بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة – جامعة عنابة- يعد الدكتور محمد العربي ولد خليفة ;واحداً من القامات الفكرية الشامخة في الجزائر، فهو أحد أعمدة الفكر والبحث التربوي والفلسفة، يتميز باختياره طريق الالتزام الثوري منهاجاً فكرياً له، فقد كتب الكثير عن الثورة الجزائرية وفلسفتها، حيث يؤكد الدكتور محمد العربي ولد خليفة دائماً على أن الانطلاقة الحقيقية لجزائر قوية ومتقدمة لابد أن تبدأ من تثمين منجزات الثورة الجزائرية، وذلك من خلال تنمية رصيدها المادي والمعنوي، وليس الاقتصار على استهلاك الموجود منها فحسب، حيث يقول في هذا الشأن: « مهما كان الرأي والموقف، فإنه ليس بالإمكان تجاهل التحول الحاسم، فهو يكتسب بمرور السنين صفة المرجعية، ويرسم حدود ما يعنيه الانتماء والوطنية، وهذا شأن الثورة الجزائرية، حيث يؤكد صحة وصف الثورة الجزائرية بالتحول الحاسم، الواقع الجديد الذي نشأ عنها، فمهما كان موقع الأشخاص بالأمس واليوم، وما سيكون في الغد على الخريطة السياسية لجزائر ما بعد الاستقلال في مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع، أو على أطرافها، أو في موقع النقد والاعتراض على ما حدث من إجراءات وسياسات، قد يرى البعض أنها ناجمة عن فساد التسيير وقصور التقدير خلال العقود الأربعة الماضية، فإن هناك ما يقترب من الإجماع على أن جزائر ما بعد التحرير هي جزائرنا نحن، بما فيها من نجاحات وأخطاء، من اقتراب أو ابتعاد عن عقد الشرف والحرية المتضمن في بيان الأول من نوفمبر 1954م، الذي يبقى إلى أمد طويل سفر التكوين لأجيال من الجزائريين. نقول ما يقترب من الإجماع، لأن لا أحد يأسف على هزيمة الكولونيالية الفرنسية سوى قلة من ذباب الخونة ضحايا الضعف والنفس الأمارة بالسوء، وبعضهم ممن أغواهم شيطان الخيانة يجهرون اليوم بالتوبة من الخطيئة الكبرى» (يُنظر: د. محمد العربي ولد خليفة: المنطقة العربية الإسلامية، مدخل إلى نقد الحاضر ومساءلة الآخر، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع،2007 م، ص: 212-213). كما يؤكد الدكتور ولد خليفة في كتابه«الجزائر المفكرة والتاريخية: أبعاد ومعالم» على ثلاث أفكار رئيسة: «أولاها: أن الجزائر تتمتع بمؤهلات مادية ومعنوية هائلة،أغلبها في حالة كمون، لا يمكن تفعيلها بالاكتفاء بالاستنساخ والببغائية أو بالاقتصار على الأوصاف الرنانة، وأن توظيفها الصحيح يتوقف إلى حد بعيد على إدراك مسلكية شعبها والانطلاق دائماً من تجربته التاريخية. ثانيتهما: أن النخب القيادية، فكرية وسياسية لا يمكن أن تنجح في مهام البناء الحضاري والمؤسساتي وتضمن الازدهار والاستقرار وقوة الدولة لا دولة القوة،وترقية العلوم والفنون والآداب واستحقاق الوطن للهيبة والمناعة، لا يمكنها أبداً أن تنجح أو تضمن كل ذلك إذا تناست حقوق وواجبات المواطنة،أو اعتبرت نفسها طائفة خارج المجتمع أو فوقه. وثالثتها: أن في جوهر الوطنية الجزائرية اعتزازاً طبيعياً بالهوية العربية الإسلامية وبالأمازيغية باعتبارها الرابطة القوية بين الإسلام عقيدة وحضارة والعروبة لساناً وثقافة، فإذا اهتزت تلك العلاقة أو ضعفت، فهناك يقيناً بصمات للذئب الكولونيالي وروائح متعفنة لتركته الإجرامية، وأن الدولة تعاني من الوهن والاضطراب بسبب فساد التدبير وسوء التقدير» (يُنظر: ص: 34). وفي حديثه عن مكاسب النصر الذي تحقق بفضل ثورة نوفمبر العظيمة ومسؤوليات النخب القيادية يذكر المفكر الدكتور محمد العربي ولد خليفة أن حرب التحرير تحولت بسرعة إلى ثورة شعبية ذات أهداف وطنية اجتماعية وتطلعات حضارية إنسانية، ابتكرت ثورة نوفمبر 1954م العظيمة وسائل العمل السياسي وآليات التنظيم عن طريق استقراء نقدي جرئ لما بقي في الذاكرة