* email * facebook * twitter * linkedin تُعد الفترة الممتدة بين شهري أكتوبر وأفريل من أروع الفترات السياحية في الجنوب، الذي عادة ما يشهد إقبالا كبيرا للسياح من مختلف الولايات الشمالية للوطن؛ من أجل التمتع بأجمل المناظر الطبيعية التي حباها الله بها، فضلا عن الاستمتاع بأجمل طقوس وتقاليد أهل الجنوب، التي كثيرا ما تجلب الشغوفين لاكتشاف أسرارها الكثيرة التي تضرب بجذورها في القرون الغابرة. السياحة الصحراوية تزخر بكم كبير من التراث الجزائري الأصيل والتحف التاريخية النادرة التي تصل أعمارها إلى أكثر من 30 ألف سنة، غير أنها تبقى مجهولة عند الكثيرين، الذين ما إن تتبادر إلى أذهانهم صورة الصحراء إلا ويستحضرون واحات النخيل والتمر ذي الجودة العالية (دقلة نور). ولا شك في أن الحديث عن السياحة الصحراوية خلال هذه الفترة لا سيما مع توافد السياح من المناطق الداخلية للوطن إلى الجنوب بمناسبة العطلة الشتوية، يدفعنا إلى استحضار واحة بني عباس التي تُعد من أجمل القصور الصحراوية في الساورة أو ما يسمى ب "تاغيت"، فهذه الواحة التي تتواجد بولاية بشار تُعد قبلة للسياح بامتياز نظرا لضمها قصر الواحة الذي يغوص بالسائح في أعماق التاريخ، فضلا عن صومعة القس شارل فوكو المتواجدة بأعالي المدينة، ومتاحف الثروة النباتية والحيوانية والمنحوتات الصحراوية. قصر الواحة.. متحف مفتوح قصرالواحة كنز طيني يصل عمره إلى أكثر من11قرنا، ولازال صامدا رغم تطاول الزمن، ليكون بذلك بمثابة كتاب مفتوح على الطبيعة أمام زائري المدينة. ويعود سبب استعمال الطين والنخيل في بنائه إلى قدرة الطين على مقاومة الطبيعة القاسية للمنطقة وزوابعها الرملية العنيفة، كما يمنع دخول الحرارة في الصيف الساخن؛ حيث تتجاوز درجات الحرارة هناك 50 درجة، كما أنه يعدّل درجة الحرارة شتاء عندما تنخفض ويصبح الجو باردا. ومن أشهر المناطق الأثرية في "تاغيت" منطقة "بني عباس"، وفيها قصور عديدة، منها قصر أولات أوروت، وقصر بني حسان وقصر القصيبة، فضلا عن ضمها الكثير من الزوايا المعروفة على غرار "الزاوية الفوقانية" و«الزاوية التحتانية"، حيث يتخرج منها كل سنة حفظة القرآن والكثير من الفقهاء. وإضافة إلى كون "تاغيت" واحة طبيعية ساحرة لما تتوفر عليه من نخيل ومياه، فهي واحة للعلم أيضا، كتب عنها ابن خلدون في كتابه "ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر" قائلا: "هضبة زوزفانة التي تقع عليها تاغيت، سكنت منذ عصور بعيدة القصور، كما أن آثارها تثبت ذلك في الحقبة الآجورية. ونظرا لعددهم الكبير سمي سكان الهضبة "قوم"، ومن هنا جاءت تسمية بني قومي الاسم الحالي للسكان". ‘'بركاشو"لتوطيد العلاقات وفك النزاعات ويقام في "تاغيت" مهرجان سنوي يسمى "بركاشو"، وهو مناسبة محلية لتوطيد العلاقات وفك النزاعات والخلافات بين أبناء المنطقة. أما مدينة القنادسة فتُعد أيضا من أشهر المناطق السياحية بسبب لون قصرها البني المائل إلى الاحمرار، والمصنف ضمن التراث الوطني. وأخذت القنادسة اسمها من رجل يدعى "القندوسي"، وهو شخص مكلف بحراسة أمتعة القوافل في أزمنة غابرة، عندما كانت المدينة مرفأ بريا تجاريا مهما في الصحراء. وتضم القنادسة أيضا زاوية الشيخ سيدي امحمد بن بوزيان وزاوية الحاج أحمد ذات النمط العمراني الإسلامي، وفيها خزانة من المخطوطات النادرة في الفقه وأصول الدين. وأمام هذا الإرث التاريخي والحضاري لمنطقة الساورة، تسعى "جمعية السياحة للترفيه والتبادل" التي تأسست سنة 1999، إلى الترويج للمنتوج السياحي بهذه المنطقة، التي تشهد ركودا في هذا المجال بسبب الظروف التي مرت بها البلاد جراء العشرية