* email * facebook * twitter * linkedin أكد رئيس نقابة القضاة، يسعد مبروك، في حوار مع "المساء"، أن مسودة المشروع التمهيدي لتعديل الدستور تضمنت بعض المسائل الإيجابية، التي سيتم إثراؤها من قبل القضاة لضمان استقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، مستحسنا في هذا السياق، توسيع تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وإبعاد وزير العدل من تشكيلته، بهدف الحد من تدخل السلطة التنفيذية في هذه الهيئة، فيما أشار من جانب آخر إلى أن القضاة يقترحون أن تكون المحكمة الدستورية حكرا على أهل الاختصاص، دون اللجوء إلى تخصيص مقاعد لممثلين عن البرلمان، في هذه الهيئة باعتبار أن ذلك يعد، حسبه، تدخلا للسلطة التشريعية في عمل السلطة القضائية. * المساء: تناولت مسودة المشروع التمهيدي لتعديل الدستور بعض التعديلات التي تخص تنظيم وعمل السلطة القضائية، ماهي قراءتكم الأولية للنسخة؟ ** يسعد مبروك: مشروع المسودة يتضمن بعض المسائل الإيجابية التي من شأنها أن تسمح بعد إثرائها أن تشكل قاعدة لبناء عدالة مستقلة بصورة حقيقية، خاصة إذا تم الأخذ بما يتم تقديمه من مقترحات نابعة من ممارسة ميدانية عايشها القضاة والمحامون ومجموع المتعاملين مع القضاء الذي كان في الفترة الأخيرة محل تجاذبات بين فئة ناقمة عليه وسلطة كانت ترافع لتحرره دون أن توفر الأدوات اللازمة للقاضي لممارسة مهامه كما يجب.. فدسترة عدم قابلية القاضي للعزل أو النقل، تعتبر خطوة مهمة في تكريس الحق في الاستقرار.. ولكن على الجميع أن يعي أن هذه القاعدة ليست مطلقة وإلا كنا بصدد فتح الباب أمام استبداد قضائي جديد لا نرغب في ظهوره مطلقا.. فكل حماية للقاضي هي في المقام الأول حماية للمتقاضي ولقيم المجتمع وليست امتيازا فئويا كما يراه بعض السفهاء والمتعالمين.. * ماريكم في التعديلات التي مست المجلس الأعلى للقضاء ؟ ** أعتقد أن المجلس الأعلى للقضاء هو المؤسسة التي عليها ضمان الاستقلالية.. وتكريسا لمبدأ الفصل بين السلطات يجب أن يكون هذا المجلس تمثيليا للسلطة القضائية وليس لغيرها. فتوسيع تشكيلته طبقا للمادة 187 من مسودة الدستور الجديد، جزئية مهمة، ولكن بقاء رئاسته بيد رئيس الجمهورية الذي هو رئيس الجهاز التنفيذي، يشكل ضغطا غير مبرر على باقي الأعضاء.. وبالتالي من الأفضل أن يكون رئيس المجلس الأعلى للقضاء منتخبا من بين الأعضاء المشكلين له، مع تقليص عدد المعينين فيه.. وهنا أستغرب سبب منح مقعدين لرئيس المجلس الشعبي الوطني ومقعدين لرئيس مجلس الأمة خارج قائمة النواب، فهذا تدخل في الشأن القضائي من السلطة التشريعية دون وجه حق وإلا وبمفهوم المخالفة يحق للقضاة أيضا تعيين ممثليهم في الهيئة التشريعية والحكومة أيضا. كما ان الاعتراف بالتمثيل النقابي في المجلس يمكن من مراقبة عمله بصورة أكثر شفافية، من شأنها أن تخفف الإحتقان بين عموم القضاة والهيئات المشرفة على المسار المهني للقاضي. كما يعد التمثيل النسبي للقضاة في ذات الهيئة، حسبما جاء في النقطة السادسة من محور السلطة القضائية أحد مطالب النقابة.. نحن بصدد نقاش عام مع مجموع القضاة لصياغة مقترحاتنا بخصوص مشروع المسودة برمته مع التركيز على الباب المتعلق بالعدالة وبالأخص جزئية المجلس الأعلى للقضاء في تركيبته وصلاحياته. * وما رأيكم في النقطة المتعلقة بإبعاد وزير العدل من تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء؟ ** إبعاد الوزير وتوسيع التشكيلة مؤشر جيد.. لكنه لا يفي برغبة وطموح القضاة ومعهم كل المجتمع في التأسيس لعدالة مستقلة. وذاك هو محور عملنا في النقابة الوطنية للقضاة كتنظيم. * ماهو دور القاضي في تجسيد المفهوم الدستوري لاستقلالية القضاء؟ ** العملية القضائية هي إعمال مقتضى نصوص تشريعية على وقائع مادية. وهنا يكون دور القاضي مهم جدا.. صحيح أن النص القانوني أداة أساسية في الاستقلالية المنشودة ولكن العنصر البشري، هو العنصر الأهم، لأن القاضي هو من يطبق ويفسر النص وينطق بالأحكام، مما يجعل من تكوينه ونزاهته أهم من النص التشريعي في كثير من المرات، لأن العدالة كقيمة تتجسد من خلال العمل الذي يؤديه القضاة في الواقع وأي انحراف منهم، سيجعل النص القانوني في حكم العدم أمام تغلب الجهل والتعسف. في المحصلة.. الاستقلالية الحقيقية تتطلب نصا يتضمن قيمة اجتماعية أو إنسانية، يتولى حمايتها قاض متمكن ونزيه، محمي من كل الضغوط، مقابل التزامه بحماية مصالح المجتمع وحقوق الأفراد. * استخلفت المسودة المجلس الدستوري بالمحكمة الدستورية، فما هي الإضافة التي يحملها هذا التعديل ؟ ** المحكمة الدستورية يتعين أن تكون مستقلة وتركيبتها يجب أن تقتصر على متخصصين بعيدا عن نظام المحاصصة بين الهيئات.. ونأمل أن تكون محكمة دستورية حقيقية، مهمتها فحص دستورية القوانين والتشريعات.. وهنا أتساءل عن سبب عدم النص على حق المواطن في الدفع بعدم الدستورية دون حاجة لوجود منازعة قضائية، كما هو وارد في المسودة.. المحكمة الدستورية تقوم بالرقابة الدستورية على الأوامر والنظر في رقابة توافق القوانين والتنظيمات مع المعاهدات، بالإضافة إلى تمكين الهيئات من حق طلب تفسير والنظر في مختلف الخلافات، التي قد تحدث بين السلطات الدستورية بعد إخطار الجهات المختصة. على المختصين أن يبادروا إلى تقديم مقترحاتهم لتصحيح الاختلالات والنقائص المسجلة في المسودة، لاسيما ما تعلق منها بالحقوق والواجبات وصلاحيات كل مؤسسة دستورية، بما يكفل الفصل الحقيقي بين السلطات. * في تشكيلة المحكمة الدستورية تم استبدال عملية انتخاب الممثلين الأربعة لغرفتي البرلمان من قبل زملائهم، بصيغة التعيين في المحكمة الدستورية من قبل رئيسي الغرفتين. لماذا تم ذلك برأيكم؟ ** انطلاقا من تقديري الخاص لمبدأ الفصل التام بين السلطات الثلاثة التشريعية وتنفيذية والقضائية، فأنا ضد تواجد ممثلين للبرلمان بغرفتيه في المحكمة الدستورية، فهو غير مستساغ سواء كان عن طريق التعيين أو الانتخاب، لأنها هيئة ذات طابع قضائي ويحبذ أن تكون مقتصرة على أهل الاختصاص فقط، أما مسألة الانتخاب أو التعين فتبقى جزئية غير مهمة أمام المبدأ الخاص بالفصل بين السلطات. قصدي أن يتم إختيار قضاة المحكمة الدستورية من المتخصصين فقط سواء بالانتخاب أو التعيين، فهي مؤسسة قضائية لا يجب أن تتدخل في تركيبتها السلطة التشريعية بأي صورة. * وماذا عن تكريس الرقابة الشعبية على دستورية القوانين من خلال ممارسة حق الدفع بعدم الدستورية؟ ** من باب تكريس الرقابة الشعبية على دستورية القوانين، باعتبار أن الشعب هو مصدر كل سلطة، القوانين والتشريعات المقارنة تمنح للمواطن العادي رفع دعوى مبتدئة أمام المحاكم الدستورية ينازع فيها في مدى مطابقة نص قانوني ما للدستور وهو ما يتطابق مع أحكام الاتفاقيات الدولية.. ونأمل أن ينحو المشرع الدستوري هذا المنحى. ويتم ذلك بوجوب تحرير النيابة العامة من التبعية لوزير العدل لأن قانون الإجراءات الجزائية المطبق حاليا يقيد قضاة النيابة بحكم علاقة التبعية والتدرج تحت سلطة وزير العدل، الذي هو عضو في الجهاز التنفيذي ومفاتيح الدعوى العمومية بيده.