من تضحيات وإخفاقات تكبدها الشعب الجزائري في انتفاضاته المتتالية ما بين(1830 و1916م)، وما آل إليه النضال السياسي لمجمل الفصائل المكونة للحركة الوطنية. وقد كانت النخبة الثورية تراقب عن كثب التقنيات الجديدة لحركة التحرر العالمي وخاصة في فيتنام والريف المغربي وتونس والمشرق العربي، وتطلع على نشاط التنظيمات العمالية في أوروبا وأمريكا اللاتينية. ويشدد الدكتور محمد العربي ولد خليفة، على أن ثورة نوفمبر 1954م هي إعادة تركيب للفكر الوطني التحرري من مخزون موجود أصلاً في تراثنا النضالي بوجه عام وأدبيات الحركة الوطنية بوجه خاص، وليس انطلاقاً من العدم نحو المجهول كما يدعي منظرو الكولونيالية وكما يجادل بعض مريديها إلى اليوم لإثبات أن الثورة هي حركة أو مغامرة بلا مشروع… كما أن ثورة التحرير هي أول توحيد سياسي اجتماعي واسع النطاق للشعب الجزائري ونخبه ومعظمها من القيادات الشابة استخلصت من تجربة الأمير عبد القادر وخلفائه في المقاومة كلمة السر الأولى وهي الوحدة، كما يؤكد الدكتور ولد خليفة على أن ثورة نوفمبر 1954م نجحت من الناحية المعنوية في تأسيس سلطة توحيدية أي تجميع القوى الحية للأمة، وليس أحادية بالمعنى الشائع اليوم، إذ أن قبول الخطة والأهداف التي حددها بيان أول نوفمبر كان كافياً للانضمام كعضو فاعل في إطار مشروع الأمة الثوري للتحرير. يوصف الدكتور محمد العربي ولد خليفة بالمجاهد الوفي والوطني المخلص والأكاديمي المتمكن والمفكر الناقد، يقول عنه الأديب عز الدين ميهوبي:« يمثّل هذا الرجل في حد ذاته خطّا فكريا مختلفا تماما عن الذين سبقوه وحاولوا تفكيك أسئلة التاريخ والواقع، فكانوا أسرى العباءات الإيديولوجية التي لا يرون أنفسهم خارجها، مما جعل النتائج التي يقدمونها كمحصلة اجتهاد ليس أكثر من إعادة إنتاج فكرة جاهزة.. ولم يكن فكر الرجل أسير تلك القوالب الجاهزة، فناقش قضايا العقل واللغة والدين والتاريخ والهوية والثورة والتراث والحرية والمستقبل.. ولم ينغلق في فكرة يدرك أصلا أنها في حكم مقولة -إذا اتسع المعنى ضاقت العبارة- لهذا فإن فكر محمد العربي ولد خليفة ينطلق من شعور ذاتي بالحاجة إلى مناقشة التاريخ ليس كحلقات منفصلة، أو بنظرة تجزيئية، إنما من منطلق واع يتمثل في كون فهم الحاضر لا يتم في فراغ إنما من خلال تواصل في التاريخ، واستنطاق التجربة الإنسانية، والجزائر حالة متفردة في هذا التاريخ، لهذا تبدو كتابات الرجل المستخدمة للغة الباحث والمفكر والدارس المتمحص، وكأنها تحمل إدانة حقيقية لحقبة استعمارية موسومة بفكر كولونيالي مقيت شوه الوعي وأدمى الوجدان وحاول تفكيك الذاكرة. إنّ تجربة ولد خليفة، تمثّل في رأيي، أرضية تفكير عقلاني، يمكن أن تتأسس عليها رؤية جزائرية خالصة تضبط معالم علاقتنا بالآخر، فمناقشة مسألة معطوبي حرب التحرير الجزائرية، والوضع النفسي لضحايا هذه الحرب من مجاهدين ومقاومين، كشف أمام ولد خليفة الباحث النفسي والاجتماعي والتاريخي حقائق كفيلة بتشكيل وعي حاد تجاه المستعمر الذي ترك وراءه ذاكرة جريحة تتعاطي مع تبعات حرب التحرير بقسوة وعناد…». ويشير الأستاذ عز الدين ميهوبي، إلى أن الدكتور محمد العربي ولد خليفة شغل على امتداد أربعة عقود وزيادة بقضايا فكرية شائكة ومعقدة«هي من جوهر المجتمع الجزائري بأبعاد العربية والإسلامية والإقليمية حتى..