السوداء، حيث كانت الساورة فيما مضى، قبلة للعديد من السياح الأجانب الذين كانوا يأتون من كل حدب وصوب للاستمتاع بليالي "تاغيت" الساحرة خلال هذه الفترة من السنة، مولعين بعادات وتقاليد أهل المنطقة، ومأسورين بكنوزها التي تحكي بعضا من أسرارها، فيما لازالت تخفي الكثير منها؛ بغرض إثارة شغف كل من تطأ قدمه أرضها. لكن الساورة التي اشتاقت لغرباء الأمس بسبب انقطاع التواصل الذي فرضته الظروف القاهرة؛ كارتفاع سعر التذاكر، وصعوبة الحصول على التأشيرة لأسباب تراها الجهات المعنية موضوعية فضلا عن عدم تجسيد وعود الارتقاء بالسياحة ميدانيا مما أفقدها بريقها، تجد عزاءها اليوم في سياح الولايات المجاورة، الذين أحالتهم الظروف المادية بدون قضاء عطلهم في الخارج، ليدفعهم ذلك إلى تغيير وجهتهم إلى الأماكن السياحية التي تزخر بها البلاد على غرار جنوبنا الكبير. وفي هذا الصدد، أوضح المكلف بالمهمات الخارجية في الجمعية محمد دالي ل "المساء"، أن سياح شمال الوطن كثيرا ما يختارون الساورة، كوجهة مفضلة لقضاء العطلة الشتوية؛ لانجذابهم إلى الطابع المعماري للمنطقة. كما يستمتعون بالأكلات الشعبية على غرار خبز الملة، الذي يُطبخ في الجمر، والدجاج الذي يلقى نصيبه من الطهي بعد ردمه في الرمل داخل ورق الطهي، إلى جانب المردود (نوع من الطعام الخشن) الذي تشتهر به منطقة الجنوب الغربي. ويقدّر دالي عدد سكان المنطقة ب 8 آلاف نسمة، غير أن العدد يصل إلى 30 ألف نسمة خلال الموسم السياحي، وهو ما يطرح مشكل إيواء السياح الذين يأتون من الشمال. دعم المستثمرين لإنجاز المرافق الضرورية وعليه، يرى المتحدث أن الدولة ملزمة بالتدخل لمساعدة المستثمرين في القطاع؛ بغية إنجاز المرافق الضرورية، علاوة على تسهيل تقديم التأشيرة للأجانب، الذين يُبدون رغبة في زيارة الجنوب الجزائري. كما أشار محدثنا إلى أن السياحة الدينية في الصحراء تلقى، بدورها، رواجا كبيرا، كما هي الحال في الكثير من دول العالم، حيث تقدر نسبتها ب 10 بالمائة، محققة بذلك دخلا إجماليا يقدر ب 18 مليار دولار سنويا، في حين لا يتعدى الدخل الوطني الإجمالي في هذا المجال، نسبة 2 بالمائة، داعيا الدولة إلى تدارك الأمر في ظل انخفاض أسعار النفط. وتطرق محمد دالي للسياحة الطبية التي تمتد فترتها من 15 جويلية إلى غاية شهر أوت، حيث يتوافد مواطنو الشمال على الساورة لتلقّي العلاج بالردم تحت الرمال، لاسيما الذين يعانون من أمراض الروماتيزم والمفاصل وآلام الظهر. وبعد مرور المريض على الحمام الرملي الذي يتكرر من 3 إلى 6 حصص حسب درجة الداء، يتوجه إلى الخيمة لتناول حساء مكون من أعشاب المنطقة، مشيرا في هذا السياق، إلى أن العديد من الباحثين يقرون بالنوعية الجيدة لرمال تاغيت، بل يعتبرونها الأفضل على الإطلاق في مجال التداوي. الساورة و«الأسد الإفريقي" لأمين معلوف وللساورة أيضا صيت عالمي، حيث سبق أن مر بها الكاتب المعروف أمين معلوف الذي ذكرها في كتابه "الأسد الإفريقي"، بل كانت في السابق ممرا للقوافل المتوجهة إلى إفريقيا السوداء، ولازالت آثار ذلك بائنة إلى حد اليوم. وكفيلم "الشاي" الذي أخرجه مخرج إيطالي تم تصويره في منطقة الحمادة، وسبق أن عُرض في دور السينما بالخارج منذ 10 سنوات. وحظيت المنطقة باهتمام السياح من الخليج، الذين كثيرا ما يتوافدون عليها لصيد الغزال وطائر الحبار خلال الفترة الممتدة بين شهري أوت وسبتمبر، فضلا عن جمع كميات كبيرة من "الترفاس" الذي ينمو عشوائيا في الصحراء، حيث يقومون ببيعه بأثمان باهظة لصيدليات أوروبا؛ لما يحتويه من مادة مفيدة للعين، علما أن "الترفاس"يتفرعإلىأنواعمتعددةمنهاالأبيضوالأحمروالأسود.