❊ الحراك في الديباجة.. تثبيت المواد الصماء ولا مساس بالهوية ❊ استحداث محكمة دستورية.. وإعادة كلمة الفصل للإرادة الشعبية ❊ 5 آلاف مقترح من شخصيات وأحزاب وجمعيات.. سابقة في التعديلات ❊ عهدتان رئاسيتان فقط.. وإلغاء منصب نائب الرئيس مع بداية العد التنازلي لتنظيم الاستفتاء حول مشروع تعديل الدستور المزمع تنظيمه في غضون شهر ونصف من الآن، يتركز الاهتمام على مضامين هذه الوثيقة التي تحمل أبعادا جديدة في سياق إرساء منظومة سياسية جديدة لا تتسم بالظرفية، مثلما كان عليه الحال في الدساتير الماضية، التي استدعت في الكثير من المرات إدخال تعديلات لم تكن في مستوى الطموحات المنشودة، لاسيما ما تعلق بالصلاحيات الموسعة لرئيس الجمهورية، بما أدى إلى تعزيز مفهوم "الفردانية" في نظام الحكم، في حين تضمنت الوثيقة الجديدة اقتراحات شكلت إجماعا لدى مختلف التشكيلات السياسية والجمعيات والشخصيات في إطار ترقية الديمقراطية التشاركية. اتسمت المراحل التي رافقت الإعلان عن تعديل الدستور منذ بدايته بالنقاش الموسع بين مختلف أطياف المجتمع، ما أضفى عليه "الطابع الديمقراطي" الذي غاب عن الدساتير السابقة من منطلق أن الاقتراحات المقدمة كانت غير علنية، عكس مشروع الوثيقة الجديدة التي اطلع عليها الرأي العام، حيث فسح لها المجال للتعديل أو الاضافة أو الحذف. ومن أبرز نقاط القوة التي تضمنها مشروع تعديل الدستور، الرفض التام لإمكانية مراجعة المبادئ التي لها ارتباط بالحركة الوطنية أو تلك التي كرستها الوثائق المتعددة للثورة التحريرية، لا سيما بيان أول نوفمبر، محددا بذلك المرجعيات التي لا يمكن تجاوزها أو المس بمضامينها في أي تعديل. الحراك مصدر إلهام في الممارسة السياسية لعل إدراج الحراك الشعبي ل22 فيفري 2019، في ديباجة الدستور يبقى من أهم النقاط الايجابية التي تحسب للوثيقة الجديدة، باعتباره مرجعية مهمة ومصدر إلهام في التشريع وفي الممارسة السياسية، يضاف إليها أكثر من 20 حقا من الحقوق والحريات الجديدة، مع التأكيد على ضرورة إرفاقها بضمانات قانونية ضرورية عند وضعها حيز التنفيذ. ومن شأن هذه الحريات تقديم ضمانات أكبر للأحزاب والصحافة والمجتمع المدني في ممارسة نشاطهم دون ضغط، كما تحمل الوثيقة معها رغبة في تحرير جهاز القضاء وذلك بإبعاد الوزير الأول من المجلس الأعلى للقضاء، في إطار منح العدالة مزيدا من الشفافية والاستقلالية. ومن النقاط المهمة التي تضمنتها الوثيقة أيضا استحداث محكمة دستورية، وهو ما يشكل فرصة حقيقية للتأسيس لقضاء دستوري في الجزائر لأول مرة، والمؤكد أن ذلك يستدعي فتح نقاش في المستقبل بشأن طبيعتها وتركيبتها وصلاحياتها واختصاصها. خلق تناغم بين السطات الثلاث ويتركز هدف التعديل مثلما أكده رئيس الجمهورية، في العديد من المناسبات على إحداث تغيير كبير في النظام السياسي، وخلق توازن بين السلطات الثلاث عبر خلق أجواء قانونية أكثر تناغما فيما بينها، حيث يصف العديد من الخبراء نظام الحكم في عهد عبد العزيز بوتفليقة ب"الرئاسوي المشدد"، لأنه منح الرئيس صلاحيات واسعة