وناقش إشكاليات وأسئلة مرتبطة بتطور هذا المجتمع ومستويات الوعي وزوايا الرؤية ومناهج التفكير والتنمية فيه، وكان في كل مرة يبحث عن أجوبة لتلك الأسئلة التي تكبر مثل كرة الثلج وتتفرع عنها رؤى جديدة وتتشكل تصورات مختلفة، ويصعب مع كل هذا إيجاد المنهج الموحد للرأي المتعدد، فهو المثقف الرصين، والمفكر الجسور، والرائي المختلف، وهو يعتبر بمثابة منبر سمح باكتشاف الكثير من المثقفين والمفكرين، ولاسيما أنه دوماً يتسم بدعمه للأفكار الجديدة والجادة والجريئة التي تخدم المجتمع العربي، كما أنه واحد من القلائل الذين استطاعوا أن يوثقوا للشعب الجزائري ويقدموا خدمة جليلة للمؤسسات الجزائرية، وذلك من خلال توليه العديد من المناصب». ويذكر الدكتور مختار بوروينة، أن المفكر محمد العربي ولد خليفة سخّر حياته وقلمه خدمة للثقافة الجزائرية والعربية، فهو شخصية علمية متعددة الاهتمامات، كتب عن الثورة الجزائرية وعن المقاومة والفكر والمجتمع والتربية والتعليم، ويصفه بالمثقف المتواضع والنبيل والوفي لمبادئه وتاريخه وهويته، فهو مثقف قرر طوال مسيرته أن يكون خادماً للغة العربية لغة القرآن الكريم الخالدة. أما الأديب والباحث مرزاق بقطاش، فيصفه بالمفكر الذي«يبدي اهتماماً واسعاً بكل ماله علاقة باللغة،ذلك أنه مؤمن أشد الإيمان أن الوطنية الحقيقية إنما هي تلك التي تجعل اللغة مقوماً من مقوماتها الجوهرية، ولأنه خلافاً لكل ما يقول به القوميون وغير القوميين، يؤمن بالحديث المأثور بأن كل من تكلم العربية فهو عربي، وبأن هذه الجزائر بعربيتها وأمازيغيتها المتآخيتين منذ حوالي خمسة عشر قرناً من الزمان، عبارة عن مجموعة وفقاً لما تقول به نظرية المجموعات في الرياضيات الحديثة، لا يمكن أن ينفصل هذا العنصر عن ذاك ما دام مندرجاً ضمن مجموعة محددة المعالم، وكل من أراد أن يلعب مقلباً على هذه المجموعة وجد نفسه خارج الميدان بصورة تلقائية، بل إن هذه الجزائر تنتمي إلى هذا الحوض الحضاري العربي الكبير من حيث كونها عنصراً في المجموعة الكبيرة…والدكتور محمد العربي ولد خليفة يفرش دوننا سفرة ثرية بما لذ وطاب من الأطعمة الفكرية ويدعونا،من حيث يدري و لا يدري، إلى إعادة النظر في تاريخنا كله من أجل سد بعض الثغرات، وتقويم ما اعوج في بعض جوانبه، كل ذلك من دون إصدار الحكم القاطع عليه على غرار ما يفعله بعض المتطرفين، وليس أدل على ذلك من أنه ينتقل بين أطوار التاريخ، مغربيه ومشرقيه، أندلسيه وصحراويه، مغربلاً هناك،منخلاً هناك، ذلك أن سبائك الذهب لا تسلم نفسها إلا لمن عمل على استخلاص الشوائب منها، وذلكم بالذات ما نجح فيه الدكتور محمد العربي ولد خليفة» –انتهى كلام أ.بقطاش-. لقد أسهم الدكتور محمد العربي ولد خليفة إسهاماً بارزاً في إثراء الفكر التربوي الجزائري، وهو يطالب دائماً ومنذ ما يزيد عن أربعين عاماً بضرورة رفع أداء المنظومة التربوية في المدرسة والجامعة كونها مفتاح كل تقدم اجتماعي، ودليل من دلائل التحول في الجزائر الحديثة، ويشدد على ضرورة دعم اللغة العربية في مختلف هياكل ومنظمات المجتمع المدني باعتبارها اللغة التي تجمع جميع الجزائريين مع الحرص على عدم إغفال تعليم اللغات الأخرى، وكذلك لا بد من تحقيق الانسجام المجتمعي واحترام التنوع والخصوصيات المحلية في الجزائر، وينبه إلى أن أولى الأولويات التي لابد أن نهتم بها هي السعي والعمل من أجل تحرير العقول والانتصار على التخلف والتبعية، وهذا الانتصار ينطلق من إصلاح التفكير وتحقيق المصالحة، وهذا ما يُمكن من بناء مجتمع الحرية والعدل والتقدم في ظل دولة القانون التي تقوم على الكفاءة والاستحقاق لأنه بالسلم والسلام يمكن بناء مجتمع الحرية والعدل والتقدم. من خلال هذه الورقة نسعى إلى الوقوف مع مجموعة من الرؤى الفكرية التي قدمها الدكتور محمد العربي ولد خليفة عن المهام الحضارية للمدرسة والجامعة الجزائرية، والتي وصفها بأنها مساهمة في تحليل وتقييم نظام التربية والتكوين والبحث العلمي، وهي تنطلق من «تصور عام لدور ومكانة نظام التربية والتكوين والبحث، باعتباره خلاصة لرؤية حضارية عن دور ومكانة الأمة نفسها، ويتكون جوهر تلك الرؤية