شكّلت ذكرى إحياء المولد النبوي الشريف هذه السنة فرصة أخرى متجدّدة لزيارة وجهات سياحية في صحرائنا الشاسعة، حيث التنوع، الضيافة والأصالة، شملت الرحلة تاغيت وبني عباس بولاية بشار التي أبهرتنا بجمالها. انطلقت الرّحلة على متن حافلة الديوان الوطني للسياحة من أمام مقر وزارة السياحة بالعاصمة على الساعة 19.00 مساء باتجاه ولاية بشار، لنصل في اليوم الموالي على الساعة 13.00 زوالا، حيث دامت الرّحلة قرابة 14 ساعة، لم نشعر حينها بالتعب. كل واحد منّا يحمل فكرته الخاصّة عن الصّحراء، توّاقون لحضور الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف التي سمعنا عنها الكثير من التفاصيل التي تروي تمسّك أهل المنطقة بعادات وتقاليد متوارثة عن جيلا عن جيل. ما ميّز رحلتنا السّائق عمّي «كمال» ومدى معرفته للمنطقة، واحتكاكه بالسياح الأجانب جعله دليلا سياحيا من طراز خاص، علاوة على طبعه المرح وصبره. ما ميّز رحلتنا الطّويلة الفريق الصّحفي الذي كان برفقتنا، أغلبيته شباب لهم نفس الهدف والفضول في مشاركة سكان منطقة بني عباس المعروفة بجوهرة الساورة الإحتفال بالمولد النبوي الشريف لنقلها عبر صفحات جرائدهم وكاميراتهم وأمواج إذاعاتهم، توجّهنا في حدود الساعة الرابعة زوالا نحو ساحة أول نوفمبر، كانت ممتلئة عن أخرها بالجمهور الذي جاء خصيصا لحضور هذه الاحتفالات التي تمت في أجواء رائعة، طبعتها رقصات رجال ومراهقين باللباس التقليدي، يهلّلون ويكبّرون بالصّلاة على المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم، حاملين البنادق القديمة وإطلاق البارود، وكذا حضور عدة قبائل في إشارة للتصالح فيما بينهم. ما لفت انتباهنا أيضا حضور الآباء رفقة أطفالهم الصغار الذين لا يتجاوز سنهم السنة بهدف تلقينهم السيرة النبوية وتربيتهم على الدين والطاعة، حاملين على رؤوسهم أغصانا من النخيل متبوعة بزغاريد النسوة، وكلّها عادات توارثتها أجيال المنطقة يحافظون عليها أبا عن جد، أما المنازل فيحضّر فيها طبق الكسكس التقليدي ليتم توزيعه على المارة والزوار، وكذا إرساله إلى الزّوايا ليأكل منه الجميع، ويدوم الإحتفال ببني عباس يومين. تركنا وراءنا جموعا غفيرة تردّد الأهازيج مباركة بذكرى المولد النبوي الشريف، لنتوجّه نحو منطقة تاغيت الواقعة على بعد 97 كلم جنوب بشار، والمشتهرة ببساتين نخيلها القديمة التي تضم أزيد من 100 ألف نخلة وكثبانها الرملية الذهبية ذات علو 200 متر، في حدود الساعة 17.30 مساءً للإستمتاع بمشاهد الإحتفال الذي يصاحبه غروب الشمس والمصنّف الأجمل في العالم، ولم تختلف الأجواء عمّا تركناه من جماهير غفيرة حضروا جميعهم للإحتفال بهذه المناسبة الدينية بما في ذلك بعض من جاليتنا بالخارج. بعد غروب الشّمس تمّ إطلاق الألعاب النّارية في سماء تاغيت من طرف شباب قادمين من العاصمة، هران وتلمسان، يقول تاغيتي نور الدين، بائع بالمنطقة، أنّه سنويا يأتي جموع من السياح الجزائريين والأجانب لحضور الإحتفال بالمولد النبوي الشريف، ويسيرون نحو ضريح الوالي أين تقرع الطبول والتهليل والتكبير، وفي القرى يلعبون لعبة تسمى «الهرمة» بإطلاق البارود والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع الابتهالات، ويوزّع طبق الكسكس، أما بتيميمون فيدوم الإحتفال أسبوعا كاملا. وحسب نور الدين فإنّه لا يوجد سياحة صحراوية بل سياحة داخلية التي تكون في عطلة