عقد الاتحاد الافريقي، أمس، انطلاقا من مدينة جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا قمة استثنائية، افتراضية تناولت مسآلة "إسكات صوت البنادق" في القارة التي تتخبط في صراعات مسلحة زادت في مآسي شعوبها التي تعاني ثالوث الفقر وانعدام الأمن والتنمية. واختار الاتحاد الإفريقي عقد الدورة الاستثنائية ال 14 لمؤتمر رؤساء الدول والحكومات الأعضاء تحت شعار "إسكات البنادق: خلق ظروف مواتية لتنمية إفريقيا" لتقييم الوضع العام في إفريقيا منذ إطلاقهم لهذه المبادرة سنة 2013 حيث حدّدوا حينها العام الجاري موعدا لإنهاء كل النزاعات في القارة. ولكنه وبعد سبعة أعوام من تحديد هذا الهدف تعقد هذه القمة الاستثنائية في ظل ظروف أكثر توترا وتهديدا للأمن والسلم في ظل تفجر بؤر توتر جديدة وعجز دول الاتحاد الإفريقي في احتوائها ضمن صورة قاتمة سبق وأكد عليها رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فقي الذي اعتبر أن الوقت الذي مرّ منذ 2013 سمح بكشف "مدى تعقيد الإشكالية الأمنية في إفريقيا" أكثر مما سمح بتسوية النزاعات. ويدرك القادة الأفارقة صعوبة بل واستحالة على الأقل في المدى القريب تحقيق مبادرة "إسكات البنادق" وهم الذين فشلوا في احتواء أزمات سابقة لا تزال قائمة إلى يومنا هذا ومنع تفجر أخرى أبرزها أزمة الكركرات في الصحراء الغربية. وفرضت هذه الأخيرة نفسها على القمة التي عقدت جلساتها عبر المنصات الافتراضية في وقت دخلت فيه المواجهات المسلحة بمنطقة الكركرات العازلة بين الصحراء الغربية والمغرب أسبوعها الرابع على التوالي. ولم يخف الرئيس الجنوب إفريقي، سريل رمافوزا في كلمته، قلقه من التطوّرات المسلحة الأخيرة في الصحراء الغربية وقال "نحن نجتمع هنا ونعلم جميعنا أن صوت الرصاص لم يصمت". وهو ما يضع القمة وكل مشاركيها أمام امتحان صعب إما بنجاحها في تحقيق مبادرتها من خلال احتواء أزمة الكركرات وفقا لما تقتضيه الشرعية الدولية المقرة بأحقية الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وإما ببقائها مجرد قمة شكلية بياناتها وقراراتها تبقى أيضا مجرد حبر على ورق. ولأن الامتحان صعب فقد شكلت القمة فرصة لبلورة رؤية واضحة حول الخطوات المستقبلية التي من شأنها تسريع تحقيق مبادرتها من جهة وللتأكيد من جهة أخرى على التنسيق مع الأممالمتحدة من أجل وضع حد للنزاعات والحروب في القارة وضمان تمويل دائم لعمليات السلام التي ينفذها الاتحاد الإفريقي في القارة السمراء. ووضعت أزمة الكركرات الاتحاد الإفريقي ومعه الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي أمام مسؤولياتهم التي تنصلت منها إزاء نزاع كان يمكن احتواؤه سلميا باعتبار أن القضية الصحراوية وباعتراف المنظمة الأممية نفسها تشكل مسألة تصفية استعمار حلها لن يكون إلا من خلال تمكين شعب الصحراء الغربية من ممارسة حقه في تقرير مصيره. وإذا أراد الأفارقة فعلا تحقيق مبادرتهم ل«إسكات البنادق" فالأحرى بهم تشكيل جبهة ضغط على المغرب العضو في الاتحاد الافريقي لحمله على الانصياع للشرعية الدولية واحترام ميثاق المنتظم الإفريقي الذي ينصّ بوضوح على ضرورة احترام الدول الأعضاء للحدود الموروثة عن الاستعمار. كما يجب عليهم مواصلة الضغط على مجلس الأمن الدولي واستغلال على الأقل الرئاسة الدورية لجنوب افريقيا لهذا الشهر للدفع باتجاه إخراج ملف القضية الصحراوية من أدراج المنتظم الدولي ووضعه على طاولة النقاش وفقا لما تقتضيه الشرعية الدولية واللوائح الأممية ذات الصلة كآخر قضية تصفية استعمار في القارة الإفريقية.