لم يشأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التضحية بمصالح بلاده الإستراتيجية مع العربية السعودية على خلفية تداعيات عملية الاغتيال التي راح ضحيتها الصحفي السعودي جمال خاشقجي، رغم إقراره بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كان على علم مسبق بعملية الاغتيال التي تمت داخل مقر القنصلية السعودية بمدينة اسطنبول التركية. وانتظر كل العالم ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء، لمعرفة نتائج التحقيقات التي انتهت إليها مختلف أجهزة المخابرات الأمريكية بعد أن وعد الرئيس الأمريكي، بكشف قاتل الصحفي السعودي المعارض، ولكنه في النهاية آثر الحفاظ على مصالح بلاده الإستراتيجية مع أكبر شريك لها في منطقة الشرق الأوسط. وتراجع الرئيس ترامب، عن وعده رغم أن صحيفة "واشنطن بوست" التي كان خاشقجي يشتغل لديها أكدت أن وكالة المخابرات الأمريكية "سي.أي.إي. ليس لديها أدنى شك في أن يكون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مسؤولا عن عملية الاغتيال. وفضّل الرئيس الأمريكي عدم الحسم في قضية الجهة المسؤولة عن عملية الاغتيال، وقال إن ولي العهد السعودي ربما كان على علم مسبق بالعملية، كما يمكن أن لا يكون على علم بها. وذهب إلى حد القول إننا ربما لن نعرف أبدا كل الوقائع التي أحاطت بجريمة اغتيال خاشقجي، التي وصفها بالمقززة وأن بلاده لن تغفرها أبدا. لكن الرئيس الأمريكي شدد التأكيد على أولوية إدارته في المحافظة على علاقات بلاده مع العربية السعودية التي وصفها بالشريك الذي لا يمكن الاستغناء عنه، في تلميح واضح إلى عدم استعداده لكشف منفذي هذه الجريمة التي هزّت العالم واحتفظت إلى حد الآن بكل أسرارها. وقال الرئيس الإمريكي مدافعا عن مقاربته بأن العربية السعودية تبقى شريكا محوريا لبلاده على الأقل في مواجهة إيران، ومواجهة خطر الإرهاب وهي بالإضافة إلى ذلك تبقى أكبر مستورد للسلاح الأمريكي وهي التي تقوم بالمحافظة على استقرار أسعار البترول كونها أكبر مصدر للنّفط في العالم. وأثارت تصريحات الرئيس الأمريكي، الاستغراب حتى في أوساط الحزب الجمهوري الذي يقوده، وجعلت عضو مجلس الشيوخ ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في الغرفة الثانية، بوب كوركر، يؤكد على تحول البيت الأبيض إلى مجرد "وكالة للعلاقات العامة لولي العهد السعودي"، في نفس الوقت الذي رفع فيه زميله من نفس الحزب "شعار العربية السعودية أولا" وليس "الولاياتالمتحدة أولا"، في إشارة إلى الشعار الذي تبنّاه الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية وجعله محرك السياسة الخارجية لبلاده. ورفض عدد من النواب الكونغرس بما فيهم نواب جمهوريون مقاربة الرئيس ترامب، وطالبوه بالدفع بالتحقيقات إلى نهايتها وتوعدوا بالدعوة إلى إجراء تحقيقات إضافية في حال رفض ترامب، ذلك من أجل فرض عقوبات ضد العربية السعودية بما فيها وقف بيع السلاح لها. وهو موقف عارضه ترامب، وقال إنه سيأخذ بكل الأفكار المطروحة ما لم تتعارض مع الأمن المطلق للولايات المتحدة. ودعا من جهته المدير العام لصحيفة "واشنطن بوست" نواب الكونغرس إلى الدفاع عن القيم الحقيقية والمصالح الدائمة للولايات المتحدة، متهما ترامب بوضع مصالحه الشخصية والتجارية فوق المصالح الأمريكية ، في نفس الوقت الذي طالب فيه المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية جون برينان، الكونغرس بالضغط من أجل رفع التحفّظ على تقارير المخابرات الأمريكية حول عملية اغتيال جمال خاشقجي.