من السياق التاريخي، وما تراكم فيه من خبرات، وارث ثقافي محلي وإنساني يساعد على تحديد الأهداف الاجتماعية والأساليب السياسية لإنجازها». وبالنسبة إلى الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها الدكتور ولد خليفة من خلال تقديمه لمجموعة من الرؤى والأفكار التي تتعلق بالمهام الحضارية للمدرسة والجامعة الجزائرية، فهو يرمي إلى أن يضع بين يدي المسؤول والمدرس والطالب والقارئ العادي مجموعة من القضايا والأفكار والاقتراحات التي لا تنحصر في ما يدور داخل المدرسة والجامعة في بلادنا، بل تتسع إلى تحليل ونقد جوانب من التراث العلمي ومفاهيمه المتداولة في بعض ميادين التربية والتكوين والبحث. وينبه الدكتور ولد خليفة إلى أن المشاركة في المباشرة في التنفيذ أو الإشراف والمعاصرة للقضايا الأساسية والحساسة ينبغي أن لا تحجب عن الساسة والمفكرين أبعادها التاريخية ومضاعفاتها المستقبلية، ولذلك من الضروري أن يستمر الحوار النزيه والمسؤول الذي يتطرق إلى واقع وآفاق منظومة التربية والتكوين والبحث، بغرض تحديث مناهجها وربطها بتطلعات الشعب ومطامحه نحو التقدم والعدالة والرفاهية، وجعل المدارس والجامعات أشبه بمشاعل تطارد ظلام التخلف الذهني والسلوكي، وتلقن الأجيال القادمة أن المواطنة تعني حب العمل وإتقانه والغيرة على الوطن وتنمية تراث الأمة والاستماتة في الدفاع عن الحرية الفردية والجماعية. قسم الدكتور محمد العربي ولد خليفة دراسته الفكرية عن المهام الحضارية للمدرسة والجامعة الجزائرية إلى ثلاثة أقسام رئيسة: 1 – التربية والتكوين: المضمون والأهداف والمردود 2 – الجامعة والبحث العلمي 3 – خلاصة حوارية وقد اعتمد الدكتور محمد العربي ولد خليفة في تقديم رؤيته عن المهام الحضارية للمدرسة والجامعة الجزائرية على منهجية علمية رصينة، حيث قام بتحليل وتفكيك جملة من الظواهر، ووقف ملياً مع الكثير من القضايا المتصلة بنظام التربية والتكوين والبحث العلمي، ووفق وصفه فهي«مع موضوعية تستنطق الواقع و لا ترضى أن تسجن فيه،وتأنس إلى المسعى العلمي باعتباره أداة إجرائية، وليس طقوساً شكلية، وهي مساهمة متواضعة في ميدان يلتقي فيه الحاضر بالمستقبل، وتتطلب معالجته من داخله شيئاً من المعاناة الشخصية، وكثيراً من الشجاعة الأخلاقية». – التربية والتكوين: المضمون والأهداف والمردود: في القسم الأول، تطرق الدكتور محمد العربي ولد خليفة إلى جملة من الإشكاليات المتعلقة بالتربية والتكوين وأهدافها، وبالنسبة إلى المدرسة الجزائرية، فقد قام بعرض مجموعة من القضايا الاجتماعية والتربوية التي تهم الأطراف الثلاثة التي تقوم عليها العملية التعليمية والمتمثلة في المنهاج والمعلم والبيئة، وينطلق الدكتور محمد العربي ولد خليفة بالتذكير بأن من أهم أسباب الانفصال بين الأجيال والصراع بين العقليات ما يلاحظ في الحصيلة التعليمية من نزعة إلى التراجع إلى الوراء والتغاضي عن الحاضر، وهذا ما يسيء إلى التراث و لا يحبب الناشئة فيه، فالحرص على الجيد من التراث هو الذي يدعونا إلى ضرورة إخراجه في ثوب جديد لغة وعرضاً ومضموناً، ويشدد الدكتور ولد خليفة على أن الاهتمام التربوي بالتراث يعني فيما يعني«تعصيره»،أي جعله يعايش ظروفنا ويتكيف لتطورنا،فبهذه الطريقة يمكن استدعاء الماضي الحضاري لمحاورته وجمعه مع الحاضر ومقارنته به وتأصيله،فليس هناك ما هو أفضل من المحتوى التعليمي لجمع الماضي بالحاضر ودفعهما معا ً نحو المستقبل. ومن بين ما أشار إليه الدكتور ولد خليفة، وهو بصدد الحديث عن المضمون التعليمي، أن«إصلاح المضمون التعليمي لا يؤتي أكله كاملاً إلا إذا بدأ بإصلاح المستوى القاعدي في الابتدائي والثانوي وامتد بعد ذلك إلى المستوى الجامعي، فالمدرسة لا يمكن اعتبارها