* email * facebook * twitter * linkedin عاد الحديث بقوة في عدد من عواصم الدول الكبرى خلال اليومين الأخيرين حول إنتاج أول لقاح تنتظره البشرية لتقوية مناعة أجساد شعوبها ضد فيروس "كورونا"، بخلفيات تجارية غير معلنة ينتظر أن يشهدها العالم خلال الأشهر القادمة. وخرجت مسألة إنتاج هذا اللقاح السحري من دائرة البحث الصيدلاني البحت والتنافس بين المخابر العالمية إلى قضية سياسية يتصارع بشأنها قادة دول كبرى رهانهم في ذلك تحقيق الشهرة وأيضا الأرباح الطائلة. وهو الهدف الذي لم تخفه مخابر "صانوفي" الفرنسية التي أكدت أن أول لقاح تنتجه سيتم تسويقه استثناء في الولاياتالمتحدة قبل غيرها من الدول بدعوى حصولها على دعم أمريكي بقيمة 30 مليون دولار لتطوير الأبحاث بشأن هذا اللقاح وتحقيق أسبقية تسويقه. وأكد مثل هذا الموقف النزعة التجارية التي حركت الإدارة الأمريكية وكذا هذا المخبر الشهير بهدف استغلال وضع صحي عالمي استثنائي مما عرضها لحملة انتقادات لاذعة في مختلف الدول الأوروبية التي وصفت ذلك ب"الموقف اللاأخلاقي" وجعل الناطق باسم اللجنة الطبية الأوروبية يؤكد أن كل لقاح يتم إنتاجه في العالم يجب أن يوجه للمنفعة العامة شريطة أن يكون الوصول إليه في متناول الجميع وفي كل بلدان العالم. وكان الرئيس الأمريكي أول من فجر هذا الصراع في بدايات انتشار فيروس "كورونا" عندما حاول إغراء باحثين ألمانا بأموال طائلة إن هم منحوه تركيبة مصل تسرب أنهم على وشك وضعه لمعالجة الجائحة ضمن تصرف لم تستسغه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لترد عليه بحدة وبأن أموال الدنيا لن تجعل هؤلاء الألمان يبيعون زبدة أبحاثهم للخارج. وعادت حرب اللقاحات بقوة خلال اليومين الأخيرين بعد تأكيد الرئيس، دونالد ترامب أن بلاده على وشك التوصل إلى إنتاج أول لقاح بحلول نهاية العام إن لم يكن قبل ذلك بمبرر وجود مؤشرات ونتائج مشجعة تم تسجيلها إلى حد الآن. وشككت فريدرك فيدال وزيرة الصحة الفرنسية في درجة تفاؤل الرئيس الأمريكي وقالت إنه بالاعتماد على تقارير المخابر والباحثين فإن إنتاج أول لقاح لن يكون ممكنا قبل 18 شهرا من الآن، إذا كنا لا نريد تعريض صحة الناس لأي خطر، ضمن توقعات سارت في سياقها الوكالة الأوروبية للدواء التي أكدت هي الأخرى أن إنتاج أول لقاح لن يكون قبل عام من الأن. ولا يمكن الإشارة إلى تصريحات الرئيس الأمريكي دون ربطها بتأكيدات مسؤول صيني أول أمس، بوجود خمسة لقاحات محل تجارب متقدمة على الإنسان ضمن إشارة قوية على رغبة صينية ملحة للتوصل إلى إنتاج أول لقاح قبل أن يفعلها الأمريكيون. وقال نائب وزير الصحة الصيني، زنغ يوكسين إن تجارب هذه اللقاحات تعرف تقدما كبيرا بفضل تظافر جهود مصالح الصحة والمستشفيات ومعاهد البحث الصيدلاني مما مكن من إجراء تجارب سريرية على 2575 متطوعا دون تسجيل أية أعراض جانبية إلى حد الآن. لكن المسؤول الصيني فضل التكتم حول موعد تسويق هذه اللقاحات واكتفى بالقول بانتهاء المرحلة الثانية من التجارب السريرية مع حلول شهر جويلية القادم في انتظار بلوغ المرحلة الثالثة والأخيرة قبل الحصول على رخصة مصالح الصحة الصينية والعالمية بتسويقها على أوسع نطاق. وقال سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، في ظل هذه التجاذبات بوجود "صراع غير نزيه" بدأ يظهر في العالم حول من سيكون الأول في صنع لقاح ضد فيروس "كورونا" ضمن ما وصفها بمظاهر "الأنانية الوطنية حول من سيكون مالك اللقاح أولا" في انتقاد ضمني لإقحام الرئيس الأمريكي نفسه في قضية تهم مختصين في الأبحاث الطبية. وقال لافروف بوجود أدلة على أن الولاياتالمتحدة اشترت شركة "صانوفي" الفرنسية، متوقعة أنها ستحقق نتيجة عملية قبل غيرها ولكن النتيجة ستحصل عليها الولاياتالمتحدة في إشارة إلى احتكارها رخصة تسويقه لأغراض تجارية. ليشدد على ضرورة جعل اللقاح متاحا للجميع بعيدا عن الجغرافيا السياسية، ودون نزعة أنانية أو محاولة استخلاص الفوائد الجيو سياسية من هذا الوضع المأساوي. وحتمت مثل هذه الأنانية والحسابات الضيقة التي أظهرها الرئيس الأمريكي بزعماء وقادة عدة دول إلى إصدار نداء طالبوا من خلاله بضمانات لتشخيص وعلاج الوباء وتمكين الجميع منه وبالمجان متى تم التوصل إلى إنتاج أول لقاح ضد هذا الفيروس. ووقع على هذا النداء أكثر من 140 شخصية من زعماء دول سابقين وحاليين وخبراء وباحثين، عشية اجتماع ممثلي الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية يوم غد والذي سيخصص لبحث الوضعية الوبائية والتبعات التي تركها تفشي الفيروس في كل العالم.