يتحول الطفل الأول دائما إلى حقل للتجارب أمام جهل عدد كبير من الأمهات المبتدئات بعالم الطفولة والأمومة وبطرق ووسائل رعايته، حيث يمكن اعتبار تربية الطفل الأول دورة خاصة لتعلم شؤون الأمومة ورعاية الأطفال يدفع ثمنها الطفل الأول الذي يكون مجبرا على تحمل الأخطاء الكثيرة التي تقع فيها أمه معه وتتعلم منها. يعتبر مجيء الطفل الأول حدثا سعيدا تنتظره الأسرة بفارغ الصبر وتعد له الكثير من الأشياء الجميلة بدءا بالعقيقة التي يجتمع حولها الأهل والجيران إلى تحضير الهدايا وغيرها من مستلزمات الطفل، وتمضي كل هذه الأحداث بسرعة ويختفي جميع المهللين لتدخل الأم لوحدها منعطفا جديدا في حياتها مختلفا تماما عما سبق لأن المسؤولية تضاعفت، وهو أمر ليس بالعادي لأنه يجعل الزوجين يدخلان غمار مرحلة جديدة في علاقتهما الزوجية، فبعد أن كانا معتادين على إيقاع زوجيمعين يعتبرانه الإيقاع النموذجي، يصبح هناك شخص آخر له حضور مادي ومعنوي واجتماعي واقتصادي ويتقاسم معهما كل شيء، البيت وغرفة النوم وحتى السرير، إنسان صغير يحتاج إلى محبتهما وعنايتهما وعطفهما لينمو ويعيش. ولايمكن للتحول الذي يطرأ على حياة الزوج والزوجة بعد ولادة الطفل الأول أن يمر دون أن يترك في العلاقة الزوجية والعاطفية وفي سلوك وشخصية كل طرف فيها الكثير من التغيرات وهذا أمر لا ينكره أحد. الطفل الأول تجربة سعيدة وقاسية تقول السيدة شهيرة إن حياتها انقلبت رأسا على عقب بعد ولادة طفلها الأول، حيث لم تكن تتوقع أن يحدث هذا التغيير الجذري في حياتها وتضيف: ''بقدر ما كان الحدث سعيدا بقدر ما زادت متاعبي ولم أعد أستطيع التوفيق بين البيت والعمل خاصة ما تعلق بشؤون الطفل من إرضاع، وتضيف ''أصبحت أستيقظ مبكرا جدا لكي أقوم بأعمال البيت قبل أن يستيقظ طفلي ثم يأتي دوره فأقوم بتجهيزه لآخذه عند والدتي وأنا أواظب على هذا العملية منذ بلوغه الشهر الثالث إلى يومنا هذا''. وأضافت: ''كنت أدرك أن إنجاب طفل مسؤولية كبيرة لكني لم أعتقد أنها صعبة لهذا الحد''. من جهة أخرى تحكي سليمة موظفة كيف عاشت استقبالها لمولودتها الأولى قائلة: ''بعد أن تعودت على أسلوب حياة معين وجدت نفسي بعد وضع طفلتيأمام واقع يفرض على المكوث في البيت إذ أصبحت أتحمل مسؤولية جديدة لا يساعدني في تحملها أي أحد خاصة وأني أقطن بعيدا عن أهلي وحماتي بحكم عمل زوجي. ومع مرور الأيام بدأت أعصابي تتعب فعلا كنت كثيرة القلق على ابنتي خاصة وأني لم أتعود على العناية بأشخاص بهذا الحجم الصغير جدا كنت أخاف أن أتسبب في إيذائها بجهلي لطريقة حملها الصحيحة أو كيفية استحمامها إلى غير ذلك من الأمور اليومية، وأكثر ما كان يخيفني هو اختناقها بالحليب أو الماء. كنت أعتقد في نفسي الصلابة والقوة والقدرة على تحمل الصعاب، بعد ثلاثة شهور قضيتها في البيت برفقة طفلتي، انحصر فيها نشاطي في تحضير الرضاعة وتغيير الحفاظات ومراقبة درجة حرارة طفلتي بمجرد ظهور أدنى علامات المرض عليها، أصبحت أشعر بدوار لا يفارقني وآلام في الرأس ورغبة في البكاء لا تتوقف وحتى شهيتي للأكل فقدتها''. وحكاية شهيرة وسليمة مع المولود الأول تتشابه تفاصيلها مع حكايات الكثير