شلت مظاهر الحياة أمس، في كبريات المدن السودانية لليوم السادس على التوالي منذ اندلاع المظاهرات الاحتجاجية بعد دخول مختلف القطاعات المهنية موجة الاحتجاجات بشنها إضرابا عن العمل، ضمن تصعيد لم يكن متوقعا في حراك شعبي اندلع بسبب قرار الحكومة مضاعفة سعر رغيف الخبز ثلاث مرات. وحسب متتبعين فإن هذه الموجة من الاحتجاجات والمواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن تعتبر أصعب امتحان شعبي يواجهه الرئيس عمر حسن البشير، منذ توليه مقاليد السلطة في السودان قبل ثلاثة عقود. وأغلقت مختلف الهيئات والمؤسسات الرسمية في السودان أبوابها أمس، تلبية لنداء "تجمع القطاعات المهنية" الذي دعا الى إضراب عام في البلاد ضمن خطوة لتشديد الضغط على السلطات الحكومية لثنيها عن قرارها برفع سعر الخبز مع كل التبعات التي ستنجم عن هذا القرار، وخاصة في مجال رفع الدعم عن مختلف المواد الأساسية التي ستحدث زلزالا في القدرة الشرائية لشرائح واسعة في المجتمع السوداني. وحسب عدة تقارير فإن المستشفيات كانت من بين المؤسسات السباقة إلى الالتزام بنداء الإضراب عن العمل، حيث انضم عمالها إلى موجة المحتجين، وأكدت هيئة الأطباء السودانيين التي تعد من أهم التنظيمات النقابية التي أعطت قوة للمتظاهرين لمواصلة احتجاجاتهم لليوم السادس على التوالي في بيان أصدرته أمس، أنها ستسلم لمصالح الرئاسة بداية من اليوم طلبا رسميا للرئيس عمر حسن البشير، لتقديم "استقالته الفورية تلبية لإرادة الشعب السوداني"، وتشكيل حكومة انتقالية لتسيير المرحلة القادمة. وخرجت المظاهرات الاحتجاجية أمس، عن إطارها المطلبي الاجتماعي بسبب غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية إلى الشق السياسي بعد أن رفع المتظاهرون شعارات سياسية كان أبرزها "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهو نفس الشعار الذي رفع في كل ثورات ما أصبح يعرف ب "الربيع العربي" التي هزت عدة بلدان عربية من تونس إلى مصر إلى ليبيا وصولا إلى اليمن وسوريا، ولا يستبعد نتيجة لذلك أن يكون قرار الحكومة بمضاعفة سعر رغيف الخبز بثلاث مرات سوى شرارة مهدت لحراك سياسي قادم قد تواجهه السلطات السودانية، وخاصة وأن مظاهرات "ثورة الخبز" الحالية جاءت كحلقة مكملة لمظاهرات شهدتها السودان بداية العام الجاري، بسبب غلاء المعيشة ولكن السلطات السودانية تمكنت من احتوائها في حينها باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، ومنعت توسع شرارتها من العاصمة الخرطوم ومدينة أم درمان المجاورة إلى المدن الأخرى. وما يزيد في احتمالات تحول المظاهرات من مجرد احتجاج على قرار حكومي يخص القدرة الشرائية لعامة السودانيين إلى حراك سياسي، حملة الاعتقالات التي شرعت فيها قوات الأمن السودانية ضد وجوه سياسية معارضة بدعوى أنها استغلت الاحتجاجات لأغراض سياسية حزبية ضيقة ووصفتهم ب«المتسللين" في أوساط المتظاهرين لتحريضهم على العنف وتخريب الممتلكات. وفي انتظار التطورات والمنحى الذي ستأخذه "ثورة الخبز" في السودان، تواصلت المظاهرات أمس، حتى في قلب العاصمة الخرطوم لجأت خلالها تعزيزات الشرطة إلى استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين في مشاهد عرفتها مدينة أم درمان المجاورة التي عرفت خروج آلاف المتظاهرين الذين رددوا شعارات مناهضة للحكومة رغم التعزيزات الأمنية التي نشرتها السلطات السودانية في هذه المدينة التي يقيم فيها زعيم المعارضة السودانية ورئيس حزب الأمة، الصادق المهدي، العائد لتوه من المنفى. وأكدت عدة مصادر أن قوات الأمن منعت المتظاهرين كانوا يعتزمون عبور الجسر المؤدي إلى قلب العاصمة الخرطوم والوصول إلى أمام مقر قصر الرئاسة السودانية.