* email * facebook * twitter * linkedin أبرز انتشار فيروس "كورونا" وقرار اللجوء إلى البقاء في المنزل ضمانا لسلامة المواطنين، أهمية تطوير نظام العمل والدراسة وتقديم الخدمات عن بعد، ما يطرح تساؤلات حول مستوى تحقيق "الانتقال الرقمي" الذي لم يحدث ببلادنا، رغم صدور قوانين في هذا الاتجاه ووجود بعض المبادرات التي حاولت تنشيط استخدام الانترنت في الحياة اليومية للمواطنين. وينطبق هذا الواقع على الإدارات والمؤسسات الاقتصادية ومختلف الهيئات في كافة القطاعات، حيث يقلق هذا التأخر الخبير في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال يونس قرار، الذي يعتبر تداركه اليوم صعبا، بالنظر إلى تسارع التطور التكنولوجي الذي يتجه نحوه العالم، وهو ما بدا واضحا في التجربة الصينية لمكافحة "كوفيد 19". وأقر الخبير قرار، في تصريح ل«المساء" أمس، أن الانترنت الحالي الموجود عند أغلب الجزائريين "لا يمكنه أن يسمح بتنفيذ مخططات العمل أو الدراسة عن بعد"، موضحا أن تحقيق ذلك يتطلب توفر أربعة شروط هي اليوم غائبة. ويتعلق الأمر حسبه بتوفير انترنت ذي التدفق العالي "على اعتبار أن أي خدمة إلكترونية وأي تحول رقمي يسمح باستخدام الخدمات عن بعد سواء بغرض العمل أو الدراسة وحتى التجارة، يحتاج إلى انترنت بتدفق عال"، مشيرا في هذا الصدد إلى أن أقل مستوى يجب توفره هو 20 ميغابيت في الثانية، "لا سيما وأن الاجتماعات مثلا، تتم عبر تقنية الفيديو وهو نفس الأمر بالنسبة للدراسة ما يتطلب توفر تدفق عال لتفادي حدوث مشاكل اتصال". كما تحدث الخبير عن ضرورة توفر خدمة للانترنت بدون انقطاعات لأنه "لا يمكن أن نتصور أن ينقطع الدرس أو الاجتماع فجأة، بسبب انقطاع الانترنت أو سوء التغطية"، أما العامل الثالث فيتعلق مثلما أضاف بتوفر الانترنت في كل مكان، معتبرا أنه من غير المعقول استفادة تلاميذ من دروس عبر الانترنت وحرمان آخرين منها لعدم توفرها لديهم. أما الشرط الرابع الذي أثاره الخبير، فهو تقديم الانترنت بسعر معقول، حيث قال في هذا الصدد إنه "لا يمكن تصور أن تبلغ قيمة الاشتراك لتدفق يبلغ 20 ميغابيت مثلا 10 آلاف دينار، لأن القليل من الناس يمكنهم دفع مثل هذا المبلغ شهريا". وأشار إلى وضع بعض البلدان الغربية التي توفر انترنت ب100 ميغابيت مقابل 10 أورو في الشهر وهو مبلغ رمزي يمثل 1 بالمائة فقط من الحد الأدنى للأجور بهذه البلدان. ولأن هذه الشروط الأربعة غير متوفرة حاليا لدينا فإن الخبير يونس قرار، اعتبر أنه "لا يمكننا أن ننجح في تطبيق مثل هذه الخدمات"، متأسفا لكون العمل على توفير هذه الظروف كان لابد أن يتم "منذ عشر سنوات، وهو ما لم يتم"، متسببا في تصنيف الجزائر بمراتب متدنية في التصنيفات العالمية للانترنت دون أن يؤخذ ذلك بعين الاعتبار على حد تعبيره. وأشار في هذا الخصوص إلى أن الصين نجحت في محاربة الفيروس ب«الاستعانة بالتكنولوجيا"، ولاسيما استخدام الرجل الآلي، فضلا عن الاعتماد على تقنيات أخرى كالدفع الإلكتروني عبر الهاتف النقال، تفاديا لتبادل العملات الورقية والنقدية التي تعد وسيلة لنقل فيروس "كورونا". في سياق متصل، قدر محدثنا أن الأزمة الحالية وما نجم عنها تغيير السلوكيات اليومية، ربما سيدفع إلى "اتخاذ قرارات شجاعة تتعلق بالرقمنة"، وأكد أن "اتصالات الجزائر" عاجزة اليوم عن مواجهة الأمور وحدها، بعد أن تم غلق كل مزودي الانترنت الآخرين ليتساءل في هذا الصدد "هل سنستمر في نفس الوضع أو نقوم بإجراءات جدية من أجل رفع مستوى الانترنت عبر زيادة سرعتها وإعادة النظر في الأسعار؟". وحسب السيد قرار، فإنه "لا بد اليوم من التعامل مع "اتصالات الجزائر" كمؤسسة تجارية وليس كمؤسسة خيرية اجتماعية، مع إعادة النظر في هيكلتها وعدد عمالها، والاستعانة بخبراء من داخل وخارج الوطن لإعطاء أفكار تساهم في إحداث قفزة تكنولوجية لنختصر المسافة والوقت، مؤكدا ضرورة تفعيل القوانين التي تسهل استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال، وكذا منح مزايا خاصة للمؤسسات التي تعمل في مجال الرقمنة. ورغم اعترافه بصعوبة تدارك التأخر فإن الخبير، عبّر عن اقتناعه بأن تخفيض الهوة الرقمية للجزائر ولو ب10 بالمائة يعد ضرورة، "لأن العالم يتطور بسرعة كبيرة في هذا المجال، ونحن في الجزائر مازلنا نراوح مكاننا، ولحد الآن لم يتم اتخاذ إجراءات ملموسة تخص الانترنت"، مشيرا إلى إمكانية تزويد المواطنين بالأنترنت في هذه الفترة مجانا إلى حين تجاوز أزمة "كورونا". وقال في هذا الإطار إن الوقت قد حان للابتعاد عن "السياسات القديمة التي كانت تتميز بالطابع الفلكلوري والاكتفاء بالإعلانات الرنانة للقرارات، ثم غياب التطبيق الملموس وعدم أخذ الأمور بمحمل الجد"، مضيفا بأن التغيرات التي تحدث ببلادنا منذ بدء الحراك تتطلب وقف هذه المظاهر وأخذ مسألة الانتقال الرقمي بالجدية اللازمة. للإشارة فقد كان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قد دعا أول أمس، في اجتماع مجلس الوزراء إلى "الإسراع في تعميم الرقمنة، لتسهيل الأخذ بأساليب التسيير العصري للدولة، وإدخال الشفافية الكاملة على منظومة مؤسسات الدولة".