* email * facebook * twitter * linkedin البيت الأوروبي يحترق وهل سيؤدي فيروس كورنا إلى كتابة شهاد وفاته؟ سؤال محوري فرض نفسه هذه الأيام في مختلف العواصم الأوروبية المنضوية تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، في اعلى هرم سلطات دوله كما في أوساط شعوبها؟ فقد فرض هذا الموقف نفسه بإلحاح بعد القمة الأوروبية، الخميس الماضي، حيث شعرت الدول الأكثر تضررا من الوباء بأنها تركت لوحدها في مواجهة العدوى رغم أن مبدا التضامن كان أحد أهداف الاتحاد الأوروبي، إلا أنه بنفس السرعة التي انتشر بها الوباء في مختلف الأقطار الأوروبية بقدر ما كشف عن عيوب هيكلية في آليات تسيير هذا المنتظم القاري وجعلت الأوروبيين يستقرئون ما تخفيه الأيام من مفاجآت حول بقاء الاتحاد كتكتل وحدوي تضامني يتم اللجوء إليه في كل مرة وجدت إحدى دوله نفسها في حاجة إلى مساعدته لتجاوز محنتها. وكان استنجاد الوزير الأول الإيطالي، جيوسبي كونتي، الأسبوع الماضي، بالسلطات الصينية والروسية لمساعدة بلاده في مواجهة التداعيات الكارثية لفيروس كورونا الذي حصد أرواح قرابة 11 ألف إيطالي واستجابة هاتين الدولتين بإرسال معدات ضخمة على متن طائرات حربية بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس عند الإيطاليين وجعلهم يتساءلون عن ضرورة وجود دول مثل ألمانيا وفرنسا وحتى بريطانيا ومختلف الدول الاسكندنافية في الاتحاد إذا لم تسارع إلى بنجدتهم، بل آثرت بدلا من ذلك الاهتمام بأوضاعها الداخلية تاركة دولة عضو بحجم إيطاليا تتخبط في معركتها ضد الوباء الزاحف وهي تحصي كل صباح موتاها بالمئات. ولم يخف رئيس الوزراء الإيطالي أمام هذا الوضع، غضبه قائلا أنه يتعين تفادي اتخاذ خيارات كارثية في حال لم يظهر الاتحاد في مستوى التحديات التي يواجهها في الوقت الراهن، في إشارة إلى احتمال ظهور عمليات خروج متلاحقة من عضوية الاتحاد تماما كما فعلت بريطانيا، بقناعة أن البناء الأوروبي سيفقد مبررات وجوده عند الراي العام الأوروبي، خاصة في ظل تنامي عودة النزعة القومية في مختلف البلدان الأوروبية عبر أحزاب ما انفكت تطالب بذلك بإلحاح. ويتساءل الأوروبيون سواء المتمسكون بفكرة بقاء الاتحاد أو المطالبون بفك الارتباط، عن سر نزول طائرات عسكرية روسية وأخرى صينية في مختلف المطارات الإيطالية وهي محملة بالأدوية والمعدات الطبية بينما غابت عنها الطائرات الأطلسية التي كان يتعين أن تكون السباقة إلى مثل هذه الهبة التضامنية. وهو ما جعل جوسيبي كونتي يدخل في ملاسنات حادة الخميس الماضي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بسبب المنطق الألماني ونظرته إلى طبيعة التعاون بين دول الاتحاد في وقت كانت فيه إيطاليا ومازالت في مواجهة كارثة إنسانية خلفت آلاف الضحايا الإيطاليين. وقال كونتي لميركل عبر تقنية الاتصال بالساتل "أنا أمثل بلدا يعاني كثيرا ولا يمكن أن أسمح لنفسي بالمماطلة"، خاصة بعد أن وجد نفسه في مواجهة سيل من الضغوط الشعبية المطالبة بتخفيف حجم الكارثة التي خلفها "كورونا"، مؤكدا أن حكومته وحكومات دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي وجدت نفسها مرغمة على اتخاذ "خيارات مأساوية"، من شأنها أن تهدد الكيان الأوروبي من أساسه. وهي القناعة التي عبرت عنها إيملي مانتشالين كاتبة الشؤون الأوروبية في الحكومة الفرنسية عندما أعادت التأكيد على موقف رئيس الوزراء الإيطالي قائلة أن الاتحاد الأوروبي سيواجه أزمة وجودية بما فيها مكانة بعض الدول في داخله إذا لم يخرج موحدا من أزمة جائحة كورونا وضرورة التحضير لمخرج منها. وأضافت الوزيرة الفرنسية انه لا أحد بإمكانه العمل بمعزل عن الآخرين والانكماش على نفسه، وأنه إذا كان هناك من يعتقد في نجاعة ذلك فإن ذلك سيكون له انعكاسات كارثية على المشروع الوحدوي الأوروبي. وكان جاك دولور وزير المالية الفرنسي ورئيس اللجنة الأوروبية الأسبق حذر من جهته من الغياب غير المبرر للتضامن الأوروبي الذي قال أنه سيصيب الاتحاد الأوروبي في المقتل وقد يؤدي إلى انهياره، منتقدا الطريقة المشتتة والأحادية الجانب التي تعاملت بها الدول الأوروبية في مواجهتها لتداعيات وباء "كورونا" وآثارها الكارثية على الاقتصاديات الأوروبية. ولم تخرج نظرة المحافظ الأوروبي للشؤون الاقتصادية الإيطالي باولو جنتيلوني عن هذا الإطار حيث حذر من إمكانية تحول فيروس كورونا إلى خطر على المشروع الأوروبي قد يؤدي إلى انهياره في حال استمرت الخلافات الاقتصادية بين دوله. وتعرف العلاقات بين دول جنوب القارة وشمالها وخاصة ألمانيا وهولندا صراعا حادا بعد رفض هذه الأخيرة مساعدات مالية إضافية حتى تتمكن من مواجهة تداعيات الوباء ضمن موقف جعل وزير الخارجية الألماني السابق سيغمار غابريال يتساءل في تصريح صحفي عن جدوى اكتناز الثروات الأوروبية وعدم الانتفاع بها في وقت يوشك فيه البيت الأوروبي على الانهيار.