في قلب صحراء الجزائر، وداخل مجتمع تشرئب رقاب أطفاله شوقا للعلم وطلبا للمعرفة، ولا يجدون غالبا إلا تعليما يرتكز على الحفظ، ولا يضيف شيئا يبني قدرات الأطفال المختلفة، من أجل ذلك، حققت مدرسة "تاونزة" كصرح تربوي علمي، وبفضل جهود المشرفين عليها والأساتذة الذين ساهموا في تأسيسها، إنجازات كثيرة منذ انطلاقتها الأولى عام 2007. «تاونزة" كلمة أمازيغية تعني في لهجة سكان غرداية "الأمل"، اختيرت اسما لهذه المدرسة العلمية الخاصة على أمل أن تصبح ذات يوم رمزا للعمل والتفوق، وقد كان لها ذلك، حيث استطاعت أن تحقق الكثير من الإنجازات داخل وخارج الوطن، وتتفوق على الكثير من المدارس الوطنية والعربية في مختلف المسابقات والنشاطات العلمية. فخلال فترة وجيزة لا تزيد عن 11 موسما دراسيا، تمكن جيل هذه المدرسة من منافسة أقوى وأقدم المدارس محليا وعربيا، من ذلك فوزها بالمرتبة الأولى في أولمبياد اللغة الإنجليزية في العمل الجماعي بالأردن في ماي 2018 حول موضوع الصحة، واحتلالها المرتبة الرابعة في مسابقة تحدي القراءة العربي بدولة الإمارات لعام 2016، وتحقيق المرتبة الثالثة في مسابقة قطار المعرفة لمرتين على التوالي عامي 2014-2015 وغيرها من الإنجازات. تجديد وتطوير كل العناصر في العملية التعليمية نجاح هذه المدرسة لم يكن سهلا، بل كان ثمرة جهود مضنية وعمل جماعي كبير، حسبما أكده مدير العلاقات العامة للمدرسة، السيد إلياس حاج موسى الذي قال "في البداية، قمنا باختيار المنهج الدراسي والتربوي الذي نريده، وبعد دراسات معمقة للكثير من التجارب العالمية لمدارس علمية في أوروبا وماليزيا، اخترنا منهجنا الذي يجمع بين هذه التجارب العالمية، وبين مقرر وزارة التربية الوطنية، والذي يتميز عن المدارس الوطنية بإضافة تعليم اللغتين الإنجليزية والفرنسية منذ السنة الأولى ابتدائي، ومادتي الإعلام الآلي والروبوت، بالإضافة إلى مادة الإبداع المرادف للتربية التشكيلية". أضاف محدثنا يقول، إن التجديد في المقرر الدراسي عملية مستمرة، حيث يعمل الفريق الفني للمدرسة على إدراج مواد جديدة حسب الحاجة "هدفنا هو أن نجعل من ‘تاونزة' مدرسة الحياة، أو ما يعرف بالمدرسة متعددة الفرص التي تعنى بتنمية قدرات التلميذ وذكائه من كل نواحيه، المدرسة الحالية تنمي فقط قدرات الطفل في الحفظ والحساب، أما نحن فنسعى أيضا إلى تنمية الذكاء الاجتماعي والعاطفي للطفل". فضلا عن ذلك، شرعت المدرسة مؤخرا في إنشاء نادي المقاولاتية لتلاميذ الطور الثانوي، وهو ناد يهدف إلى تلقين التلميذ فنيات إدارة المشاريع وإعداده، تحسبا لتولي مسؤوليات أو إنشاء مشاريع في المستقبل. خلافا للمدارس الابتدائية التي تعتمد على معلم واحد لتلقين التلاميذ كل المواد المقررة، تهتم مدرسة "تاونزة" بتخصيص معلم لكل مادة، اعتقادا بأن الطريقة الأولى ثبت علميا أنها منافية لقواعد التعليم الحديث. من بين المشاريع المبتكرة والجادة التي تساهم في إنجاح العملية التربوية داخل هذه المدرسة، مشروع "معتكف الرباط البحثي"، وهو أن يلتزم الأساتذة طيلة 15 يوما من أيام الصيف، بالبحث والتنقيب في إعداد مناهج دراسية جديدة، أو إعداد مؤلفات تساعد التلاميذ وأولياءهم على فهم المقررات الدراسية ومتابعتها، وقد نتج عن "المعتكف" في طبعته الأولى صائفة 2014، إصدار وإتمام 09 مؤلفات