تحوّلت منطقة تلابيري الواقعة على الحدود المشتركة بين دول ماليوالنيجر وبوركينا فاسو إلى "مقصلة" حقيقية لقوات جيوش البلدان الثلاثة بعد أن حوّلتها مختلف التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل إلى معقل لعناصرها ونقطة انطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية سواء ضد القوات المسلحة لهذه الدول، أو قوات دول الساحل الخمسة وحتى قوات بارخان الفرنسية. كما أنها تحوّلت إلى نقطة سوداء بالنسبة لسكان هذه المناطق من المدنيين الذين راحوا ضحية تناحر مسلح في مناطقهم أدى في كثير من المرات إلى تنفيذ عمليات اغتيال جماعية استهدفت مئات المدنيين الأبرياء. وكانت حصيلة قتلى القوات المالية، أول أمس، وقتلى عملية إرهابية في داخل الأراضي النجيرية أكبر دليل على حقيقة الانفلات الأمني في هذه المنطقة الساخنة والتي خلفت ما لا يقل عن 90 شخصا بين مدني وعسكري خلال 24 ساعة فقط بما يستدعي استنفارا لدول المنطقة لوضع حدّ لهذا الانزلاق، من خلال خطة أمنية مشتركة لمنع تكرار مثل هذه المجازر. فقد لقي ما لا يقل عن 31 عسكريا في صفوف وحدات الجيش المالي ليلة الاثنين إلى الثلاثاء مصرعهم في شمال شرق البلاد على الحدود الثلاثية في أعنف هجوم مسلح يستهدف القوات النظامية منذ بداية العام الجاري. وارتفعت هذه الحصيلة تباعا، طيلة أول أمس، من 11 عسكريا و11 مفقودا إلى 31 عسكريا في حصيلة قد ترتفع لاحقا إذا سلمنا بتأكيدات عدة مصادر أشارت إلى أن الحصيلة اكبر من ذلك بكثير. وأكدت مصادر عسكرية مالية أن الهجوم استهدف موقعا عسكريا في منطقة تاسيت، ساعة استبدال الحراسة في نقطة مراقبة في منطقة انصونغو استغل من خلالها منفذو العملية عنصر المفاجأة في تنفيذ هجومهم. وأضافت أن عناصر المناوبة وقعوا في كمين نصبه نحو مائة مسلح قدموا على متن سيارات رباعية الدفع ودراجات نارية الذين فتحوا نيران أسلحتهم على عناصر السرية العسكرية المالية، مشيرة إلى أن رد قوات الجيش النظامي مكنت من القضاء على 13 مسلحا عندما كانوا في طريق انسحابهم. وجاءت هذه الحصيلة الدموية، ساعات بعد إقدام مسلحين ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء على تنفيذ مجزرة حقيقية ضد سكان مدنيين في غرب دولة النيجر على الحدود مع مالي خلفت مقتل 58 شخصا ضمن أكبر حصيلة قتلى يعرفها هذا البلد منذ انتخاب الرئيس الجديد، محمد بازوم يوم 21 فيفري الماضي. وذكرت الحكومة النيجرية في بيان أن مسلحين لم تحدد هويتهم اعترضوا أربع سيارات لنقل الركاب كانت تقل مسافرين كانوا في طريق عودتهم من سوق أسبوعية في بلدة بانيبانغو باتجاه بلدتي شينيغودار وداري داري، وقاموا بطريقة وحشية وجبانة باغتيال مدنيين قبل أن يقوموا بقتل سكان في قرية داري داري، وإحراق مخازن القمح وحرق سيارات واستيلاء على أخرى. وتضم مدينة بانيبانغو أكبر سوق أسبوعية في منطقة تلابيري على الحدود المالية أو ما يعرف بالحدود الثلاثة بين بوركينا فاسو والنيجرومالي والتي اتخذتها مختلف التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل معقلا لها لتنفيذ عملياتها المسلحة والاحتماء بأحراشها ومناطقها الصخرية الوعرة. وأعلنت السلطات النيجرية حداد لمدة ثلاثة أيام بداية من يوم أمس، داعية المواطنين إلى التزام الحيطة والحذر، مؤكدة عزمها على مواصلة حربها ودون هوادة ضد الأعمال الإجرامية بكل أشكالها. وكان الرئيس النيجري المنتخب، محمد بازوم التزم خلال الدور الثاني من حملته الانتخابية لرئاسيات 21 فيفري الماضي بمحاربة الأعمال الإرهابية التي تحوّلت إلى أكبر تحد يواجه النيجر وكل دول منطقة الساحل. وكانت منطقة تلابيري عرفت في الثاني جانفي الماضي مقتل 100 شخص في هجومين استهدفا سكان قريتين في بلدة مانغايزي ضمن أكبر مجزرة تستهدف مدنيين في هذا البلد منذ عدة سنوات. وكانت المنطقة عرفت عاما قبل ذلك أيضا مقتل 89 عسكريا في هجوم استهدف موقعا عسكريا في منطقة شيني غودار القريبة قبل مقتل 71 جنديا في هجوم مماثل يوم 10 ديسمبر 2019 في بلدة ايناتس التابعة هي الأخرى لمنطقة تلابيري. وبسبب تواتر مثل هذه العمليات الدامية، قرّرت قيادة قوة دول الساحل الخمسة إرسال 1200 عسكري تشادي إلى هذه المنطقة الساخنة في محاولة لاستعادة الأمن المفقود ودعما لقوات بارخان الفرنسية التي فشلت هي الأخرى في تحييد الخطر المتنامي الذي أصبحت تشكله مختلف التشكيلات الإرهابية على سكان البلدان الثلاثة وعلى قواتها ضمن أكبر تصعيد تعرفه المنطقة في السنوات الأخيرة.