قبل أكثر من أربعة عقود، قرأت رواية الأديب السوري، فاضل السباعي، (ثم أزهر الحزن)، فأعجبت بها، وأنا منذ ذلك الحين أتمنى أن أراها وقد أخرجت في فيلم مطول، أوفي مسلسل تلفزيوني على غرار ما نشهده هذه الأيام في التلفزات العربية مشرقا ومغربا، لكن أمنيتي خابت في خضم الإبداع السينمائي العربي، إذ أن المخرجين وكتاب السيناريوهات لا يلتفتون إلى كبريات الأعمال الروائية في زمننا هذا، فهم يفضلون تصوير أفلام تاريخية في معظم الأحيان لكي لا يقضوا مضاجعهم ولا مضاجع السياسيين العرب، إذ من المعلوم أن التاريخ العربي الإسلامي يزخر بمواضيع تمجد هذا البطل أوذاك، هذه الدولة أوتلك، وذلك ما يعني أن هذا التاريخ نفسه لا انعكاسات له على واقعنا السياسي والاجتماعي، ولا يقلق أهل الحكم، حيثما كانوا في هذه الدارة العربية الواسعة. وأنا أقرأ رواية فاضل السباعي في ذلكم الزمن البعيد، فاجأني صحفي يدبج مقالاته ومواضيعه باللغة الفرنسية، فقال لي وهو يستعرض صفحة الغلاف: أنتم المعربون رومانسيون في المقام الأول! لا تتحدثون إلا عن الحزن وما يجاوره. قلت له بتلقائية: فعلا، نحن رومانسيون، ولنا رومانسيتنا، وأدباؤنا وشعراؤنا على مدى خمسة عشر قرنا من الزمان، فما الذي تمتلكونه أنتم، أيها المفرنسون؟ فيكتور هيغو ليس لكم، لا ولا (لامارتين) أو(ألفرد دوفينيي) أو(موسيه) ومن جاء في إثر كوكبة الرومانسيين الفرنسيين في النصف الأول من القرن التاسع عشر. ومضت الأيام، وإذا بي أفاجأ بمقالة وضعها الروائي فاضل السباعي في صحيفة عربية يتحدث فيها عن الأدب في الجزائر، ويذكرني فيها باسمي الخاص، ذلك لأنني ذكرته بالخير، وذكرت العديد من أدباء سوريا، في حديث أدبي مطول مع صحيفة عربية، وقال بالحرف الواحد إنه يعتز بالتعرف علي بالرغم من أنه لم يقرأ لي شيئا، ذلك أن الكتاب العربي الجزائري مغبون، أوهو موسوم بالرومانسية السلبية، ولذلك يتعين عليه أن يبقى حبيس داره، وألا ينتقل لا شرقا ولا غربا. مازالت رواية فاضل السباعي في مكتبتي بعد أربعة وأربعين عاما من اقتنائها، ومازلت أذكر أحداثها وأبطالها، وكفاح بطلاتها بوجه خاص من أجل العزة والكرامة العائلية أولا، ثم الكرامة الوطنية، ومازلت معجبا بأجواء الطبيعة فيها، وبتساقط الثلوج على مدينة دمشق، وبالماء وهو يتقاطر من القرميد وغيرها من الصور الجميلة الأخرى. ومازلت في الوقت نفسه أتمنى من صميم قلبي أن تعرف هذه الرواية طريقها الى السينما أوالتلفزيون لأنها جزء من الوجدان العربي الحديث، ذلك الذي تربينا عليه في القصص والروايات وفي قصائد أحمد شوقي وجميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي وحافظ ابراهيم وكتابات محمد كرد علي وقسطاكي الحمصي وفؤاد الشايب، وشعراء المهجر، جزاهم الله عن العربية خير الجزاء في هذا الشق من الدارة العربية الجميلة رغم أفاعيل السياسة فيها، ورغم الهوان الذي تعيشه في زمن المتأمركين من العرب وبقايا (المتسفيتين) من العرب أيضا.