مجرد قناة تعبر منها المعرفة والتكوين، حيث إنها تتأثر بالمحيط وتؤثر فيه، على الأقل من الناحية المظهرية، ولكننا نلاحظ أن الجماعة المدرسية على الرغم من كثرتها العددية لا نكاد نلمس وجودها الفعلي في البيئة المحلية، فالجو التعليمي قاصر على الفصل المدرسي فقط…ونلاحظ أن مؤسساتنا التربوية من معاهد ومدارس لا يحيط بها في كثير من الأحيان إلا المقاهي والدكاكين، و لا تمارس التأثير التثقيفي المطلوب، قد يرجع ذلك إلى حداثة تلك المجمعات، وإلى عدم تبلور التقاليد التعليمية الجديدة، ولكن مما يلفت الانتباه أن عادة القراءة خارج الأماكن الخاصة بها مثل المكتبات العامة والمدرسية (وهي لا تكفي اليوم الأعداد الضخمة من التلاميذ والطلاب ولا تلبي حاجتهم من الكتب والدوريات الحديثة) نادرة جداً بيننا، فقد يتعرض الشخص لنظرات التعجب والاشمئزاز إذا أمسك بقلم أو استغرق في كتاب لغرض الدراسة أو الترفيه في الأماكن العامة، وقد لا تقع عينك على شخص واحد يفعل ذلك وأنت تجوب شوارع المدن والقرى التي تكثر فيها المقاهي ويتزاحم عليها الناس» (يُنظر: د. محمد العربي ولد خليفة: المهام الحضارية للمدرسة والجامعة الجزائرية، مساهمة في تحليل وتقييم نظام التربية والتكوين والبحث العلمي، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر.د.ت، ص: 31). اهتم الدكتور محمد العربي ولد خليفة بالعوائق النفسية والاجتماعية التي ترافق التحصيل المدرسي في المرحلة الابتدائية، ولفت الانتباه قبل مناقشته لهذه العوائق إلى ضرورة وضع مجموعة من الاعتبارات المنهجية في الحسبان، وقد أوجزها في: «1 – أن التخلف الدراسي ليس عملية وراثية، فإذا ما انتفت الأسباب العضوية المتصلة بالأجهزة المخية والعصبية والغذية والحسية الحركية، فإن جميع التلاميذ قادرون على تحقيق تحصيل دراسي عادي، ولم تبرهن مقاييس الذكاء والقدرات والاستعدادات على وجود تمايز في مستوى التحصيل الدراسي يرجع إلى حالة فطرية في التلميذ نفسه، وأن تعليل التخلف الدراسي بمثل تلك الاعتبارات ينبني في الواقع على مسلمة مغلوطة مؤداها أن الناس مصنفون منذ الميلاد في طبقات تتدرج في السلم العقلي والنفسي مثلما تندرج في السلم الاقتصادي والاجتماعي، وقد برع في هذه اللعبة كثير من علماء النفس والتربية… 2 – أن التحصيل الدراسي لا يتم بطريقة ثنائية تقتصر على المعلم والتلميذ فحسب، فهناك من جهة المنهج الدراسي ودرجة مرونته ومسايرته للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، وهناك من جهة أخرى الوسط الاجتماعي أي المسافة التي يقطعها التلميذ من الأسرة حتى المدرسة وتشمل هذه المسافة عملية التطبيع باعتبارها (الختم) الأول الذي لا تنمحي آثاره وطريقة الطفل في تلقي مؤثرات البيئة. فالأسرة باعتبارها الجماعة المرجعية الأولى، وخاصة في مجتمعنا الذي مازال يسوده نسق العائلة الممتدة، وتعتبر مثل هذه الأسرة الوسط الأول الذي يتم من خلاله صقل الطفل وإعداده لعملية التحصيل المقصود في المدرسة، وأي هفوة تقترف في هذه المرحلة تصبح بذرة للاضطراب والانحراف، إن الأسرة وإن كانت الوسط الأول الذي تتم من خلاله عملية التطبيع، فإن الطفل لا يتلقى تقاليد المجتمع وقيمه وعاداته ومعاييره تلقياً محايداً كما يتوهم البعض، فهو ينتقي ويصوغ ما تلقاه وفق فردية لا يشاركه فيها أحد، وهذا هو سر التغاير بين الأجيال، فلا يمكن أبداً أن تنتقل الأنساق الثقافية والاجتماعية انتقالاً آلياً من جيل إلى جيل، إلا إذا تحجرت التنظيمات الاجتماعية، كما أن الجماعة نفسها لا تقتصر على مجرد نقل الثقافة، أي أنها ليست ممراً للتراث الاجتماعي والثقافي فحسب، بل إنها تصل الأفراد بواسطة شبكة من العلاقات وتوزيع الأدوار وتحديد المكانة والوضعية الاجتماعية و تزودهم بمقاييس للحكم أو ما يسميه رالف لينتون بمركب القيم والاتجاهات التي تصبح فيما بعد نماذج للولاء والانتماء بحيث يعجز الفرد عادة على التخلص من مواضعاتها وقوانينها خشية النبذ والحرمان.
