خرجت العاصمة الفرنسية عن مألوف يومياتها الخريفية من أكبر مقصد لسياح العالم إلى ساحة مواجهات عنيفة، غطى سماءها سحاب القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه الساخنة بعد أن نقلت حركة "الصدريات الصفراء" سجالها المطلبي إلى قلب مدينة باريس، في محاولة للي ذراع حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون وإرغامها على التراجع عن قرارها برفع أسعار مختلف أنواع الوقود. وحاول المتظاهرون من مختلف الأعمار والشرائح المجتمعية الغاضبة على السياسة الاجتماعية لرئيس الحكومة الفرنسية، إدوارد فليب التسلل عبر مختلف الشوارع الفرعية المؤدية إلى قصر الإليزي ضمن خطة لكسب نقاط أخرى لفرض منطقهم الرافض لكل زيادة في الضرائب على أسعار الوقود وكذا كسب تعاطف مؤيدين جدد لحراكهم. وحالت المتاريس والحواجز الأمنية التي أقامتها تعزيزات قوات الأمن في هذه المداخل دون تحقيق المتظاهرين لمبتغاهم في محاصرة قصر الرئاسة وقامت بتفريقهم بالقنابل المسيلة للدموع في مشهد لم يتعود عليه الفرنسيون منذ عدة سنوات ماعدا أثناء حوادث العنف التي عادة ما تشتعل من حين إلى آخر في أحياء الضواحي التي يقطنها أبناء المهاجرين المغاربيين والأفارقة. وشدد المتظاهرون في أسبوعهم الثاني منذ بدء حراكهم الاجتماعي من درجة ضغطهم وراحوا يوسعون نطاق احتجاجاتهم من العاصمة باريس إلى كل مناطق البلاد الأخرى مستغلين في ذلك العدد الهائل من المنظمين الجدد إلى حركتهم الاحتجاجية. وهو ما جعل تعزيزات قوات مكافحة الشعب تصعد هي الأخرى من أساليب تعاملها معهم باستخدام القوة والقنابل المسيلة للدموع والمياه الساخنة في مشهد حول كبريات شوارع العاصمة الفرنسية إلى ساحة للكر والفر بعد أن ضاقت بآلاف المتظاهرين الذي تجمهروا منذ الساعات الأولى في شارع الشانزيلزيه ضمن مسعى لإفشال كل خطة أمنية لمنعهم من الوصول إلى قوس النصر الذي يحمل التجمهر في جنباته دلالات سياسية ذات مغزى في فرنسا. والمؤكد أن هذا الحراك الشعبي في إحدى أكبر الدول الأوروبية ستعمل الطبقة السياسية الفرنسية على استغلاله من أجل تشديد لغة الانتقادات ضد السياسة الاجتماعية للرئيس الفرنسي، وهو الذي جعل منها طريقته في كسب ود الفرنسيين يوم ترشح لتولي كرسي الرئاسة في قصر الإليزي. وإذا كان قلب العاصمة الفرنسية عرف سبتا ساخنا، فإن ذلك لم يمنع الصدريات الصفراء من تشديد ضغطها وفرض منطقها على مداخل الطرق السيارة في المدن الأخرى، مانعة كل حركة سير في مختلف المناطق الفرنسية ضمن خطة لتصعيد الموقف والتحول إلى حركة احتجاجية لا تريد التراجع أمام تمسك الحكومة الفرنسية بموقفها الرافض لكل فكرة للتراجع عن رفع نسبة الضرائب، في وقت تراهن حكومة إدوارد فليب على عامل الوقت لإفشال أكبر موجة احتجاج تواجهها منذ وصول الرئيس ماكرون إلى سدة الحكم وهوت بشعبيته إلى أدنى مستوياتها. ولكن مراهنة الحكومة على عامل الوقت لإفشال هذه الموجة الاحتجاجية راح إلى نقيض ما توصلت إليه آخر نتيجة عملية سبر للآراء أكدت أن 72 بالمائة من الفرنسيين يؤيدون الحركة الاحتجاجية على اعتبار أن تلك الزيادات مست الطبقة المتوسطة التي عادة ما تستعمل وسائل نقلها الخاصة للوصول إلى أماكن عملها وكل زيادة في أسعار الوقود سينهك قدرتها الشرائية التي تضررت في السنوات الأخيرة بشكل لافت. وهو ما جعل تبريرات الحكومة بوضع تلك الأموال الإضافية في خدمة مخطط الحكومة لحماية البيئة لا تلقى الإجماع لدى عامة الشعب الفرنسي الذي أصبح يهمه مستوى معيشته أكثر من أي شيء آخر. وتخشى السلطات الفرنسية أن تعرف الاحتجاجات منحى تصاعديا بعد أسبوع أول عرف مقتل متظاهرين اثنين وإصابة 620 آخرين، حالة 136 من بينهم وصفت ب«الخطيرة".