الشتاء بأربعة أيام والسياحة الصحية وهي الردم في الرّمال. صبرينة: «بساطتهم شجّعتني» تقرّبنا من بعض السياح الذين كانوا في عين المكان، أجمعوا كلهم على جمال وسحر المنطقة بشكل خاص والصحراء بشكل عام، لما تحمله من بساطة سكانها في المأكل، الملبس، التعامل، حسن الضيافة، هدوء المكان وكذا الأمن، وبالفعل فمنذ حطّت أقدامنا بالمنطقة لمسنا الأمن، وهذا ما أكّدته لنا صبرينة بن سعيد منظّمة رحلات بالصّحراء ولديها دار الضيافة «maison بقولها: «لم أغلق أبدا أبواب بيت الضيافة منذ مجيئي إلى تاغيت لتوفر الأمن الشامل، أنا لا أقوم بالإشهار لكن ما رأيته حقيقة، وجدت العقلية التي تربّيت عليها وأنا صغيرة، أنظّم خرجات من تاغيت الى جانت لمدة خمسة أيام لم يعترضنا أي مشكل أمني»، هكذا عبّرت صبرينة عما عاشته طوال سنوات تعاملها مع المجتمع الصحراوي. وأضافت صبرينة التي تركت زوجها بالعاصمة وبقيت بتاغيت، أنها تشهد سنويا احتفالات بالمولد الشريف التي تنطلق عشية المناسبة، حيث يرتدي سكان المنطقة ألبسة تقليدية، وتخرج نساء القرية حاملات الدربوكة وآلاتهن الموسيقية، تجلسن بإحدى الزوايا ثم تشرعن في المديح الديني وتشعلن الشموع، وفي اليوم الموالي يخرج رجال القرية إلى ساحة تاغيت مرتدين لباسا ابيضا حاملين بنادقهم مع تقديم المدائح الدينية والصلاة على النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم، في حماس وفرحة نفتقد مثليها بالعاصمة. اختيارها للإقامة بتاغيت كان بعد زيارات متكرّرة من العاصمة ومنذ قرابة عشر سنوات كسائحة مع صديقاتها، تأقلمت مع محيطها الجديد ولم تشعر أبدا أنها غريبة عنه لأن بساطته أعطتها شعورا دائما بأنها جزءا منه، فوجدت الطيبة، السكينة، حسن الإستقبال والتكافل التي بحثت عنه دائما في العاصمة أين كانت تقيم. فسكان المنطقة يحترمون السياح ولهم ثقافة سياحية، حافظوا على هذه الثقافة ويريدون تطوير السياحة الصحراوية. حدّثتنا عن مشروعها المتمثّل في بناء دار الضيافة بالقصور القديمة بتاغيت لإستقبال السياح، حيث واجهت في البداية العديد من المشاكل كعدم حصولها على اعتماد أو السجل التجاري بحجة أن القصور القديمة محمية من طرف «اليونسكو» وليس لها الحق في الحصول على وثائق، فهي مضطرة للتصريح بزبائنها لدى مصالح الدرك الوطني، وغياب الوثائق الرسمية يعيقها نوعا ما، لكنها لم تستسلم لأنها تحب عملها وآمنت بمشروعها، وما شجعها على تطوير مشروعها هو سكان المنطقة. تقترح صبرينة على السياح الذين يأتون إلى تاغيت برنامجا منظما خلال ثلاث أو أربع أيام، ففي اليوم الأول يقومون بزيارة القرية والجبل الصغير المتواجد به حصن تاغيت، وهو مركز حراسة الجيش الفرنسي أين كان هذا الأخير يسيطر على القرية، ثم نزهة في بساتين النخيل مشيا على الأقدام ثم زيارة القصور القديمة لتاغيت والإستمتاع بمشاهدة غروب الشمس. في اليوم الموالي يزورون الأماكن المتواجد بها النقش على الصخور، كهف ما قبل التاريخ ثم نزهة أخرى ببستان النخيل ثم يعودون إلى تاغيت للقيام ببعض النشاطات، في اليوم الثالث يتوجّهون نحو بني عباس لاكتشاف منطقة أخرى للساورة بزيارة كل القرية. «جمال الصّحراء عنوان ما أرويه لأولادي وأحفادي بفرنسا» توافد على منطقة تاغيت عدد كبير من السياح الجزائريين منهم من قدم من العاصمة، تلمسانووهران وآخرون من فرنسا، اقتربنا من إحدى السيدات التي أتت من مدينة ليل بباريس