عاش العالم عام 2020 تحت وقع صدمة تفشي وباء كورونا الذي سبب اختلالات في جميع مناحي الحياة وشل الاقتصاد العالمي، إلا أن بوادر الانفراج بدأت تلوح في الأفق بعد التوصل إلى لقاحات واعدة قد تقضي على الجائحة لتعيد بعث الحياة من جديد. فعلى خلفية انتشار فيروس كورونا المستجد في العالم، عرفت اقتصادات العالم انتكاسة غير مسبوقة، لا سيما بالدول النامية والفقيرة التي تعاني من زيادة في معدلات الفقر والبطالة، وتقليص فرص الإنعاش التنموي. فبعد ظهوره شهر ديسمبر 2019 في مدينة "يوهان" الصينية، وانتقاله في غضون 3 أشهر إلى دول أسيوية وعبوره بسرعة "خارقة" القارات الأوروبية والإفريقية والأمريكية، أصبح جل العالم بحلول شهري أفريل وماي بعاني من انتشار "كوفيد-19"، الذي أعيد تصنيفه من وباء إلى جائحة حسب منظمة الصحة العالمية. وسارعت معظم الدول إلى فرض إجراءات احترازية وإغلاق شامل بما فيه للحدود من أجل احتواء الوضع الوبائي، إلا أن الفيروس خرج عن السيطرة وأخذ يتفاقم حاصدا ألاف الأرواح وعشرات الألاف من الإصابات، و أدخل العالم في عزلة تامة، ولأول مرة في تاريخ المعمورة تحولت شوارع العواصم إلى مدن "أشباح". وبعد تسجيل تراجع طفيف في المنحى الوبائي، عادت حالات الوفيات اليومية إلى التصاعد بشكل مطرد مرة أخرى مع بداية السداسي الثاني من العام الجاري، مع اكتشاف بؤر جديدة للعدوى في شتى أرجاء العالم، لكن هذا لم يثن العديد من الدول عن رفع التحدي لإغاثة اقتصادها من الركود، فسارعت إلى التخفيف من قيود الإغلاق أو إلغائها تماما، مع الاستمرار في الالتزام بالإجراءات الصحية للحد من انتكاسة محتملة. ودفعت الولاياتالمتحدة الثمن الأغلى للفيروس القاتل، وهي البلد الذي يسجل أكبر عدد وفيات عالميا، فيما مثلت القارة الأوروبية أكثر من ثلثي حصيلة الوفيات في العالم. وفي ظل التباين في مواقف الدول بشأن مؤشرات حالات الوفيات والإصابات، واعتبار بعضها أن الوضع بات "تحت السيطرة"، وتحذيرات أخرى من أن "الوضع لا يزال هشا"، دخلت أكبر الشركات الصيدلانية العالمية في سباق تنافسي من أجل التوصل إلى لقاح كفيل بالتخلص من الجائحة. ويأتي هذا استجابة لدعوة أطلقها الاتحاد الأوروبي لجمع 7,5 مليار يورو من أجل تطوير لقاحات وأدوية لعلاج المرض، فيما وجهت الأممالمتحدة نداء في شهر ماي الماضي، استجابة لخطة إنسانية عالمية موسعة تهدف إلى جمع ما مقداره 6,7 مليار دولار بهدف حماية ملايين الأرواح ووقف انتشار الفيروس في أكثر من 60 بلدا ضعيفا. اللقاحات الواعدة بارقة أمل.. دخلت من أشهر لقاحات عديدة مضادة للفيروس في سباق محموم كلها تسعى إلى إنهاء الأزمة الصحية العالمية، ضمن مبادرة "كوفاكس" العالمية (التحالف العالمي من أجل اللقاحات)، ولعل أبرز هذه اللقاحات اللقاح الأمريكي الألماني (فايزر بيونتيك)، و"موديرنا" الأمريكي و"سبوتنيك" الروسي و"أسترازينيكا" البريطاني، و"سينوفاك" الصيني، إلى جانب اللقاحات الكلاسيكية الأخرى، بينما ما تزال أخرى في مرحلة التجارب السريرية. وأعلنت منظمة الصحة العالمية، أنه تم التوصل إلى تأمين ملياري جرعة لقاح من الجرعات الحالية والجرعات المتوقع الموافقة عليها، سيتم توزيعها خلال النصف الأول من عام 2021، ضمن المبادرة التي تعنى بإتاحة اللقاحات بشكل عادل، بينما حذّرت من خطر كبير لعودة انتشار الفيروس في أوروبا خلال موسم أعياد الميلاد. وتسعى "كوفاكس" إلى ضمان التوزيع العادل للقاحات، متعهدة بتوفير مئات الملايين من الجرعات وتوزيعها بشكل عادل بين البلدان، لكن تبدو المهمة صعبة أمامها لعدم المساواة بين الدول،فيما يخص الأنظمة الصحية والاقتصادية. وتبقى التساؤلات بشأن نصيب بقية العالم، لا سيما الأكثر فقرا من اللقاحات وتخلفها عن الركب مطروحة بخصوص مسألة التوزيع، في وقت بات من الضروري عليها أن تبحث عن بدائل في حال عدم تمكنها من الحصول على هذه اللقاحات اللازمة لكبح تفشي الجائحة. غير أنه في الوقت الذي شهدت فيه عدد من دول العالم انطلاق حملات التطعيم ضد فيروس كورونا، وسط حالة من التفاؤل والترقب حول مدى نجاعة وفعالية هذه اللقاحات في إنهاء المسلسل المرعب للوباء الذي خيم على البشرية طيلة عام كامل، ظهرت سلالة جديدة من الفيروس في بريطانيا وعدد من البلدان لتهدد الإنجازات الطبية العلمية المحققة، وتزيد من المخاوف بشأن إطالة أمد الجائحة نظرا لانتشار العدوى بسرعة أكبر حسب خبراء الصحة وأعطى الفيروس المتحور دفعا للخبراء من أجل تكثيف أبحاثهم العلمية، في محاولة لاحتواء المرض ومنع ظهور طفرات جديدة منه تفاديا لاحتمال أن تؤثر هذه السلالة على نجاعة اللقاحات التي تتواصل حملاتها في العام، لتتواصل بالتالي رحلة البحث عن علاج كفيل بإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي، وسط أمال بقرب الانفراج الكامل بحلول عام 2021.