يعد الكذب من أبغض الصفات، حيث تتسبب في فقدان ثقة وحب الآخرين بسبب الممارسة المستمر للكذب، حتى في أبسط الأمور التي يمكن للمرء أن يتحدث فيها، لهذا يعد ترسيخ الصدق لديه منذ سنواته الأولى، ضرورة ملحة حتى ينشأ بصفات حميدة، لا تنفّر محيطه ولا يفقد ثقة المجتمع الذي يعيش فيه، وهي المسؤولية الكبيرة الملقاة على كاهل الأولياء، حسبما أكدته ل«المساء"، الأخصائية في التربية النفسية المدرسية، حنان فاضل. تُلاحَظ علامات الكذب على الفرد في المراحل الأولى من عمره، حيث يمكن للصغير أن يبتكر قصصا ويتخيّل بعض المواقف التي ترسمها له مخيلته، حتى يسرع في رواية تفاصيلها لأمه أو شخص قريب منه، وهنا يأتي دور الأولياء للفصل بين الحقائق والأكاذيب، وتنبيه الطفل للصحيح والخطأ والتفريق بين الصدق والكذب. عن هذا الموضوع، حدثتنا الأخصائية في التربية النفسية المدرسية، حنان فاضل، قائلة بأن الكذب تشويه أو تغيير جزئي أو كلي للحقائق، تحت تأثيرات خارجية مختلفة، سواء كانت بسبب ضغوط خارجية، أو لتحقيق غاية مادية أو اجتماعية أو نفسية، إلى جانب الكذب المرضي الذي ليس له أي دافع، إنّما صفة اكتسبها الفرد ويستمتع في توظيفها بشكل يومي ومستمر وفي مختلف مواقف حياته اليومية، سواء للتباهي أو للخروج من مأزق، أو للتخلي عن مسؤولية وغير ذلك. تضيف المتحدثة "مهما كان الدافع، فالكذب يبقى من أبغض الصفات التي قد يحملها الفرد، حيث ستؤثّر على حياته الاجتماعية بشكل سلبي وخطير، فينفّر حامل تلك الصفة كل من حوله بسبب فقدان الثقة وبلوغ مرحلة عدم تصديقه حتى وإن كان صادقا". تشير المتحدثة إلى أن الكذب عند الأطفال ليس سلوكا فطريا، كما يعتقد الكثيرون، ظنا منهم أنه نابع من مخيلة الطفل ليتبناه ويصبح عادة لديه، تقول "حقيقة الأمر أن الطفل عندما يروي مثلا حكاية تخيّلها في ذهنه، أو رآها في حلمه، تكون بالنسبة له حقيقة شاهدها، وكان هو جزءا منها، وبذلك لا يعدّ سلوكه كذبا لمجرد الكذب، وهنا يأتي دور الأبوين لشرح الفرق له مع تقدّمه في السن، أي عند بلوغه سنتين وثلاث سنوات من عمره، حسب درجة استيعاب الطفل، فالحديث هنا هو عن الكذب كسلوك مكتسب من البيئة المحيطة، كالأسرة". في هذا الصدد، تقول الأخصائية بأن الطفل يمكنه أن يكتسب سلوك الكذب من المحيطين به، فقد يكذب الطفل بالتقليد، أي اقتداء بما يقوم به من حوله، دون إدراك أن ذلك الأمر خاطئ، فبالعادة يلاحظ الطفل كل تصرفات أمه وأبيه، ويبني شخصيته انطلاقا من سلوكهما، دون التفرقة بين ما هو صائب وما هو خاطئ، لاسيما إذا غاب دور الوالدين في التفريق بين الأمر. أضافت قائلة "إن كذب التقليد كما يعرفه الخبراء النفسانيون، هو إدراك الطفل بأنّ الكذب مشروع بتقليد من حوله من الكبار، حيث يظهر هذا النوع عند استخدام الأهل أساليب الكذب، أو المبالغة مثلا في رواية موقف كان الطفل فيه حاضرا، لأي سبب كان، فيقوم بتقليد تلك التصرفات دون إدراك عواقبها". تقول الخبيرة بأن أخطر ما في الأمر أن الكثير من الأولياء لا يولون اهتماما خاصا بذلك، ولا يدركون أنّ الطفل في تلك المرحلة حتى وإن كان صغيرا، ولا يحسن النطق والحديث أو المشي، إلا أنه كالإسفنجة يحمل كلّ شيء ويلاحظ بدقة كل ما يدور ويحدث حوله، وسيوظف كل ما يراه ويسمعه عند بلوغه مرحلة معينة، ففي الأصل يكون الأولياء هم من أكسبوه ذلك السلوك دون قصد". على صعيد ثان، أوضحت فاضل أنه لا يمكن اتهام المحيطين بالطفل دائما بأنهم سبب اكتساب صفة الكذب لديه، فيمكن للصغير أن يحمل ذلك مما يشاهده عبر التلفاز، أو من المدرسة من الأطفال الذين يدرسون معه، أو من الحي أو غير ذلك، لكن هنا يأتي دور الوالدين في حث الطفل على الصدق بمراقبة التصرفات، على أن لا يكون بأسلوب صارم يجعل الطفل يتصرف عكس التوصيات بالتمرد، ويمارس الكذب بعيدا عن مرأى والديه، لذا لابدّ أن يكون الأسلوب في الحث بسيطا يتماشى مع تفكير الطفل، فالأسرة لابد أن تكون مصدرا للتنشئة السوية للطفل، الذي إذا تواجد في بيئة صالحة فإنه ينشأ مع أسرته في وسط تسوده القدوة الحسنة والصدق في الأقوال والوعود والأفعال، بالإضافة إلى زرع الأمان النفسي، فالطفل المستقر نفسيا لا يشعر بضرورة الكذب، والطفل الخائف دائما ما يلجأ إليه.