في عطلة عند شقيقتها بتلمسان، هذه الأخيرة اقترحت عليها زيارة تاغيت التي أعجبت بها وانبهرت لجمال رمالها الذهبية ونقاء هوائها، قائلة: «أرغب جدا في جعل السياح الأجانب يستكشفون الصحراء الجزائرية، عند عودتي إلى ليل سأروي لأولادي وأحفادي ما شاهدته من جمال تاغيت، وأريهم الصور التي التقطتها كي أشجعهم للمجيء، أعجبتني الكثبان الرملية، الجزائر غنية ولها كل المقومات لتصبح بلدا متقدما». زوجان قدما من تلمسان لحضور الاحتفال بالمولد النبوي ببني عباس، جذبهما تقاليد المنطقة وكيفية الإحتفال بالمولد النبوي. سيدة أخرى قدمت رفقة ابنتها من وهران لحضور لأول مرة الإحتفال بالمولد النبوي الشريف، وزيارة بعض المواقع ببني عباس وتاغيت التي سمعت عنها، لكنها تأسفت بحكم أن السلطات لم تقدّم الكثير لترقية السياحة بالجزائر مثل المطاعم وزيادة أماكن الإستقبال، قائلة: «السياحة الصحراوية...مازلنا بعيدين مثلا تاغيت لا تتوفر على مطاعم كثيرة، نود لو تكون هناك إرادة سياسية لترقية هذا القطاع». هشام داعو: «التّرويج السياحي ضرورة» هشام داعو، صحفي متخصّص في السياحة بالتلفزيون الجزائري «كنال ألجيري»، له قرابة 10 سنوات تجربة في الميدان وهو من أنشط الصحفيين وأكثرهم معرفة لخبايا الجنوبالجزائري بسبب جولاته السياحية المتكررة إلى المنطقة، بصفته فنان وسائح قبل إلتحاقه بالتلفزيون الجزائري، وقد كان بمثابة دليل لنا خلال زيارتنا لتاغيت. قال هشام إنّ الصّحراء كانت بالنسبة له عنصرا جذّابا من كل النواحي طبيعتها، سكانها، طريقة معاملتهم للزائرين والسياح وكذا ثقافتهم وتقاليدهم وبساطة عيشهم، بعد مرور سنوات أصبح مدمنا على زيارة الصحراء، فلا تمر عليه 4 اشهر حتى يسافر نحو منطقة من مناطق الجنوب، وهناك مناطق يفضّلها عن أخرى نظرا لعشقه لها كطاسيلي أزجر، وحسبه فإن عنصر جذب الصحراء يكمن في مساحتها الشاسعة، حيث أنّ السائح لديه حرية التجول في مناطق مفتوحة الأفق والإلتقاء بعدة ثقافات، كما أنّ زيارة الصحراء المتكررة تسمح لزائرها بتصحيح المعلومات، وإعطاء سر مقاومة سكان المنطقة للطبيعة ودرجة الحرارة التي تصل إلى أكثر من 50 درجة في الصيف. وأضاف هشام أنّ السياحة الصحراوية يمكن أن تبدأ على مسافة 250 كلم من العاصمة من منطقة بوسعادة أقرب واحة للعاصمة، التي تعتبر متحفا على الهواء الطلق، فقد كانت فيها استوديوهات سينما هوليوود، بسكرة أيضا التي تعد بوّابة الصحراء، واد سوف، ورقلة، تقرت، باتنة من خلال شرفات غوفي المصنفة ضمن السياحة الجبلية ولها طبيعة خاصة. علاوة على منطقة توسكا بجانت وبترا مثل تلك المتواجدة بالأردن، التي وصفها قائلا: «أي منطقة تحلم بها في العالم تجدها في الجنوبالجزائري، علاوة على الثقافات الشعبية والإرث المادي واللامادي»، في تندوف نجد ثقافة أخرى تشبه سافانا إفريقيا، وهي بمثابة منتجع سياحي ككينيا وتانزانيا، تسير أمامك الحيوانات، وبتمنراست توجد 7 نماذج طاسيلي، يعتبرها المختصون في السياحة الصحراوية من أجمل المناطق، حسب الشهادات التي استقاها من الخبراء خلال الجلسات الوطنية للسياحة. تقرت وورقلة توجد بهما سياحة الكثبان والسياحة العلمية والبيولوجية نجد بها الطيور المهاجرة، هناك فصائل من هذه الطيور أصبحت طيورا ماكثة في تلك المناطق كاللقلق الوردي، بوادي سوف هناك أراضي زراعية تلتصق بكثبان رملية وواحات، أدرار وتندوف لهما ثقافات شعبية، تتطلب ساعات