أكّد عدد من المجاهدين، ممّن كان لهم شرف المشاركة في التحضيرات الرسمية لهجومات 20 أوت 55 بسكيكدة، التقتهم "المساء" مؤخرا على هامش الندوة التاريخية التي احتضنها المتحف الجهوي "المجاهد المتوفى علي كافي" بسكيكدة حول هجمات 20 أوت 55 بالشمال القسنطيني، على الدقة وبعد النظر والدهاء الذي اتصف به البطل الشهيد زيغود يوسف، الذي برهن للأعداء على أن هجومات 20 أوت 55 بالشمال القسنطيني لم تكن عملية ارتجالية بل كانت مدروسة، وذات أهداف دقيقة فرضتها ظروف مرّت بها الثورة الجزائرية آنذاك. ما يؤكد حنكة القائد البطل الرمز الشهيد زيروت يوسف، هو أن التحضير للاجتماع الذي دام تقريبا 3 أشهر كان في غاية السرية، حيث لم يعلم به حتى أقرب مقربيه ما عدا بعض القادة الذين يعدون على الأصابع، وحسب الروايات التي جمعناها ممن عايشوا تلك الأحداث من مجاهدي سكيكدة، فإن البداية كانت بتوجيه الدعوة لعدد من المسؤولين بالشمال القسنطيني دون ذكر موضوع الاجتماع قصد الالتقاء بالمكان المسمى بوساطور الواقع بمنطقة سيدي مزغيش، لكن عدم ملاءمة المنطقة أرغم زيغود يوسف على تغيير المكان، ليتم اختيار منطقة براكسبور (بوشطاطة حاليا)، غير أن الأمور لم تكن كما تم التسطير لها بسبب تمكن القوات الاستعمارية من اكتشاف تحرك عدد من المجاهدين، مما أدى إلى وقوع اشتباك مع مجاهدي جيش التحرير الوطني بالمكان المسمى "الخربة" قرب سيدي مزغيش سقط على إثرها شهيدان، وهما محمود نفير والحاج القسنطيني المدعو الألماني، وأمام هذا الوضع الطارئ، قرر البطل الشهيد زيغود يوسف عقد الاجتماع السري بالمكان المسمى كدية داود بالزمان بمنطقة بوشطاطة، كونه موقعا استراتيجيا حصينا، وحسب المصدر التاريخي الذي جمعناه من المتحف الجهوي لسكيكدة، فقد حضر الاجتماع الذي كان تحت حراسة جد مشددة، كل من الأخضر بن طوبال المدعو سي عبد الله، وعمار بن عودة، وعلي كافي، وإسماعيل زيغد، ومسعود بوجريو المدعو سي مسعود القسنطيني، وصالح بوبنيدر (صوت العرب)، وعمار شطايبي، وبشير بوقادوم، ومحمد دخيل المدعو الرواية.. وحسب الشهادة التي قدمها المجاهد علاوة علقمي، منسق الهجوم على المطار ل«المساء"، فإنه عندما تم استدعاؤه لحضور اجتماع بالمكان المسمى كدية الزمان، لم يتم التطرق أصلا إلى هجومات 20 أوت 55، بل كان التركيز منصبا على عملية تحضير بعض الأدوات كعلب من حديد فارغة، وزجاجات فارغة، وقطع من حديد صغيرة، وأنواع من المطاط، والعمل على تخزين كميات كبيرة من البنزين، مع إحضار وسائل التلحيم والمناشير دون توضيح الهدف من ذلك. ونفس الشيء أكده ل"المساء" المجاهد زغدود مبارك السبتي، الذي شارك في عملية بني ولبان وعمره لا يتجاوز 18 سنة، مضيفا أنه خلال ذلك اللقاء، تمت دراسة الوضعية العامة التي تميز الشمال القسنطيني بوجه خاص والوضع على مستوى الجبهة، والحصار المضروب على منطقة الأوراس، وكيفية المساهمة في رفعه ناهيك عن بعض المسائل الخاصة. إلا أن النقطة الأساسية التي ركز عليها الشهيد البطل، حسب محدثنا، هي القيام بعمل كبير يتمثل في إخراج الثورة إلى الشعب، وبعد المناقشة وتبادل الآراء، وضعت الأسس الأولى للتحضير لهجومات 20 أوت 55 في كافة نواحي الشمال القسنطيني دون ذكر التاريخ، مع التأكيد على الشروع في التعبئة، وجمع الأسلحة والمتفجرات، وانتظار التعليمات. للإشارة، وحسب الروايات التي جمعناها من هنا وهناك من أفواه مجاهدي الولاية التاريخية الثانية، فإنه من بين التوجيهات التي أعطيت من أجل التعبئة الجماهيرية، هو حسن اختيار الأشخاص وانتقائهم من العائلات المعروفة والموثوق فيها، مع التركيز على غير المتزوجين أو المتزوجين الذين لا يملكون أطفالا، أو المتزوجين الذين لهم أولاد أولياؤهم على قيد الحياة بإمكانهم التكفل بالأطفال في حالة الاستشهاد.. للتذكير، فإن التحضيرات لهجومات 20 أوت 55 بولاية سكيكدة التي كانت تضم مقر القيادة التاريخية للولاية الثانية، مست أهم المناطق الإستراتيجية منها منطقة سيدي مزغيش على مستوى بوساطور وخربة الزمان ببوشطاطة ثم على مستوى منطقة القل بكل من بني زيد ووادي لمساسخة ودوار سيدي عاشور ثم على مستوى الحروش بمزرعة جوبير وخندق عسلة والمسمش والظهيرة وبعين العربي، وبالغدير ثم على مستوى مدينة سكيكدة التي تم تقسيمها إلى 08 مناطق، وهي العاليا والمحجرة الرومانية والزفزاف، وطريق العربي بن مهيدي وحي مرج الذيب، سبع أبيار وطريق السطيحة ورمضان جمال. وإذا كانت التحضيرات لهجومات 20 أوت 55 التي كانت في قمة التخطيط تتميز بطابعها العسكري في مواجهة المستعمر، إلا أنها كانت تحمل بعدا إنسانيا، مما يعكس نبل الكفاح الذي خاضه الجزائريون ضد الاستعمار الفرنسي، حيث من بين التعليمات التي أعطيت، حسب نفس المجاهد، هو عدم استهداف المدنيين من الأوروبيين العزل، وذلك فعلا ما تمّ عند الهجوم على مطار سكيكدة، حيث تم رفض إلقاء المتفجرات في قاعة المطار التي كانت عامرة بالمسافرين الأوروبيين من أطفال ورضع ونساء وعجائز، حسبما أكده المجاهد علاوة علقمي.