ونفوذا على جميع الأجهزة الأخرى. وعليه فإن الاتجاه يسير نحو التخفيف من حدة ذلك النظام المغلق، من خلال تبنّي نظام برلماني بخصائص النظام الرئاسي، وهو ما يعكسه مضمون مشروع الدستور الجديد الذي ينص على اختيار الرئيس، عن طريق الانتخاب الشعبي مع تقسيم صلاحيات السلطة التنفيذية بين الرئاسة والحكومة. وقد واجه الرئيس عبد المجيد تبون، العديد من التحديات للوصول إلى هذه المرحلة البارزة في تاريخ الجزائر، حيث لم يكن من السهل إقناع الرأي العام وخاصة الحراك الشعبي، بأن التغيير يجب أن يبدأ عبر تعديل الدستور بعد الانتخابات الرئاسية التي نظمت في 12 ديسمبر من السنة الماضية. وقد فتحت الرئاسة أبوابها من أجل تلقي المقترحات ونقد مسودة الدستور الذي أوعز به الرئيس تبون، للخبير الدستوري أحمد لعرابة، لإعدادها وكان الهدف من كل ذلك هو الوصول إلى دستور توافقي يقضى على كل أشكال التفرد بالحكم. وجمع عقب ذلك أكثر من 5 ألاف مقترح لتعديل وثيقة رسمية، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ البلاد السياسي، فقد كان النظام السابق يطرح أفكاره على البرلمان الذي يصادق عليها أيضا بالإجماع. فبقدر ما يحمله الموعد من رمزية تاريخية لتزامنه مع إحياء البلاد للذكرى ال65 لاندلاع الثورة التحريرية، تم إعداد 65 صفحة من التعديلات لمواد دستورية. ومن أبرز ما جاء في المشروع النهائي للدستور هو تحديد الولايات الرئاسية في عهدتين اثنتين، بينما تم إلغاء إدراج منصب نائب الرئيس في النص النهائي بسبب عدم التوافق حول هذه النقطة، حيث يجمع العديد من الخبراء أن اختيار نائب الرئيس لابد أن يكون عبر الانتخاب بالتوازي مع انتخاب رئيس الجمهورية. تحقيق مطلب الأحزاب في تعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية أما فيما يتعلق بتعيين رئيس الحكومة، فإنه سيكون من الأغلبية البرلمانية وفي حالة كانت الأغلبية موالية للرئيس وبرنامجه أو عن طريق التحالف الرئاسي، علما أن ذلك كان من أبرز المطالب التي رفعتها الأحزاب السياسية وبذلك فإن هذا المطلب قد تحقق في وثيقة الدستور. وباستدعاء الهيئة الناخبة للاستفتاء على مراجعة الدستور يكون رئيس الجمهورية، قد جسد أحد التزاماته السياسية الرئيسية التي من شأنها وضع أسس "دولة عصرية في خدمة المواطن"، و "استعادة الثقة" بين الشعب ومؤسساته. وكان رئيس الجمهورية، قد أكد خلال أشغال مجلس الوزراء، أن مشروع التعديل الدستوري "ينسجم مع متطلبات بناء الدولة العصرية، ويلبي مطالب الحراك الشعبي المبارك الأصيل"، مضيفا "لذلك حرصت على أن يكون الدستور في صيغته الجديدة توافقيا في مرحلة إعداده على أوسع نطاق من خلال تمكين مختلف الأطياف الشعبية، وصنّاع الرأي العام من مناقشته طيلة أكثر من أربعة أشهر بالرغم من القيود التي فرضتها الأزمة الصحية". كما أكد خلال مجلس الوزراء المنعقد يوم 6 سبتمبر الماضي، أن "تطبيق هذا التعديل الدستوري إذا ما وافق عليه الشعب، يستلزم تكييف عدد من القوانين مع المرحلة الجديدة ضمن منظور الإصلاح الشامل للدولة ومؤسساتها واستعادة هيبتها".