3 – أن المؤسسة المدرسية ليست وحدة منعزلة عن الهيكل الاجتماعي العام بمختلف بنيانه، فهي في الواقع حلقة في السلسلة الاجتماعية، وهي وإن كانت أهم حلقاتها من حيث الحجم والتنظيم بعد المؤسسة العسكرية، فإن وظيفتها لا تكتمل إلا إذا تآزرت معها جهود المؤسسات الاجتماعية الأخرى المتصلة بها مثل الأسرة والنادي والبلدية والجماعات التلقائية وهي تلك الجماعات التي يكونها أطفالنا في الأحياء المكتظة بالسكان بوجه خاص وتتخذ نواص الشوارع ومنعطفات الأزقة مسرحاً لنشاطها الترويجي وغير الترويجي، وكذلك وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعات والملصقات التي تلعب دوراً هاماً في توجيه اهتمام الطفل وخاصة في مرحلة الطفولة الثالثة التي يتعرض فيها لخطر التخلف الدراسي. إن هذا التكامل والتآزر لا يعفي إعفاء المؤسسة المدرسية من مسؤولياتها التربوية، إذ عليها أن تستقطب اهتمامات التلميذ في حل التناقضات التي يعيشها خارج جدرانها وهي تناقضات ناشئة عن التحولات السريعة والمتلاحقة في البنيات الاجتماعية التقليدية والريفية تجعل الطفل يشهد عدداً من النماذج السلوكية أو العقليات المتعارضة وهي في مواجهة وصراع لا هوادة فيه، فهناك هوة سحيقة بين النمط التقليدي والريفي للحياة وبين مطالب المدينة ومقتضياتها، ففي المؤسسة المدرسية يمكن أن تحدث أكبر تنمية يشهدها المجتمع ألا وهي ترقية الإنسان وتحريره من أغلال الأمية والإطاحة بالبدع والشعوذة والاتجاهات الرجعية، إن التنمية المادية للمجتمع لا يمكن أن تؤتي أكلها إلا إذا سبقتها وواكبتها تنمية إنسانية تجمع الكم إلى الكيف وتعنى بالمضمون التربوي، كما تعنى بأساليبه ومناهجه» (يُنظر: د. محمد العربي ولد خليفة: المهام الحضارية للمدرسة والجامعة الجزائرية، ص:41 وما بعدها). يُرجع الدكتور محمد العربي ولد خليفة أسباب التأخر الدراسي إلى مجموعتين كبيرتين من العوامل: تعود أولاهما إلى الطفل بالدرجة الأولى وتتصل الثانية بالبيئة المحيطة به. فمن بين العوامل التي ترجع إلى الطفل نفسه ضعف الصحة وسوء التغذية والعاهات الخلقية، وهي عوامل تسهم في الحد من قدرة الطفل على بذل الجهد ومسايرة زملائه في الدراسة، ومن بين العوامل التي يشير إليها الدكتور ولد خليفة عيوب النطق وأمراض الكلام، وهي تؤدي إلى عجز التلميذ تماماً عن التحصيل وتؤدي به إلى سوء التوافق مع نفسه ومع الآخرين، وقد تطرق الدكتور ولد خليفة إلى عيوب النطق بتوسع وتفصيل، حيث يقول في هذا الصدد: « ونظراً لأهمية هذا العامل وعلاقته بالتحصيل المدرسي، فسوف نفصل القول في أغراضه وأنماطه ومن أهمها: التمتمة وهي اضطراب في الصوت وعجز عن نطق بعض الحروف أو تكرار نطقها عدة مرات، وتظهر التمتمة عادة في سن الخامسة وتشتد في الحادية عشرة وفي مستهل المراهقة وتلاحظ التمتمة في شكلها الأولي لدى الأطفال قبل أن يبلغوا الثالثة من العمر عندما يبدأون في تعلم الكلام ولكنها قد تتواصل بعد ذلك وتتخذ شكلاً مرضياً، فيجد الطفل صعوبة كبيرة في نطق ما يقرأ وقد يصحب نطقه بتشنج في عضلات الوجه والفم وتصل التمتمة في حالتها القصوى إلى عجز التلميذ عن الإفصاح فيضطر إلى إكمال أجزاء كلامه بواسطة الإشارات والحركات. وهناك نوع آخر من عيوب النطق هو الحبسة أو الديسفازيا وهي عبارة عن مجموعة من الاضطرابات تجعل الشخص عاجزاً عن استخدام اللغة منطوقة كانت أو مكتوبة فتتوقف الكلمات في الحنجرة ويصعب على الطفل إخراجها في صورة واضحة ومفهومة، وقد فسر الجراح (بروكا) هذه الأعراض بأنها