حل وفد رسمي مصري بالعاصمة الليبية في زيارة هي الأولى من نوعها منذ ست سنوات يقوم بها مسؤولون مصريون سامون من وزارة الخارجية وجهاز المخابرات إلى مدينة طرابلس مقر حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا. وحسب مصادر إعلامية ليبية فإن الوفد، الذي قاده اللواء أيمن بديع نائب رئيس جهاز المخابرات المصرية ورئيس اللجنة الوطنية المصرية المختصة بالشأن الليبي، من المقرر أن سيجري لقاءات مع مسؤولين كبار في المجلس الرئاسي الليبي الذي يترأسه فايز السراج ووزيري الخارجية والداخلية في حكومة الوفاق الوطني محمد الطاهر سيالة وفتحي باشاغا على التوالي لمناقشة العلاقات الثنائية والملاحة الجوية والشؤون القنصلية. غير أن توقيت هذه الزيارة الأولى من نوعها لوفد رسمي مصري إلى طرابلس منذ عام 2014 يحمل الكثير من الدلالات والتساؤلات، خاصة وأنها تتزامن مع زيارة مفاجئة كان قد قام بها وفد عسكري تركي بقيادة وزير الدفاع خلوصي اكار منذ، أول أمس، إلى العاصمة طرابلس. هذا الأخير الذي وجه انتقادات حادة ضد الماريشال خليفة حفتر بعدما هدده باستهداف قواته المتمركزة في شرق ليبيا في حال تعرض الجنود الأتراك المنتشرين في هذا البلد ضمن مهمة لدعم القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني لأي هجوم. وهو ما يجعل زيارة الوفد العسكري التركي واضحة المعاني والأهداف كونها تأتي لتأكيد دعم أنقرة لحكومة الوفاق الوطني، في حين تبقى زيارة الوفد المصري يكتنفها الكثير من الغموض إذا سلمنا بالرفض المصري الصريح لفايز السراج رغم حصول هذا الأخير على اعتراف المجموعة الدولية بحكومته التي تتخذ من مدينة طرابلس مقر لها. ولكن تزامن زيارة أكبر وفدين عسكريين من العاصمتين أنقرة والقاهرة إلى طرابلس بقدر ما يعمق الخلافات بين هاتين العاصمتين بقدر ما قد تكون عاملا لأول اتصالات بينهما عبر البوابة الليبية في محاولة لإنهاء خلافاتهما الاستراتيجية منذ سقوط نظام القذافي وظهور أزمة الغاز في منطقة شرق المتوسط. وقد تكون ضغوط المجموعة الدولية والأمم المتحدة، الراعية لمسار التسوية السلمية في ليبيا الذي أطلقه مؤتمر برلين شهر جانفي الماضي بمشاركة كل الأطراف المباشرة وغير المباشرة المعنية بالأزمة الليبية ودول الجوار، قد دفعت بأنقرة والقاهرة إلى إعادة ترتيب أوراقهما في المستنقع الليبي. ويجد مثل هذا الطرح مصداقيته خاصة وأن زيارة الوفد المصري إلى طرابلس تأتي بعد نحو أسبوع منذ لقاء جمع رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية عباس كامل مع اللواء المتقاعد، خليفة حفتر بمدينة بنغازي الواقعة إلى شرق ليبيا. كما أن هذه التحركات على الساحة الليبية تتزامن مع تحذيرات للأمم المتحدة من مغبة الفشل في التطبيق الميداني التام والشامل لوقف إطلاق النار المتوصل إليه بين الفرقاء الليبيين يوم 23 أكتوبر الماضي بعد سلسلة مفاوضات احتضنتها مدينة جنيف السويسرية. وكان الاتفاق منح مهلة 90 يوما تشرف على نهايتها لانسحاب كل المرتزقة والقوات الأجنبية المتحاربة في المستنقع الليبي ضمن مسعى لفسح المجال أمام تقدم العملية السلمية التي قطعت أشواط هامة على مسار إنهاء الأزمة وسط التوصل لتفاهمات حول عدد من الخلافات الأمنية والاقتصادية والسياسية ولكنها لا تزال تواجه عقبات قد تعصف بكل الجهد المبذول لحد الآن أهمها استمرار الدعم العسكري الأجنبي للفرقاء الليبيين وأيضا استمرار التواجد العسكري الأجنبي على الأرض الليبية.