أكد وزير الشؤون الخارجية، السيد عبد القادر مساهل، أول أمس، بواشنطن «أن الدين لا يجب أن يصبح خطا للقطيعة وفضاء للمواجهة بين الأفراد والشعوب، مثلما يريده أصحاب ايديولوجيات التطرف والطائفية الدينية»، مبرزا بالمناسبة الضمانات الدستورية التي تكفل حرية المعتقد والرأي وممارسة العبادة في الجزائر. وأوضح الوزير في مداخلته في الندوة الوزارية حول الحريات الدينية، والتي حضرها 80 وفدا من مختلف دول العالم، بأن «الاختلاف لا ينجر عنه بالضرورة تهديدا، كما أن التنوع ينطوي دائما على إمكانيات كبيرة للإثراء المتبادل»، مشيرا إلى أن «ممارسة العقيدة الدينية شكل مهم من أشكال التعبير عن الحرية الفردية، يجب أن تبقى وتكون محمية من اتجاهات عدم التسامح والاقصاء». وإذ أكد بأن هذه الغاية تتطلب ترقية محيط مؤسساتي موات يرتكز على القاعدة الصلبة لسلطة القانون والمساواة في الحقوق دون أي تمييز أو تفرقة، اعتبر السيد مساهل «هذا التحدي المتقاسم الذي يستوقف جميع الأمم يدعو إلى إجراءات أكثر، من شأنها أن تعزز بشكل متزايد عالمية القواعد التي انضمت إليها البلدان بمحض إرادتها، في إطار المعاهدة الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية». ولفت رئيس الدبلوماسية الجزائرية في سياق متصل إلى أن ممارسة حرية المعتقد، لا يجب أن تستخدم كذريعة للمساس بالنظام والأمن والصحة العامة أو الأخلاق والحريات والحقوق الأساسية للغير، «كما لا ينبغي أن تكون، حسبه، أداة ودافعا للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدولي، «بل على العكس من ذلك لاسيما في هذا العالم غير المستقر، يجب أن تبقى الديانات مصدرا للأخوة والسلم وليس الكراهية والنزاعات». وإذ أكد بأن «هذه هي قناعة الجزائر وغرض عملها في داخل حدودها وعلى الصعيد الدولي»، أبرز وزير الشؤون الخارجية الضمانات الدستورية لحرية المعتقد والرأي وممارسة العبادة في الجزائر، حيث ذكر بأحكام المادة 42 من الدستور الجزائري التي تنص على أنه «لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي وحرية ممارسة العبادة مضمونة في ظل احترام القانون». كما أبرز حرص المشرع وكذا المؤسسات الجزائرية المكلفة بإنفاذ القانون على توفير كل الشروط المطلوبة من أجل دعم الحريات التي كرسها الدستور وقوانين الجمهورية، مؤكدا بأن ممارسة الشعائر الدينية في الجزائر، سواء الإسلامية أو غيرها، تتم في إطار القانون الذي يسري على كافة المواطنين ويخص جميع الديانات. وأشار السيد مساهل في هذا الصدد إلى أن القوانين الجزائرية تتطابق في مضامينها مع الالتزامات الدولية للجزائر وكذا مع أحكامها المتعلقة بممارسة الحرية الدينية، مع ضمان معاملة قانونية للديانة الاسلامية وللديانات الأخرى، موضحا بأن «الوزارة المكلفة بالشعائر الدينية لا تسمى وزارة الشؤون الاسلامية بل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف». كما أكد بأن السياسات والاستراتيجيات وبرامج العمل وكذا المبادرات التي تنفذها الدولة الجزائرية «جاءت وفقا لهذا المنطق»، مضيفا أن «التسامح والاعتدال والحوار والتفاوض والمساواة في الفرص والعدالة الاجتماعية وكذا الوئام المدني والمصالحة الوطنية بالإضافة الى العيش معا في سلام، تعد أدوات لتجسيد هذه الخطوة التي اختارتها الجزائر من أجل تعزيز السلام والأمن والإخوة والمساواة بين كل المواطنين». تاريخ الجزائر يتميز بالتنوع الثقافي وبعد أن أشار إلى أن اجتماع واشنطن جاء في سياق دولي يتميز بتصاعد كل أنواع التعصب والاسلاموفوبيا ومعاداة الأجانب إضافة إلى الخلط الكبير بين الدين الاسلامي وآفة الإرهاب، أكد وزير الشؤون الخارجية، بأن الجزائر لها تاريخ على مدى ثلاثة آلاف سنة يتميز بالتنوع الثقافي، مذكرا بكونها «أرض الإسلام، أنجبت القديس أوغسطين وأعطت للمسيحية أحد أبرز وأروع علماء الدين». كما ذكر في نفس السياق بأن الجزائر بمبادرة من رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، كرمت ذاكرتها عندما نظمت في 2001 بعنابة بالقرب من مدينته الأصلية تاغست (حاليا سوق أهراس) ندوة دولية كبيرة حول عمله ومساهمته في إثراء الفكر والعقيدة المسيحية». وأضاف أن «الجزائر أرض الإسلام أعطت كذلك للإنسانية الأمير عبد القادر الذي أنقذ في