من أبرز المشكلات التي يواجهها الوالدان أثناء تربية صغارهم، مشكل الكذب الذي يعد من أكثر العادات السيئة لدى الطفل، خاصة وأن بإمكانه التأثير سلبا على نموّه النفسي و الاجتماعي بطريقة سليمة و صحيّة . محمد بن حاحة من الطبيعي أن تجد الطفل في العديد من المرات يختلق تبريرات لأفعاله السيئة أو ينفي علاقته بها مطلقا ، بدافع النجاة من العقاب أو غير ذلك من العوامل ، داخلية كانت أم خارجية ، و لا يقتصر هذا المشكل على الوالدين فحسب ، بل حتى في محيط الطفل الخارجي مع الكبار أو في المدرسة.. إلى غير ذلك . من أجل معالجة هذا الموضوع، استفسرت " الجزائرالجديدة" بعض المواطنين عن تجربتهم مع كذب الأبناء، و سلّطت الضوء عن رأيهم حول مدى خطورة هذه الظاهرة . "رشيدة"، أم لطفلين تقول " الكذب عادة سيئة ، ولكن الطفل في هذه المرحلة العمرية لا يدرك تمام الإدراك سلبية الأمور من إيجابيتها إلا بعد القيام بها و تعرضه للعقاب بسببها، و لهذا و بدافع الخلاص من عقوبة الوالدين أو المعلمين أو غيرهم ، يضطر للكذب وتغيير الحقائق، ولهذا يجب تعليمه مبدأ الصراحة و قول الحق و إن كان مرا ، و عدم الإكثار من العقوبات، فهي السبب الرئيسي في خلق العادات السيئة لدى الطفل، من كذب و عنف و كلام بذيء ". "سمير"، طالب جامعي يقول "معظم الأخصائيين يرجعون كذب الأطفال إلى تقليد شخص كبير من محيطهم خاصة الوالدين ، فمثلا لما يقول الأب لابنه إذا بحث عني أحد الأقارب أو الأصدقاء قل له أني غير موجود ، أو لما تذهب الأم لأحد الأمكنة و تأمر أبناءها أن لا يخبروا آباهم ، فقد يكونون بهذا التصرف قد علّموا من دون قصد الكذب لأبنائهم ". و ترجع "حنان" كذب الأطفال لعامل الخوف، إذ أنهم " لما يخافون من العقاب تتبعثر أفكارهم و لا يستطيعون فرزها و تمحيصها ، فيقولون ما لا يعتقدونه و ما لا يحسّون به " . تعيين السبب هو الحل و يرى الأخصائيون النفسانيون أنه مما يزيد المشكلة تعقيدا ، هو أن الكثير من الناس يصنفون الكذب لنوع واحد، بينما أن للكذب الذي يصدر من الأطفال تصنيفات متعددة، لا تتأتى معالجتها إلا بعد التعرّف على نوعها والدافع المؤدي لها. ويعتبر تصنيف الكذب على أساس الدافع أو الغرض من أشهر التصنيفات، إذ أنها تعالج السبب أولا، بمعنى آخر لماذا اضطرّ الطفل للكذب ؟ الكذب الخيالي يعتبر الكذب الخيالي من أكثر الأسباب المؤدية لكذب الطفل، وغالبا نجده لدى الأطفال الأذكياء والمبدعين وأصحاب الخيال الواسع، فلما يتخيل الطفل شيئا يتحوّل لديه إلى حقيقة، فهذا لا يعد كذبا في حقيقة الأمر ، إلا أنه يترتب على المربين في هذه الحالة تعليم الطفل التفريق بين ما هو حقيقة و ما هو خيال، مع تفادي تعنيفه و معاقبته و رميه بالكذب . الكذب الإدّعائي يتعرّض الأطفال الذين يشعرون بالنقص و الحرمان إلى هذا النوع من الكذب لتغطية نقصهم ،فيكذبون على أصدقائهم ، مدّعين أن لديهم ألعابا كثيرة ، أو أن منزلهم كبير و جميل و سيارتهم فاخرة ، و هذا من أجل محاولة لاستثارة عطف الآخرين عليه، وينبغي للمرّبين هنا تفهّم الأسباب التي أدّت إليه والحرص على تلبية النقائص التي يفتقدها الطفل، و اضطرته للكذب عن غير قصد . الكذب المرضي أو المزمن هذا النوع من الكذب ممّا لصق في الطفل بحكم العادة و التكرار ، حتى تتوّلد لديه مهارة في الكذب ، لا يمكن التفريق بينها و بين الصدق. ومن أجل تفادي هذا النوع من الكذب و علاجه ، يجب التركيز على الوقاية ، و ذلك بتربية الطفل منذ لحظة تمييزه ، تربية حسنة مؤسسة على فعل الخيرات و تجنب المنكرات ، و قول الحق مهما كانت العواقب . نصائح قيّمة لتفادي الكذب يتوجب على المربّين غرس قيم الصدق و الأخلاق الإسلامية الصحيحة و ربطها برضى الله و الوالدين ، و تعليم الطفل دوما أن مخالفتها تجلب غضبهما، مع النصح بحنان و محبة و في هدوء، دون عقاب و لا تعنيف. من جهة أخرى يتوجب على الوالدين التحاور مع أبنائهم لمعرفة ما ينقصهم من أشياء مادية و روحية، و السعي لإشباعها و تحقيقها. هذا و يتوجب على المربّين التحلي مع أبنائهم بالمرونة والتسامح، و خلق روح الودية و الرحمة بينهم و بين أطفالهم، فإنها تريح الطفل و تجعله منفتحا أمامهما و لا يخفي عليهما شيئا. و على الوالدين أيضا ، و كل شخص كبير في محيط الطفل أن يكونوا قدوة حسنة له ، فكثير من الكذبات تكتسب دون قصد من أقرب الأشخاص لدى الطفل، إذ يتكوّن في اعتقاداه أن قيام الكبار به يجعله أمرا عاديا، و على الوالدين تفادي التفريق بين الأبناء، فقد يؤدي شعور الطفل بتلك التفرقة إلى الكذب ، ملأ لما يشعر بها من نقص و فجوة عاطفية.