للحديث عن جمال الصحراء، يقول الصحفي بالتلفزيون الجزائري. في السّنوات الأخيرة ازداد اهتمام الجزائريين بزيارة مختلف المناطق السياحية في الجنوب، ولم ينف أن هذه الوجهة ليست في متناول الجميع بحكم أن السياحة الصحراوية تبقى سياحة باهظة الثمن، وحسبه فإن هذا يمكن أن يكون في صالح المناطق الصحراوية لأنها مناطق جد حسّاسة، بها رسومات تعود لعصور غابرة، وغير قابلة لإستقبال السياحة الكثيفة، فالثمن الباهظ يقلّص من عدد السياح ويجعل تلك المواقع ذات قيمة في عيون السائح الجزائري، وبالتالي لا يلحق بها ضررا يفقدها قيمتها التاريخية، وحسب الخبراء فإن السياحة الصحراوية الجزائرية تعتبر سياحة رفاهية ومن الأولى المحافظة عليها. فيما يرى هشام أنّ كل سائح يمكن أن يكون عنصرا هاما في الترويج للسياحة بالجنوب، خاصة المحترفين الإعلاميين الذين يملكون طرقا عدة لاستهداف السائح والترويج للمواقع السياحية من خلال إعداد ربورتاجات وتثمين المؤهلات السياحية والثقافية للمنطقة، واعتماد الترويج الموجّه، مبرزا ضرورة امتلاك الصحفي نظرة التسويق في الترويج للمقصد السياحي الجزائري، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والتاريخية الجزائرية. رئيسة جمعية سياحة وآثار: «اكتشاف جمال بلادي..هدف أصبو إليه» موايسي خيرة المدعوة ليندة رئيسة جمعية سياحة وآثار بولاية تيبازة، التي تأسّست سنة 2014، شعرت بالغيرة على وطنها لما رأيت الجزائريين يقصدون الدول المجاورة لقضاء عطلهم الصيفية، في حين الجزائر تملك مناظر ومناطق خلابة يجهلونها، فقرّرت القيام برحلات للعائلات والشباب في الشتاء إلى منطقة الشريعة والحمامات بغرداية، وفي الصيف إلى المركبات السياحية في الغرب والشرق الجزائريين، والجنوب في فترة المولد النبوي الشريف والسياحة الصحية كالردم في الرمال، بحكم أنها كانت سائحة من قبل في أوروبا وكانت تتنقل مع زوجها في كل مهامه ما جعلها تعرف العديد من المناطق، وتحرص على أن يكون زبائنها في أريحية، واصفة السياحة الصحراوية بالرائعة قائلة: «لدينا ثروة لم نعطيها قيمتها، يجب ترقية الاقتصاد من خلال السياحة»، لكنها أعابت على أماكن الإيواء الذي يجب تحسينها، وحسبها فإن الأسعار التي تقدمها للزبائن معقولة وفي متناول الجميع، هدفها جعل الجزائري يكتشف مناظر بلده الخلابة، وخلق تعارف بين السياح.تركنا بشار آملين العودة إليها للإستمتاع بأماكن أخرى لم يسعفنا الوقت لمشاهدتها.
قرية سياحية بتاغيت قريبا يرتقب فتح قرية سياحية جديدة بتاغيت (97 كلم جنوب بشار)، ممّا سيساهم في تحسين قدرات استقبال السياح جزائريين وأجانب الوافدين إلى المنطقة، حسبما ممثل الديوان الوطني الجزائري للسياحة، موضحا أن «الديوان يعتزم فتح هذه القرية الجديدة بمنطقة تاغيت التي تستقطب عديد السياح وطنيين وأجانب، سيما خلال هذا الموسم للسياحة الصحراوية». ويتوخّى من فتح هذا المرفق السياحي طاقة استقبال ب 100 سرير تتوزّع على مختلف الغرف، بالإضافة إلى 80 سريرا آخر في المخيّم، الرفع من القدرات الفندقية لهذه المنطقة السياحية بشكل خاص، فضلا عن تعزيز الوجهة السياحية للساورة التي تشهد منذ بضعة سنوات إقبالا متزايدا للسياح، كما أكّد ذات المتحدث. هذه المنشأة تتوفر على مطعم بأزيد من 100 طاولة متخصص فقط في إعداد الأطباق التقليدية، وذلك بهدف المساهمة في الترويج وترقية فن الطبخ المحلي لمنطقة الساورة».