أجمع المشاركون في أشغال ندوة تاريخية حول موضوع »استعمال قنابل النابالم... شكل من انتهاكات فرنسا الاستعمارية للأعراف الدولية«، على ضرورة تبليغ رسالة الشهداء للأجيال الناشئة للكشف عن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية ضد الشعب الجزائري. وحث باحثون وجامعيون في هذه الندوة التي نُظمت أمس بالنعامة، على اغتنام وقائع هذه الجرائم، وفي مقدمتها استعمال الأسلحة المحرمة دوليا والمحطات التاريخية لتبليغ رسالة الشهداء لفضح هذه الجرائم وغرس الروح الوطنية في أوساط الناشئة. واعتبر الأساتذة وجمع من مجاهدي ولايات بشار والنعامة والبيّض خلال هذه الندوة التي نُشطت إحياء لذكرى معركة إمزي الشهيرة التي دارت رحاها بمنطقة العين الصفراء أيام 5 و7 ماي 1960، أن مهمة كل الذين عايشوا الثورة التحريرية تبليغ رسالة هذه الثورة، وجمع هذا الإرث التاريخي، وتلقينه للأجيال الصاعدة. ودعا منشطو هذه الوقفة التاريخية إلى إتاحة الوثائق والشهادات الحية حول جرائم الاستعمار أمام الباحثين لتدوينها وتمحيصها. وأكدوا في هذا الصدد أن »معركة كتابة التاريخ لا تقل أهمية عن معركة تحرير الوطن؛ لأنها تحرر الأفكار والإنسان، وتشد جسور التواصل بين الأجيال، وتفضح بشاعة التنكيل الاستعماري وجرائمه التي اقترفها في حق الشعب الجزائري الأعزل طيلة فترة الاحتلال«. وذكر رئيسا جمعيتي »مشعل الشهيد« و»إمزي« لكتابة التاريخ بالمناسبة، بأن العدو استعمل في تلك المعركة قنابل النابالم المشتعلة والمحرقة المحرمة دوليا، إلا أنه تكبّد فيها خسائر جسيمة، وذلك لاستماتة مجاهدي جيش التحرير الوطني في التضحية والاستشهاد رغم قلة العدة والعدد. ولإبراز مآثر هذه الذكرى نُظم معرض للصور والمخطوطات التي تعكس مختلف مراحل المقاومة التي خاضها الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي. كما نُظمت زيارة إلى معتقل الدزيرة (8 كلم غرب العين الصفراء) الذي مارس الاستعمار فيه جرائم التعذيب والتنكيل، كما تم خلال المناسبة تكريم وجوه ثورية وعائلات لأرامل الشهداء. للإشارة، فإن معركة إمزي وقعت عندما حاول ثلاثة فيالق لجيش التحرير الوطني العبور من المنطقة الثامنة نحو المنطقة الثانية، لتشتبك مع قوات العدو التي بلغ عددها 2.400 عسكري مدججة بعتاد يتكون من عربات مصفحة ومئات الدبابات ومروحيات وطائرات مقاتلة مزودة بقنابل النابالم. أما الفيلق الثاني من جيش التحرير الوطني فكان يتشكل من حوالي 300 جندي تحت قيادة النقيب حميدي. وكانت بحوزتهم أسلحة ورشاشات ومتفجرات، حيث دارت معارك في منطقتي »مقسم اللحم« و»مقسم مرزوق«. وأقام العدو بمنطقة جبلية بعد انسحاب الثوار لعدة أيام، جمع خلالها جثث قتلاه، ليتحقق من استحالة القضاء على جيش التحرير الوطني. وقد خلفت هذه المعركة أثرا إيجابيا على الصعيد الخارجي سواء في ما يتعلق بمسار المفاوضات بين الحكومة الجزائرية المؤقتة والسلطات الاستعمارية أو على الساحة السياسية الدولية. وتأتي الاحتفالات المخلدة لذكرى مجازر 08 ماي 45 هذه السنة في ظل ظروف صعبة تمر بها العلاقات الجزائرية الفرنسية، نجمت عن جملة من الأسباب اختلقتها باريس، تخللتها تصريحات معادية للجزائر من طرف مسؤولين في الإليزيه على رأسهم وزير الخارجية بنارد كوشنير، الذي لا يتردد في كل مناسبة في إشهار عدائه للجزائر في ظل صمت الرئاسة الفرنسية، والتي خلفت توترا كبيرا وجدلا سياسيا وإعلاميا واسعا في الجزائر، وكذا قضية الدبلوماسي الجزائري محمد زياني حسني، الذي اعتُقل زورا في قضية ملفقة، مما أدى بوزير الخارجية مراد مدلسي إلى استدعاء السفير الفرنسي بالجزائر لطلب توضيحات بشأن القضية. ومن جانب الجزائر تأتي احتفالات الثمن ماي 1945 في ظل سعي البرلمان لاستصدار قانون يجرم الاستعمار الفرنسي، والذي أخذ مساره الطبيعي في غرفة البرلمان عاديا، وهو الآن على طاولة الوزارة الأولى للفصل فيه، والقانون الذي يمكن للجزائر الذهاب بعيدا في مطالبة الاستعمار الفرنسي بالاعتذار والتعويض.