تعتبر الأمومة بالنسبة للمرأة الحامل لأول مرة تجربة فريدة من نوعها، حيث تغمرها عدة مشاعر تتراوح بين القلق والغبطة، الفرح والحزن، وتصبح خلال هذه المرحلة حساسة جدا، ولكن بعد الولادة ونظرا لتدخل عدة عوامل نفسية واجتماعية وشخصية وحتى فزيولوجية قد تنفر الأم من مولودها وتدخل في حالة اكتئاب، وإذا طالت تستدعي تدخلا عاجلا لأطباء النفس، لأن ذلك قد ينعكس سلبا على حياة وسلوك وشخصية المولود. وتترجم مثل هذه الحالات قول أحد علماء النفس "قد تكون المرأة مستعدة للحمل وغير مستعدة للتربية". أعطى الطب تفسيرا لحالة الاكتئاب التي تعاني منه المرأة بعد وضع الحمل، لا سيما عند وضع المولود الأول بالإشارة إلى تأثير ارتفاع نسبة بعض الهرمونات، وحدوث تغيرات نفسية وجسدية، فمثلا حجم الرحم وحده يكبر ب 500 مرة مقارنة بحجمه الطبيعي، وبمجرد الولادة تزول كل هذه التغيرات وتعود الأمور لحالتها الطبيعية، فيبدأ الرحم في التقلص ليعود إلى حجمه الطبيعي، وخلال هذه المرحلة تشعر المرأة بالألم، إلى جانب فقدانها للوزن الزائد الذي تعودت عليه طيلة أشهر الحمل، ويرى بعض الأخصائيين أن الفراغ الذي تشعر به الأم بعد الولادة يدخلها في حالة اكتئاب، لكن على العموم هذه الفترة تكون عادية اذا لم تتجاوز مدة الشهر، فاذا امتدت أكثر من ذلك ولم تخرج الأم من حالتها ينبغي التدخل العاجل من محيطها العائلي لمساعدتها حتى تتعود على مولودها الذي يكون في أشد الحاجة إلى حبها وحنانها في هذه المرحلة الحساسة من عمره.
النفور من المولود أولى مظاهر الاكتئاب يرجع علماء النفس هذه الحالة التي أطلق عليها "اسم النفور من المولود" إلى اعتبار الأم أن المولود مسؤولا عن وضع لم ترد أن تعيشه، إلى جانب عدة أسباب أخرى تختلف باختلاف الظروف التي تعيشها أو تمر بها الأم. وفي هذا الخصوص ترى لويزة فرشان أستاذة علم النفس - التقتها المساء - بجامعة بوزريعة أن الاكتئاب الذي تصاب به المرأة هو حالة عادية، لأن له خلفيات تفسره، منها الاجتماعية كسوء العلاقة بين الزوجة وزوجها خاصة في حالة الزواج التقليدي الذي لا يكون نتيجة اختيار شخصي، وبالتالي فهي ترفض أية صلة تربطها به، لذا تتخذ احتياطاتها لعدم الحمل، وإن حدث وحملت فإنها ترفض الاتصال بمولودها، بل وتتجنب حتى حمله وإرضاعه بدافع الكره الذي تحمله لوالده. كما توجد أسباب مهنية شاعت هذه الأيام عند المتزوجين حديثا، إذ نجد أن المرأة اليوم عندما تتزوج تتجنب الحمل، معللة ذلك بأنها ترغب في تحقيق ذاتها أو التمتع بحياتها مع زوجها بعيدا عن متاعب الحمل ومسؤولية تربية الأولاد، إلا أنه قد يحدث وتحمل الزوجة بعد مدة وجيزة من زواجها، الأمر الذي يبقيها حبيسة المنزل لتربية المولود أو التوقف عن العمل لا سيما إن كانت حديثة في عالم الشغل، وبالتالي منذ الأيام الأولى لحملها يتكون لديها إحساس بالكره وعدم الرغبة في الإنجاب، وبسبب غياب الاستعداد النفسي المسبق لتقبل المولود فإنه وبمجرد الإنجاب تدخل مباشرة في حالة اكتئاب ورفض يدفع بها للتخلي عن تربية مولودها ومنحه لوالدتها لتشرف على الاهتمام به، بل وأكثر من ذلك قد تمتنع نهائيا عن إرضاعه خاصة إن كانت تخاف على قوامها وجمالها. وهناك الأسباب الاقتصادية الأخرى التي يعيشها المجتمع الجزائري اليوم والتي تدفع لقلة الإنجاب. من جهة أخرى تؤكد المتحدثة أن رفض المولود يظهر مباشرة على الأم من خلال عدم الاقتراب منه وعدم حمله وتركه يصرخ فترة من الزمن دون الاكتراث به، وما تجهله الأم هو أن هذه المرحلة التي تمر بها ظرفية بغض النظر عن العوامل التي أسهمت فيها، ولكن إن طالت تصبح مرضا نفسيا يؤثر على شخصية الطفل.
أحلام وأوهام تدفع إلى الاكتئاب من جهتها اعتبرت الآنسة نعيمة هميلة أستاذة في علم النفس المعرفي أن المشاكل الاجتماعية تقف بالدرجة الأولى وراء حالة الاكتئاب التي تمر بها المرأة بعد الولادة. ورغم ذلك تشير المتحدثة إلى أن نسبة النساء اللواتي يرفضن أولادهن ويمتنعن عن إرضاعهن أو حملهن قليلة، بحيث لا تتعدى 5 بالمئة، مشيرة إلى تعلق الأم العازبة أو المتشردة بطفلها رغم أنه ولد نتيجة علاقة غير شرعية، أو أنه كان سببا في تشردها. وتشير من جهة أخرى إلى وجود أسباب خارجة عن الاطار الاجتماعي والنفسي والاقتصادي للأم قد تدفعها إلى كره مولودها، وتروي في هذا السياق حادثة وقعت لامرأة حملت بتوأمين حيث تقول: "كانت هذه السيدة كلما نامت تحلم أن لديها وحشين في بطنها وليس توأمين، وبعد الولادة دخلت في حالة اكتئاب طويلة، حيث رفضت ولديها معتبرة إياهما وحشين، كما أصبحت تكره زوجها الذي اعتبرته مسؤولا عن إنجابهما. وخوفا من أن تقوم الأم بقتل الرضيعين انتزعا منها وتم إخضاع الأم لعلاج نفسي مطول أثمر في النهاية حيث قبلت بهما عن قناعة. ويعتبر علماء النفس أن الاكتئاب بعد الولادة ماهو إلا وضع طبيعي يرتبط بمرحلة النفاس التي تمر بها المرأة، إلا أنه قد يطول، وبالتالي يتحول إلى مرض نفسي لاسيما في حالات خاصة، كأن يكون المولود معاقا ما أو مصابا بمرض ما، في هذه الحالة تتعمق حالة الاكتئاب التي تمر بها المرأة التي تكون قد رسمت صورة جميلة لمولودها كأن يكون مثلا ابيض البشرة بهي الطلعة، لتصطدم بعد الولادة بطفل مختلف الشكل تماما، فما بالك اذا كان مريضا أو معاقا! وتبقى المتابعة النفسية للنساء الحوامل أمرا ضروريا قد يقي المرأة من الوقوع في حالة الاكتئاب أو على الأقل يخفف من حدتها، وهو ماتقوم به مصالح الأمومة في العديد من البلدان الأوروبية، في حين نرى أن هذا الجانب النفسي ليست له أي أهمية في مجتمعنا.