وإخراجها بشكل مطبوع لفائدة مجتمع المدرسة (تلاميذ، طاقم تربوي، أولياء)، وإصدار 05 مؤلفات في الطبعة الثانية في صائفة 2015، والعملية لازالت مستمرة إلى اليوم. كما يعتبر مشروع "وسام الأسرة الفاعلة" من بين المشاريع القوية داخل المدرسة، ويهدف إلى تحقيق التواصل الفعال والمستمر بين البيت والمدرسة، باعتبار أن حياة التلميذ في المدرسة لا تنفصل عن حياته اليومية في البيت، حيث تعتبر المدرسة شريكا أساسيا في عملية التنشئة الاجتماعية للطفل، بل وتعتبر الفاعل المؤثر الأكثر أهمية في حياته. لتعزيز الصلة بين كل المعنيين بعملية تعليم الأطفال، أطلقت المدرسة تطبيقا اسمه "Classe de jo"، وهو عبارة عن موقع تواصلي خاص بالتلاميذ والأولياء والأساتذة والإدارة، حيث أن لكل ولي حساب مع معلم ابنهم، يمكّنه من متابعته يوميا أينما كان. القيادة المرنة عامل مهم في النجاح من بين العوامل الأساسية التي ساهمت في نجاح المدرسة، وجود قيادة فعالة لها ميولات علمية، سبق لها الاشتغال في مجال البحث العلمي التربوي. ولضمان قيامها بدورها بالشكل الأمثل، تعمل على متابعة المستجدات والتطورات الحاصلة في عالم التربية، من خلال المشاركة في المؤتمرات العربية والدولية في المجال، حيث سبق لها المشاركة عام 2013 في مؤتمر القمة للابتكار في التعليم الذي تقيمه قطر كل عام، وعلى مرتين في المؤتمر السنوي للمدارس الخاصة التي تحتضنه الأردن كل عام أيضا. العامل الآخر الذي تحرص عليه؛ إزالة العراقيل والعقبات التي تقف عائقا أمام الأساتذة أو التلاميذ، وهي تعتمد في ذلك على حسن الإصغاء والاستماع الجيد لاهتماماتهم وانشغالاتهم، من خلال وضع نظام اتصال مرن وفعال، من بين آلياته أنك تجد في كل أرجاء المؤسسة بطاقات تمكن من تدوين هذه الانشغالات والملاحظات، والتي يتم مناقشتها كل أسبوع. كما تحرص القيادة على توفير كل الإمكانيات البيداغوجية للتلاميذ، ووضع نظام حوافز قوي للطاقم التربوي، من خلال تخصيص منح مالية للمجتهدين من المعلمين وتقييم جهودهم مع نهاية كل موسم. الانفتاح على العالم يؤكد مدير المدرسة السيد ياسين سليمان بوعصبانة، أن من سمات مدرسة "تاونزة" العلمية، الانفتاح على العالم كضرورة ملحة للبقاء في صورة ما يحدث خارج عالمنا الصغير، حيث قال "نحن حريصون جدا على الانفتاح على العالم، لأن ذلك سيضمن لنا الاحتكاك بالتجارب الناجحة في هذا المجال، وكسب المزيد من الخبرات والاطلاع عن قرب على آخر التطورات، من خلال إشراك التلاميذ في المنافسات الوطنية والدولية التي تمكنهم من صقل مواهبهم وكسب معارف جديدة خارج الفصل الدراسي". سبق للمدرسة أن مثلت الجزائر في الملتقى العلمي الآسيوي الخامس الذي عقد بكوريا الجنوبية في ماي 2018، وفي الملتقى العلمي الرابع الذي احتضنته سلطنة عمان عام 2016. كما شاركت المدرسة في البطولة العربية للروبوت بمصر خلال العام المنصرم، وفي المسابقة العالمية للرياضيات والمنطق التي أقيمت بفرنسا عام 2016، بالإضافة إلى توقيعها العديد من اتفاقيات التعاون ومذكرات تفاهم وطنيا ودوليا، بهدف التطوير والتحسين المستمر لمخرجات التعليم. يسعى المشرفون على المدرسة إلى نقل هذه التجربة خارج ولايتهم، إلى العاصمة، حيث يتم حاليا الإعداد لفتح فرع جديد، حسبما أكده ل«المساء"، ياسين سليمان بوعصبانة، مدير المدرسة.