانية، وهو ما يعرف ب»الصناديق الخاصة»، بعد أن أطلقت عدة دول حملة لمحاربة أسلحة الدمار الشامل ومن ضمنها «النابالم» وأوضح المحاضر أن طبيعة الثورة التحريرية «باعتبارها حرب عصابات تعتمد على المخابئ والأماكن الإستراتيجية الموجودة في الغابات وفي الجبال والأماكن ذات الغطاء الطبيعي، دفعت بفرنسا الاستعمارية إلى ضرب البنى التحتية لجيش التحرير الوطني، عن طريق غطاء جوي حارق سلاحه قنابل «النابالم»، مضيفا بأن الطائرات التي استخدمت أثناء هذه العمليات، «كانت تحمل كل واحدة منها قنبلتين من هذا السلاح بقوة 4 آلاف سعرة حراراية، تكفي لإذابة الحجر». وكانت طائرات المستعمر، يضيف الأستاذ زغيدي تفرغ تلك الحمولة بعد كل معركة وعلى كل منطقة تشتبه في احتضانها لتحركات المجاهدين»، مؤكدا بالمناسبة بأن أكثر من 90 بالمائة من المعارك الكبرى التي خاضها جيش الاحتلال ضد جيش التحرير الوطني استخدمت فيها أسلحة النابالم، التي بقيت أثارها، حسبه، ظاهرة للعيان إلى يومنا هذا، من خلال ثلاث معالم أساسية، هي الإنسان والشجر والحجر. ومن بين الآثار التي أشار إليها الأستاذ زغيدي، تسجيل حروق من الدرجة الثانية والثالثة بنسبة 15 بالمائة وحروق من الدرجة الرابعة بنسبة 75 بالمائة ومن الدرجة الخامسة ب10 بالمئة، حيث أوضح بأن «كل من يكون قريب من الانفجار يتفحم، فيما يتعرض من يكون في مكان بعيد نوعا ما لتشوهات خلقية». وتأكيدا لما تقدم به الأستاذ المحاضر تم خلال الندوة تقديم مجاهدين إثنين تظهر على جسديهما تشوهات على مستوى الوجه. ويتعلق الأمر بكل من المجاهد أحمد غناوي والمجاهد عبد القادر شريط اللذان كان ينشطان بناحية المدية خلال الثورة التحريرية وقد روى كل منهما قصته، وحادثة تعرضه لغاز «النابالم»، حيث يتذكر المجاهد احمد غناوي تاريخ المعركة التي خاضها رفقة رفقاء السلاح ضد الاستعمار الفرنسي في منطقة تمزقيدة في 17 أفريل 1959، واستمرت إلى غاية اليوم الموالي ولم يتوان خلالها جيش الاحتلال في قصف المجاهدين ب»النابالم» لإبادتهم. فيما ذكر المجاهد عبد القادر شريط الذي كان ينشط في منطقة البرواقية التي كانت تعرف ب»منطقة الموت» بعد أن أمطرتها فرنسا بقنابل النابالم لمحاصرة المجاهدين والتضييق عليهم. وأمام هذه الشهادات الحية أكد الأستاذ زغيدي أن فرنسا الاستعمارية ارتكبت على مدى قرن و32 سنة من احتلالها للجزائر، ما لا يمكن أن ينسى أو يمحى من جرائم بشعة، ينبغي حسبه، على الأجيال معرفتها، مشددا في سياق متصل على دور الباحثين ودارسي التاريخ وجيل الثورة في نقل هذه الحقائق الأليمة. وعدد الأستاذ الجامعي سلسلة من الجرائم التي تصنف في خانة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، كالحصار والتجويع والنهب والتقتيل والذبح الجماعي وقطع الرؤوس والعبث بأجساد النساء، الذي يبقى حسبه يشكل موضوعا يحتاج إلى الكثير من البحث، مشيرا في هذا الخصوص إلى أن الرسائل التي كان يرسلها الجنرال «بيجو» وغيرهم من مجرمي الحرب إلى ذويهم وعائلاتهم، كانت تروي طريقة التعذيب والتنكيل بأجساد الجزائريين، «وهي أكبر دليل على بشاعة هذه الجرائم التي لا يجب أن تنسى أو تمحى من الذاكرة». للإشارة، فقد أكد المحاضر بأن قنبلة النابالم التي استخدمت في 1950، صنعت في 1942 من طرف جامعة هارفارد الأمريكية واستعملها الجيش الأمريكي أثناء الحرب العالمية الثانية على المدن الألمانية ثم استعملتها فرنسا في حربها على الهند الصينية من 1946 إلى 1954 واستعملتها في الجزائر من 1955 إلى 1962.