أخذت شرارة الانتفاضة الاجتماعية التي تعيشها تونس هذه الأيام وقبلها بأيام الجزائر، تمتد إلى بلدان عربية أخرى، وهو ما يوحي بأن ثورة الفقراء بدأت تنتشر من تونس باتجاه بقية البلدان العربية، بعد أن تناقلت وكالات الأنباء العالمية مؤشرات لانفجار الأوضاع في موريتانيا والسودان، وما دامت الأوضاع الاجتماعية في البلدان العربية متشابهة، فإن انتشار اللهيب أصبح أكثر من وارد. نظمت أحزاب المعارضة الموريتانية يوم أول أمس الخميس مسيرة شعبية صاخبة انتهت بتجمع واسط العاصمة نواكشط، انتقدت فيه تردي الأوضاع المعيشية في بلادها وانتشار البطالة في صفوف الشباب، ونبهت إلى أن تجاهل هذه الأوضاع يهدد بعدم الاستقرار، ودعت إلى أخذ العبرة من أحداث تونس، وفي هذا التجمهر دعا رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض محمد ولد مولود سلطات بلاده إلى أخذ العبرة مما يجري في تونس من احتجاجات اجتماعية، وأن تراجع بسرعة ما وصفها ''بالسياسة العرجاء'' لا يخدم ضمان العدالة واستحداث وظائف للعاطلين وضبط الأسعار. واتهم الحكم القائم بالفساد، معتبرا أن الأموال العمومية تتحكم فيها مجموعات صغيرة ممن وصفهم ''بالفاسدين'' لا تلقي بالا للأوضاع السيئة التي تعيشها غالبية السكان. ودعا إلى التحقيق في الأموال التي أنفقتها السلطات على إقامة عدد من الطرق في العاصمة نواكشوط، قائلا إن فسادا كبيرا يشوب منح صفقاتها. من جهته حذر رئيس مجلس النواب الموريتاني السيد مسعود ولد بلخير الذي كان أول المتحدثين في المهرجان الذي سمي بمهرجان المعارضة، إذ حذر من انتشار البطالة في البلاد ودعا النظام إلى انتهاج سياسات وتوجهات تخدم الشعب الموريتاني وتحقق طموحاته. ورفض ولد بلخير في كلمته ما وصفه ب''الحملة الساقطة'' التي تشنها أحزاب الأغلبية الموالية للرئيس محمد ولد عبد العزيز لتشويه المعارضة، ودعاها إلى التوقف عن النيل من قياداتها وتجريحهم والإقبال على العمل بدل الكلام. وقال المتحدث إن الشعب الموريتاني يتطلع إلى إجراءات حقيقية تتمثل في تخفيض أسعار المواد الأساسية والقضاء على البطالة ومخلفات ظاهرة الرق، إضافة إلى ضمان الحريات العامة. وأكد في الوقت أن سياسات النظام القائم لن تضمن له الاستقرار في الحكم ما لم يغيرها إلى سياسات تخدم الشعب وتحقق مطالبه وطموحاته. أما زعيم المعارضة الموريتانية أحمد ولد داداه فقد اتهم السلطات ''بالتلاعب'' بالمواطنين من خلال شعارات الانحياز إلى الفقراء ومحاربة الفساد. واتهم السلطات بالبقاء مكتوفة الأيدي أمام الارتفاع المذهل للأسعار، وبالتخبط وغياب التخطيط. الملاحظ أن تحرك الأحزاب المشاركة في السلطة واحتجاجات المعارضة جاء بعيد ساعات من اندلاع مظاهرات محدودة قادها تلاميذ المدارس في حي ''عرفات'' بالعاصمة نواكشوط مطالبة بخفض أسعار المواد الأساسية. وقد تدخلت قوات الشرطة والدرك لتفريق تلك المظاهرات، وسط مخاوف من انتقال عدواها إلى المؤسسات التعليمية الأخرى. كما جاء بعد اليوم الخامس من إضراب طلبة جامعة نواكشوط الذين طالبوا بحل مشاكل النقل الجامعي وتحسين ظروف الإقامة في المرافق الجامعية وتطوير المكتبات. في نفس هذا السياق نقلت وكالة الأنباء الفرنسية أن آلاف الأردنيين تظاهروا يوم أمس الجمعة بالعاصمة عمان ومدن أردنية أخرى، منددين بغلاء المعيشة ومطالبين بسقوط الحكومة، وكان من بين الشعار المرفوعة التي قادها يساريون هذه المرة ''لتسقط حكومة الرفاعي'' و''جوعى وغضبى'' والخبز خط أحمر'' أما بالسودان فقد اشتبك مواطنون يتقدمهم الطلبة، رفضوا قرار البرلمان القاضي برفع الأسعار، مع رجال الشرطة في الخرطوم والعديد من المدن السودانية الأخرى. وقد فرقت الشرطة بالقوة احتجاجا للطلاب في مدينتي الخرطوم ومدينة وادي مدني الزراعية الرئيسية الواقعة في ولاية الجزيرة الزراعية شمال السودان. وفي هذا الشأن قال أحد الطلبة المحتجين لوكالة الأنباء الفرنسية، إن الطلاب خرجوا في احتجاج ثان يوم الخميس وتعرضوا للضرب بالهراوات من قبل الشرطة التي فرقتهم بإطلاق الغازات المسيلة للدموع، وقال هذا الطالب إن عربات الشرطة حاصرت جامعة الجزيرة وما زالت تغلق كل الطرق المؤدية إليها. وبمدينة الحصاحيصة الواقعة إلى الجنوب من الخرطوم، فقد روى شهود عيان أن حوالي خمسمائة طالب تجمعوا في حرم الجامعة منددين بغلاء المعيشة، غير أن الشرطة تدخلت وفرقتهم بعنف. للإشارة، جاءت هذه الحركة الاحتجاجية بعد أسبوع من تبنى البرلمان مجموعة من إجراءات التقشف التي تهدف إلى تعزيز الاقتصاد السوداني الذي تثقله الديون الخارجية، وضعف قيمة العملة بسبب حالة عدم الاستقرار الناتجة عن انفصال الجنوب. وفي هذه الإجراءات وافق البرلمان السوداني على تخفيض الدعم الحكومي للوقود والسكر.