* email * facebook * twitter * google+ يرى الدكتور لمين شريط، خبير القانون الدستوري، في حوار مع "المساء" أن الندوة الوطنية الشاملة تجاوزها الزمن لأنها رفضت بالإجماع من قبل الحراك الشعبي، معتبرا الخروج من الوضع السائد بالاستقالة يبقى الحل الأكثر دستورية في الوقت الحاضر، كما اعتبر طرح الجمعية التأسيسية غير مجد لأنه يلغي حسبه جميع المكاسب والإنجازات التي حققتها الجزائر خلال السنوات الماضية. المساء: بعد رفض الحراك لمخرج الندوة الوطنية الشاملة التي جدد الرئيس تمسكه بها بمناسبة عيد النّصر، مقابل رفض الحراك الشعبي لها إلى أين تتجه الأمور؟ حتى الآن الرئيس بوتفليقة، متمسك بالندوة كحل للوضع مثلما جاء في الرسالة الثانية التي وجهها للشعب بمناسبة عيد النّصر، ما يجعلني أقول إن السلطة ستستمر إلى ما بعد 28 أفريل القادم، وعندها سنكون في حالة فراغ دستوري، مع الإشارة إلى أن الحراك الشعبي خرج من الإطار الأول وأصبح حراكا مليونيا يكتسي الطابع الوطني. ونعتقد أن طرح مقترح الندوة لم يعد يجدي قط، بل نعتقد أنه إجراء تجاوزه الزمن خاصة بعد الإعلان عن رفضه في المسيرة الماضية، ولهذا أرى أنه يتوجب النظر في حلول أخرى. المساء: في رأيك ما هي الاجتهادات الدستورية الأخرى للخروج من هذا الوضع؟ في اعتقادي يجب على الرئيس أمام هذا الوضع تقديم استقالته، كون الدستور الحالي لا يسمح له بتمديد العهدة بعد تاريخ 28 أفريل المقبل، وكون ممارسة هذا الحق تكون في الحالات الاستثنائية كالحرب وعندما يوجد تهديد كبير على وحدة الدولة الترابية، أو عندما تكون المؤسسات الدستورية في خطر وأيضا في حالات وجود خطر حربي خارجي وهو ما ليس قائما حاليا بالجزائر، خاصة وأن الحراك الشعبي يكتسي الطابع السلمي الحضاري أبهر العالم. وبالتالي فإن الحل الوحيد هو الاستقالة والذهاب إلى انتخابات رئاسية جديدة بعد تفعيل المادة 102 التي تنص في إحدى بنودها، أنه في حالة العجز يتولي رئيس مجلس الأمة إدارة شؤون البلاد لفترة 90 يوما يعقبها تنظيم رئاسيات. المساء: لكن كيف يمكن تنظيم انتخابات والرئيس قد حل الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات وسرح رئيسها؟ - بالرغم من أن حل الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات غير دستوري فإن حل هذه الهيئة لا يشكل عقبة، حيث يمكن استخلافها بلجنة سياسية للإشراف على الانتخابات الرئاسية القادمة. المساء: ألا يعني عدم الذهاب إلى الندوة تهديد للمؤسسات الموجودة؟ لا.. المؤسسات قائمة وسيرها عادي، فالبرلمان والمجلس الدستوري وغيرهما من المؤسسات الأخرى تبقى سارية المفعول، لأن من يسيرون في الحراك رفعوا شعارات التغيير الخاصة بالفساد وغيرها ولم يطلبوا حل البرلمان أو المجلس الدستوري، حتى وإن كان هذا الأخير يمكن أن يحول إلى محكمة دستورية، بعد انتهاء الحراك الشعبي، لأنه زكى بعض القرارات رغم عدم دستوريتها. المساء: ألا ترون أن مطلب الذهاب إلى جمهورية ثانية لصيق بفكر استعماري فرنسي، وهو لا يمت بالصلة للواقع الجزائري؟ نعم، حقيقة الجمهوريات التي قامت وسقطت بفرنسا كانت لها مبرراتها التاريخية والسوسيولوجية ، فقد شهدت فرنسا الحكم الملكي والجمهوري والبرلماني وغيرها من الأنماط السياسية الأخرى، نحن في الجزائر وبحكم العلاقات التاريخية مع هذا البلد نرى أن البعض يقتبس من الحالة الفرنسية ويريد إسقاطها على الجزائر، غير أن الأصح هو قول جمهورية جديدة وليست ثانية. المساء: البعض يقدّر أن الحراك الشعبي بأعداده المليونية كان استفتاء مباشرا أعاد الجزائر إلى بداية استقلالها، بمعنى العودة للجمعية التأسيسية كتلك التي شهدتها الجزائر بعد الاستقلال مباشرة وإعادة بناء مؤسسات جديدة؟ نعم حقيقة الشعب هو صاحب السيادة مثلما تحدده المواد 7 و8 من الدستور، فلا سلطة تعلو فوق سلطته ولا كلمة تلعو فوق كلمته. لكن الشعب لم يطلب جمعية تأسيسية ولا إلغاء المؤسسات القائمة كالبرلمان أو المجلس الدستوري أو المؤسسات الأمنية وإنما كانت مطالبه واضحة وتتمحور حول رفض العهدة الخامسة وعدم تأجيل الانتخابات وذهاب المفسدين. والشعب أكد وعيه الكبير عندما عبّر عن رفضه لتوقيف المسار الانتخابي، لما لذلك من خطر على البلاد، ولا يمكن أن تلغى انتخابات مقررة في الدستور وبالقانون العضوي للانتخابات لأن في ذلك تهديد للاستقرار بالداخل والخارج. المساء: بعض ممن هم في الحراك رفعوا مطالب تخص العودة إلى الجمعية التأسيسية كإطار للإعادة بناء جمهورية جديدة في الجزائر، ما رأيك؟ أنا شخصيا ضد فكرة الجمعية التأسيسية لأنها تلغى جميع الإنجازات التي حققتها الجزائر طيلة السنوات الماضية، بداية من الاستقلال وصولا إلى عهد الانفتاح، لا نريد أن تذهب ثمار المصالحة الوطنية وجميع المكاسب الأخرى أدراج الرياح، نحن لسنا في وضع يجعلنا نعود للحالة صفر. الكثير من أبناء الجزائر ممن يؤطرون الحراك اليوم يريدون الحفاظ على المؤسسات بإصلاحات جديدة فقط وضبط بعض الأمور في الدستور القادم، كالحد من صلاحيات رئيس الجمهورية، والتجسيد الفعلي لفكرة التوازن بين السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية، بشكل يضمن السير الحسن لجميعها دون سطو أي واحدة على صلاحيات الأخرى. المساء: رأينا بعضا ممن كانوا في الحراك رفعوا شعارات داعية لتغيير نظام الحكم من جمهوري إلى فدرالي مثلا، ما هي الأخطار التي يمكن أن تتبع مثل هذه الدعوات؟ الجزائر تتبع أنظمة الحكم البسيطة وليس المركبة وعلى هذا الأساس نتبنّى النظام الجمهوري لأننا لسنا كالولايات المتحدةالأمريكية مثلا التي تتبنّى النظام الفدرالي. في اعتقادي من الدعوة إلى تغيير نظام الحكم أمر خطير على البلاد، لأنه ببساطة يمهد إلى تقسيم البلاد إلى فدراليات ودويلات ومنه تقسيم الثروات الطبيعية، ولحسن الحظ أن الحراك لم يطالب بهذا الأمر الذي يبقى معزولا عند أقلية قليلة فقط تستغل الحراك لمحاولة الترويج لهذه الأفكار. ومن الأخطار الأخرى للنظام الفيدرالي، هو استقلال كل إقليم عن الآخر بشكل يجعل الوحدة الوطنية تذوب في خصوصيات ما قد يسهل مستقبلا التدخل الأجنبي في الدويلات أو الفيدراليات التي تكون لها نوع من استقلالية القرار أمام الدولة المركزية، وهذا يخدم الأجندات الأجنبية التي تبحث عن استغلال الثروات الطبيعية، ولذلك نقول إن هذا الأمر مرفوض وخطير ونحن نحذّر منه، بل يجب محاربته حتى لا يأخذ أبعاد أخرى مستقبلا.