«ثقافة المدينة" هو عنوان الندوة التي نظّمتها الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، أوّل أمس بالمركز الثقافي "العربي بن مهيدي"، نشطها الدكتور أحمد رميتة والدكتورة سماح عوايجية، تناولا في لُبها، ضرورة تشييد بنايات حديثة بمرافق ثقافية تمكّن المواطن من الاستفادة منها في أوقات فراغه، بغية التخلص من التوتر ومجابهة العنف. قال الدكتور رميتة، إنّ أحد الرهانات الكبرى التي يواجهها مجتمعنا المعاصر، يتمثّل في كيفية تسيير وإنتاج عملية التحضّر، أي التحوّل الديموغرافي من النمط القروي إلى المجال الحضري، والذي عادة يأخذ منحى تدريجيا وليس دراماتيكيا مثلما حدث في الجزائر، مضيفا أنّ هذه النقلة في أوروبا استغرقت 40 سنة، وأضاف أنّ التحوّل من الريف إلى المدينة، عملية من الصعب التحكّم فيها مهما كانت قدرات المجتمع والمؤسّسات، خاصة وأنّها تتأثر أيضا بعوامل خارجية، مما يزيد في صعوبتها. بالمقابل، أشار الدكتور إلى تغيّر العلاقات الاجتماعية في قلب المدينة فبعدما كانت تعتمد على القرابة تحول اهتمامها إلى البحث عن المصالح، وفي هذا السياق، تعدّدت المصالح التي تربط بين سكان المدينة، وكان لزاما وجود سلطة لإدارتها، ويضيف الأستاذ أنّ كلّ مدينة تنطلق عموما من أسطورة تعطيها مرجعيتها الثقافية، لينتقل إلى التعريف ببعض المدن في منطقة المغرب، مثل قرطاج التي كانت تتميز بنظام اجتماعي معين، وكذا تلمسان وفاس وتيهرت وغيرها من المدن العظيمة التي قامت فيها بعد بالتزود بقيمة ثقافية، من بينها الدين الإسلامي فنشأت على معالم العقيدة الإسلامية، أي ارتكزت على معالم دينية وأخرى متعلقة باللغة والثالثة بالعمران وهكذا. واعتبر الدكتور أن المدن تنتج هوية خاصة لها وتدمج الوافدين لها وتمنحهم هويتها بعد جيل أو جيلين، مشيرا إلى وجود أربع مؤسسات أساسية تنظم المجتمع وهي القبائل والزوايا، النظام الحرفي، العلماء، والسلطة السياسية أو الدولة، كما تطرق إلى إنتاج مدينة تجاور المدينة الكلاسيكية، وهذا خلال الاستعمار الفرنسي، إلا أنها لم تتمكن من عملية الإدماج، كما عجزت عن تقديم خدمات للمجتمع، مضيفا أن العلاقة بين المجتمع المحلي والكولونيالي مرت بالعديد من المحطات، بداية بالنضال في الشكل التقليدي المتمثل في القبائل، ليتحول إلى الشكل الحديث المتمثل في الجمعيات والأحزاب. وتوقّف الدكتور مطوّلا عند مسألة تخلي الجزائريين، لمساكنهم التقليدية والولوج إلى العمارات، فانتقلوا من النموذج المبني على الحشمة والدين والأخلاق وعالم الحرف، إلى المدينة الكولونيالية، التي فرضت على الجميع منطقها، فحدث الاهتزاز. وأكد رميتة عدم قدرتنا على تلبية الطموحات الثقافية الجديدة، التي تسمح بتأسيس مدينة واكتفينا بمواصلة النمط الحالي (الكولونيالي)، مضيفا أنّ المجتمع الجزائري لم تكن له القدرة على طرح البديل، مثل التكيّف مع عمل المرأة وتحرّرها وغيرها من الأمور، حتى أنّه أنتج طابعا عمرانيا آخر بالقرب من العمران الكولونيالي، متمثلا في الأحياء القصديرية التي شكلت تجمعات سكانية غير مريحة، مما نتجت عنه ظاهرة العنف. واعتبر المتحدث أنّ هناك صراعا اجتماعيا بين الرغبة في الدخول إلى الحداثة وبين تلبية مصالح الملايين، مضيفا أنّ العنف الذي عشناه سابقا، ناتج عن الرغبة في امتلاك نمط مدني وفي نفس الوقت عدم تلبية طلبات المجتمع، مثل توفير سكن ملائم وعمل وغيرها، والنتيجة "حلول راديكالية مثل العنف". وتعجّب المتحدّث من بناء عمارات من الاسمنت المسلح، خالية من المرافق الاجتماعية والثقافية، وبالتالي لا يوجد فضاء يقضي فيه المواطن أوقات فراغه مما ينتج حالة من التوتر تدفع به إلى ممارسة العنف، ليتساءل عن معضلة غلق العاصمة لحوانيتها قبل نهاية الليل، وبهذا لا تقدم المدينة خدمات للمجتمع. من جهتها، أشارت الدكتورة سماح عوايجية، إلى أهمية البيئة التي تتواجد فيها البنايات، مقدمة مثالا بتغير الطابع العمراني للمدينة، فبعدما كان الجزائري يتواجد في بناية تضم السطح ووسط الدار، وجد نفسه في مكان مختلف ثقافيا واجتماعيا، مشكلا في عمارة، دفعت به إلى نمط معيشي آخر قد يكون غير موافق لقيّمه. كما قدمت مثالا آخر بظهور فضاءات جديدة، مثل قاعات الأفراح التي عوضت المنازل في احتضان الأعراس، مضيفة أننا أصبحنا نبني المدن بأشكال غريبة عن ثقافتنا وملوثة للبيئة.