زمنه حياة آلاف المسيحيين خلال منفاه في دمشق، وكان أول من وضع قواعد القانون الدولي الإنساني، حسب شهادة الرئيس الحالي اللجنة الدولية للصليب الأحمر». وذكر بأن الأمير عبد القادر «كتب لأعدائه في 1845 خلال المقاومة التي قادها في مواجهة المحتل حول موضوع جنودهم المعتقلين «أرسلوا قسا إلى المخيم ولن ينقصه شيء وسأحرص على أن يكرموا ويحترموا كما ينبغي (...) سيصلي كل يوم مع المعتقلين وسيواسيهم وسيراسل عائلاتهم». وسيحفظ التاريخ كذلك، يضيف وزير الخارجية- أنه كان معترفا به كفاعل سلام ديني»لأنه كرر مرارا أنه» لو أن المسلمين والمسيحين أرادوا الالتفات إلي لأوقفت نزاعاتهم وأصبحوا داخليا وخارجيا إخوة». وأضاف السيد مساهل أن «الجزائر أرض الاسلام لها تاريخ، حيث وجدت فيها اليهودية ومعتنقوها سواء منهم السكان الأصليون أو اللاجئون الهاربون، لا سيما من الاضطهاد وكما يشهد بذلك قبر وضريح أحد الحاخامات الأكثر شهرة في العالم والموجود بتلمسان بالجزائر واللذان تتم زيارتهما بانتظام من طرف رعايا أجانب يهود». وذكر بأن الجزائر التي لطالما حرصت على التكفل بالانشغالات المتعلقة ببناء دولة معاصرة ومسامحة مبنية على القيم الشخصية للشعب الجزائري منها تلك التي يحملها الدين الإسلامي في ذاته والتي تعلم أنه «لا وجود للإكراه في الدين» وعلى القيم الدولية التي تجمع اليوم بين المجتمع الدولي والإنسانية في مجملها، قبل أن يخلص إلى أن هذا الانشغال تم تأكيده في مرحلة مبكرة وباقتناع عميق من طرف النداء الذي أطلق ثورة 1 نوفمبر 1954 والذي تقرر من خلاله الكفاح من اجل الاستقلال الوطني وإنشاء دولة ديمقراطية واجتماعية مبنية على «احترام كل الحريات الأساسية بغض النظر عن العرق أو الديانة». وعلى هامش الندوة الوزارية حول الحريات الدينية تحادث وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل مع السيدة تينا كايدانوف، مساعدة كاتب الدولة الأمريكي المكلفة بالشؤون السياسية والعسكرية، حيث سمح اللقاء للطرفين بمناقشة العلاقات الثنائية، لاسيما في المجال الأمني وسبل وطرق تعزيزيها. كما تم التطرق حسب بيان للوزارة، الى الوضع بمنطقة الساحل، لاسيما في ليبيا، حيث أكد المسؤولان في هذا الخصوص «تمسكهما باستقرار ليبيا وضرورة إيجاد حل سياسي كفيل بالسماح لمجموع المنطقة بمواجهة التحديات والتهديدات الموجودة خاصة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية». وتبادل الطرفان وجهات النظر حول أهم مواضيع الندوة حول الحريات الدينية. كما تحادث وزير الشؤون الخارجية، بواشنطن مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية لغرفة ممثلي الولاياتالمتحدة السيد ايد رويس، حيث أشاد الطرفان «بنوعية العلاقات القائمة بين الجزائروالولاياتالمتحدة. وأكدا إرادة البلدين في العمل سويا من أجل تعزيزها وتنويعها، لاسيما في المجال الاقتصادي والتجاري والتكوين والتعاون البرلماني. وتطرق المسؤولان اللذان تبادلا وجهات النظر حول وضعيات الأزمة والنزاع، لاسيما بمنطقة الساحل الى المواضيع المرتبطة بمكافحة الإرهاب وسياسات القضاء على التطرف، حيث عرض السيد مساهل بالمناسبة التجربة الجزائرية في هذا المجال. وتحادث السيد مساهل أيضا، مع مستشار الأمن الوطني للولايات المتحدة، جون بولتون، حيث شكل اللقاء، فرصة للطرفين لإجراء تقييم للتعاون الجزائري الامريكي، لا سيما في المجال السياسي والأمني». وتطرق المسؤولان إلى «الوضع في منطقتي المغرب العربي والساحل، لاسيما في مالي وليبيا وكذا آخر التطورات التي يعرفها هذان البلدان والمسارات السياسية للتسوية، حيث أعلم الوزير محدثه بالجهود التي تبذلها الجزائر في إطار تسوية الأزمة في ليبيا وفي مالي. كما تحادث السيدان مساهل وبولتن حول مواضيع متعلقة بمكافحة الإرهاب والقضاء على التطرف وكذا محاربة الهجرة غير الشرعية، مع الإشارة إلى أن «الجزائروالولاياتالمتحدة تربطهما علاقات تعاون وطيدة حول المسائل السياسية والأمنية، مهيكلة في مختلف الآليات، منها الحوار الاستراتيجي على مستوى وزيري الشؤون الخارجية والحوار حول المسائل الأمنية ومكافحة الإرهاب الذي عقد دورته الخامسة بالجزائر العاصمة في جوان الماضي والحوار العسكري المشترك الذي عقدت دورته الاخيرة في فيفري الماضي.