ناتجة عن إصابة في المخ تؤدي إلى الحبسة عندما تكون في الجهة اليمنى بالنسبة للأيسر، وهناك عدة أنواع من الحبسة تختلف درجة خطورتها حسب السن وتاريخ الإصابة ومدى ما حققه التلميذ من تحصيل قبل حدوث العاهة. – ويمكن بصفة عامة التمييز بين أربعة أشكال للحبسة هي: * صعوبة التعبير أي أن التلميذ يجد صعوبة بالغة في النطق بوضوح، فهو يخلط بين الكلمات أو ينطق عدداً منها من مخرج واحد. ب- العجز عن الكلام والقراءة ويظهر ذلك في اللجلجة والتلعثم مع البطء بين تركيب الحروف وتركيب الكلمات والجمل. ج- العجز عن التعبير وصعوبة فهم المسموع من الكلام وهي حالة يوشك فيها المصاب على فقد صلته بالآخرين. د- نسيان بعض الكلمات والعجز عن ربطها في علاقات، وفي هذه الحالة تكون بعض الكلمات واضحة نسبياً، وبعضها الآخر لا صلة له بما قبله وما بعده، وهذه الفجوات التي يسببها النسيان تكون نتيجة لمرض القصاع» (ص: 45 وما بعدها). وفي سياق عرضه لمواقف الإحباط و الزمت، توقف الدكتور محمد العربي ولد خليفة مع مجموعة من الصور التي يحدث بها الإحباط والتثبيط من بينها: * أن يتوفر الموقف النفسي الاجتماعي على ما يثير اهتمام الطفل أو يمس في نفسه رغبة أو ميلاً، وكلما اشتد إلحاح الرغبات والحاجات كلما كان تعوقها أكثر مدعاة للزمت وأثقل وطأ على النفس، فالطفل الذي لا يجد إرضاء لذاته الاجتماعية بين أفراد أسرته، وتتوالى عليه مواقف النبذ والسخرية، سرعان ما يفقد ثقته في نفسه ويلجأ إلى استخدام آليات دفاعية تبعده عن الهدف وتعطيه صورة عن قدراته وإمكانياته. * * أن يتفاعل الطفل مع الموقف أو يشترك فيه بالفعل أو التمثيل أملاً في الحصول على نتيجة، فإذا ما اقترب من الحصول عليها ثم منع كان التثبيط شديد الوقع في نفسه، ويحدث هذا في الأسر التي يلح فيها الآباء على طلب الكمال من أبنائهم، وبالتالي يضخمون ذاتهم المثالية. ج- أن يعتقد التلميذ أن تردده على المدرسة يشكل عبئاً على أسرته، ويتطلب منها تضحيات لا قبل لها بها، فإذا حدث أن كبا به الجواد في مادة من المواد تحولت الكبوة إلى سقوط في هاوية اليأس والتشاؤم وتأنيب الذات، ويصل الأمر ببعض التلاميذ إلى التخلي نهائياً عن مقاعد الدراسة، وكأنهم بذلك يكفرون عن سيئة ارتكبوها في حق أوليائهم»( للتوسع يُنظر: د. محمد العربي ولد خليفة: المهام الحضارية للمدرسة والجامعة الجزائرية، ص:49 وما بعدها). ناقش الدكتور محمد العربي ولد خليفة مجموعة من القضايا المتصلة بالقراءة وأهميتها الحضارية وصعوباتها النفسمجية في المرحلة الابتدائية، وقد ذكر في رصده للأهمية الحضارية للقراءة أنها تكاد تكون السبيل الوحيد للاتصال بالتراث المكتوب، وهو تراث يتزايد تراكمه وتماسكه جيلاً بعد جيل، ويحمل بين طياته خلاصة ما أبدعته الأمة والإنسانية بوجه عام من قيم وعقائد ومذاهب وفنون، ومن البديهي أنه لا يمكن إثراء ذلك التراث وتمحيصه، إلا إذا تم أولاً استيعابه، وتزداد أهمية القراءة – كما يذكر الدكتور محمد العربي ولد خليفة – حينما ندرك بأن جزءاً كبيراً من الصراع بين الأنظمة السياسية والاجتماعية يكتسي طابعاً ثقافياً، فقد أصبح بالإمكان نقل المقرؤ والمرئي والمسموع عبر الأثير بوساطة الكواكب الصناعية. – الجامعة والبحث العلمي: ركز الدكتور محمد العربي ولد خليفة على الكثير من القضايا المتعلقة بالجامعة الجزائرية ودورها في تنمية الخبرة الوطنية، وانطلق في تحليله للكثير من الإشكاليات المتصلة بهذا الموضوع بالتأكيد على أن أكبر خطر يهدد المؤسسة الجامعية هو اتجاهها نحو التسيير البيروقراطي النمطي الذي يجعل الإدارة غاية في حد ذاتها. بحيث يقتصر العمل الجامعي على إتمام إجراءات ورقية يستغرق الجهد و يستنفد الطاقات، ويرى أن من أهم عوامل نجاح مؤسساتنا