من الأمهات اللاتي لم تخل فرحتهن باستقبال المولود الأول من الكثير من التعب الذي خلفته المسؤولية الجديدة . وللأزواج نصيبهم قد يحصر الكثيرون دور الرجال الذين يأخذون صفة أب لأول مرة في الجانب الاقتصادي ويجدونهم ملزمين على توفير كل ما يتعلق بالطفل بدءا بالحليب والحافظات والملابس وغيرها من الاحتياجات اليومية التي تشكل بالنسبة للأب ميزانية كبيرة لم تقلل من وقعها إلا فرحته بمولوده الأول، لكن الأمهات يرين عكس ذلك ويطالبن أزواجهن بلعب دور أكبر في الرعاية بالطفل الأول وحجتهن في ذلك أنهن لا يملكن الخبرة الكافية مثلهن مثل الرجال. تقول السيدة شهيرة إن زوجها لم يساعدها في الاعتناء بطفلها أبدا خاصة في أيامه الأولى، حيث كان يتحجج بجهله لكيفية الاعتناء بالأطفال الرضع بل كان يخاف حتى من وضع الرضاعة في فم الصغير. أما السيدة سليمة فأكدت أن زوجها رغم فرحته بقدوم الطفلة ''إلا أن دوره اقتصر على حملها عندما أكون بصدد تحضير شيء طلبه هو شخصيا، أما أن يساعدني طوال الوقت في العناية بها فكان ذلك مستحيلا لأن عمله خارج البيت كان متعبا للغاية - كما كان يقول - مقدما حججه للتهرب من مساعدتي''. وخلال حديثا مع أب لأول مرة، قال السيد طارق إنه لم يكن يتوقع أن يكون الأمر صعبا لهذا الحد، ''فبعيدا عن الأمور المادية التي رافقت ولادة ابنتي الأولى أصبح الطبيب ومقياس درجة الحرارة لا يفارقنا أبدا خوفا من حدوث مكروه للطفلة الصغيرة، والمشكلة أنها حتى وهي تلعب وفي أحسن حالتها كنا لا نتوقف عن قياس درجة الحرارة، الآن فقط يقول طارق تأكدت أن إنجاب طفل ليس بالأمر الهين على الإطلاق''. اكتئاب ما بعد الولادة لا يفرق بين أم وأخرى تقول الأخصائية النفسانية غنية عبيب إن فرحة المولود الأول لا يمكنها أن تمر دون أن تترك مضاعفات على بعض الأمهات، ومن أهم ما يمكن أن يصيب الأم بعد الولادة هو الاكتئاب الذي لا يفرق بين امرأة وأخرى. ولا يشكل الوضع الاجتماعي والاقتصادي وعدد الأطفال أي فرق يذكر، فالأم للمرة الأولى متساوية مع الأم التي لديها أطفال في احتمالية الإصابة بالاكتئاب. وتشير الأخصائية النفسانية إلى أن المرأة التي لديها تاريخ مرضى في الإصابة بالاكتئاب أكثر عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة. وتؤكد أن السبب الرئيسي لاكتئاب ما بعد الولادة هو التغير الحاد في الهرمونات، حيث انه خلال فترة الحمل ترتفع الهرمونات وتتغير نسبتها بشكل كبير، وقد أثبتت الدراسات أن هذه التغيرات تؤثر على الحالة النفسية للإم وإذا استمرت الحالة بعد الولادة أكثر من أسبوعين يجب مراجعة الطبيب النفسي بأسرع وقت حيث أن العلاج المبكر يعطى نتائج أفضل، إضافة إلى أن استمرار الحالة دون علاج قد يؤدي إلى الوصول إلى درجة خطيرة من المرض تؤثر على الأم وكذلك على الطفل، ويشمل العلاج مضادات الاكتئاب وينصح بالراحة، والدعم النفسي وتعاون أفراد الأسرة في إنجاز الأعمال المنزلية اولابتعاد عن الرجيم و تناول وجبات غذائية صحية سليمة، كما أن نسبة كبيرة من سوء الحالة النفسية للأم تعود إلى خوفها على الطفل من إمكانية حدوث مكروه له أو عدم قدرتها على حمايته بشكل سليم