الجامعية هو تكوين الإطار الإداري المتخصص، وبناء الهيكل التنظيمي المرن، ويوجز الدكتور ولد خليفة الخصائص التي يتميز بها الإداريون في: أ– الإلمام بشؤون التسيير ومعرفة طبيعة العمل في المعاهد والكليات، والخبرة الفنية، في كل ما يتعلق بالجوانب المالية والتنظيمية، والقدرة على معالجة المشكلات المادية التي تعترض الأساتذة والطلاب. ب– أن يعمل الإداريون الخاصون بالتعليم العالي، وفق نظام يصلهم مباشرة بالأجهزة الأخرى المشتركة في العملية التعليمية، وهناك عدة صيغ لتحقيق هذه الصلة وضمان فعالياتها، تبدأ بالوحدات التعليمية وتصل إلى مستوى مراكز الإشراف والتنظيم (رئاسة الجامعة والمعهد). يشدد الدكتور ولد خليفة على ضرورة التمييز بين العمل الإداري والتربوي، وهذا ما يمكن من يتولون المسؤوليات من توجيه جهودهم إلى ميادين أخرى، يذكر من بينها: أ- تحديد الأهداف التي يسعى إليها البرنامج التعليمي، ومناقشة الأولويات التي تقتضيها مخططات التنمية، وحفز الأساتذة بوساطة الحوار الديمقراطي البناء على الانخراط في حلقات البحث وتهيئة الظروف الضرورية للعمل العلمي الجماعي بين الاختصاصات المتباينة. ب- بعث روح نقدية شجاعة لفحص المحتوى التعليمي وطرح المشكلات الناجمة عن البرامج والمناهج التي لا تتجاوب مع التغيرات الجديدة في البيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وسن تقاليد أخلاقية تحترم الروح العلمية وتمنع من تحويل التنافس النزيه إلى صراع أجوف.. * المساهمة الجماعية في وضع الأسس الصحيحة لتربية جامعية أيديولوجية، ووضع كل ذلك في منظور متطور، فإن الثورة الحقيقية هي الثورة التي تنتمي إلى عصرها ومعاصريها، وتأخذ من ماضيها أنصع ما فيه، و تضيف إليه من الحاضر ما ينميه. ويذكر الدكتور محمد العربي ولد خليفة أن من أهم العقبات التي حالت دون تطور البحث العلمي في مستوى الدراسات العليا هو عدم التمييز بين التنظيم الإداري والتنظيم العلمي مما جعل الأساتذة وطلاب الدراسات العليا يعجزون عن المبادرة في أكثر الميادين التصاقاً بمهنتهم ووظيفتهم في المؤسسة الجامعية، وفي السياق عينه يقدم الدكتور ولد خليفة مجموعة من الملاحظات التي تتصل بتنظيم البحث الجامعي في ضوء توجهات المنظومة التربوية وآفاقها المستقبلية، ومن أبرز الملاحظات التي أشار إليها: 1 – يعتبر التعليم العالي إحدى حلقات التكوين التي يبلغ فيها النضج العقلي لدى المتكونين درجة تسمح باستعمال القدرات الذاتية وخاصة منها التحليل والتركيب والنقد والاستنتاج أي يفترض تحكمهم -إلى حد ما- في مفاتيح المعرفة العامة واستعدادهم لفحص التراكم العلمي وإعادة صياغته ومحاولة الإضافة والتجديد في الاختصاص الذي اختاروه عن طريق البحث العلمي التلقائي أو الموجه… 2 – إن حالة الانسحاق الثقافي التي عاناها شعبنا طيلة ليل الاستعمار الطويل والمسخ والتشويه المنظم كانت سبباً ونتيجة للتخلف والركود الذي شمل الجزائر قبل الاحتلال وأثناءه كما أصاب غيرها من بلاد العالم الثالث والأمة العربية والإسلامية بوجه خاص فتوقفت عن التنمية في جميع المجالات وخبت جذوة الإبداع وعمها الفقر الثقافي قبل أن يجتاحها الفقر الاقتصادي وتسقط فريسة الاحتلال الاستيطاني أو الحماية المهينة… 3 – من المقاييس الموثوق بها لتقييم مردود الجامعة الخبرة التي تنتجها من ناحيتي الكم والكيف ومدى تلبية تلك الخبرة لحاجات التنمية الاقتصادية والثقافية الراهنة والمتوقعة ومدى مساهمة نشاطات البحث الأساسي والتطبيقي في الجزء الأكبر تقدماً من العلم والمعرفة، ويعرف ذلك إما بإعادة تنظيم المعرفة والإضافة إليها، وإما بعدد براءات الاختراع في العلوم والفنون، وهي المنطقة التي ترسم فيها الآن ملامح القرن القادم، وما سيكون عليه فن الحياة.